الأحد 26 شوال 1445 ﻫ - 5 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

بهاء الحريري: الآن هو الوقت المناسب لبناء لبنان مستقر، مزدهر ومتسامح

كتب بهاء الحريري في صحيفة “عرب نيوز”، في الوقت الذي يصادف فيه لبنان الذكرى السنوية المائة، تجبر الأزمة التي يمرّ بها بلدنا، جميع اللبنانيين على التفكير فيما يتعين علينا القيام به، لوضعنا على طريق صحيح، كي نصبح مرة أخرى دولة مستقرة ومزدهرة ومتسامحة.

لقد تأسس لبنان بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية والمجاعة الوحشية التي أودت بحياة نصف سكان جبل لبنان. إنّ ما تبع ذلك كان نقطة انعطاف رئيسية ومراجعة كاملة للحكومة.

يواجه لبنان اليوم أزمة اقتصادية وإنسانية هائلة. نظامنا محطّم. نحن الآن في نقطة انعطاف رئيسية أخرى تحتاج إلى استجابة جذرية وشاملة مثلما حدث منذ مئة عام. ويجب علينا أن نستعد لإقامة لبنان الجديد.

إنّ التحدي الحالي كبير للغاية. والحكومة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات الأساسية للشعب، أو عن حمايته من التهديدات الداخلية والخارجية. لقد أعاق الدولة كلّ من الفساد المتوطن وعدم الكفاءة، مما ترك الناس يدافعون عن أنفسهم.

إنّ الانفجار المأساوي في ميناء بيروت في الرابع من آب كان أحد أعراض المرض الرهيب الذي أصاب المجتمع اللبناني. تم تحذير النخب الطفيلية مراراً وتكراراً من الخطر القائم في مستودع الواجهة البحرية، لكنهم رفضوا معالجته ثم تخلوا عن الناس العاديين في معالجة العواقب.

ثمّ ّ أتت استقالة الحكومة في وقت لاحق، وكانت حيلة واضحة للنخب الحقيقية لتجنب المساءلة. وذلك من خلال إطالة عملية تشكيل الحكومة وإلقاء اللوم على الجميع باستثناء أنفسهم، فإن كلّ من النظام الحاكم لأمراء الحرب والميليشيات يكرسون وقتهم لإعادة تأكيد أنفسهم.

هذا غير مقبول. إنّ النظام ذاته الذي يسيطر عليه نفس الأشخاص لن يؤدي إلا إلى نفس النتائج، وقد أجبرت هذه النتائج بلدنا على الركوع على ركبتيه. لا يمكن أن يكون هناك عودة إلى العمل كالمعتاد. لقد كان الناس منذ أشهر يدعون إلى التغيير الكلي، وهم يهتفون: “كلهم يعني كلهم”.

وهذا يعني أن المسؤولين عن محنة لبنان — بمن فيهم كل من دعم حكومات الميليشيات مثل “حزب الله” وأمراء الحرب الراضين عنها على مدى السنوات الـ 15 الماضية — يجب ألا يكونوا جزءاً من مستقبله. ويجب أن نعطي الناس، ولا سيما الشباب، الأمل والاستقرار، وأن نعطي المجتمعات رؤية لمستقبل جديد.

أين نذهب من هنا؟ يجب أولاً أن نبدأ بحكومة مؤقتة ثورية ذات سلطة. إنّ الأسماء الحالية التي سمّيت لرئاسة الحكومة من قبل الأحزاب السياسية الراسخة-بما في ذلك مصطفى أديب-ليست مقبولة.

نحن بحاجة إلى حكومة مؤقتة مستقلة حقاً. غالباً ما يتم تكليف الحكومات المؤقتة فقط لجمع القمامة من الشوارع، لكننا بحاجة إلى واحدة يمكنها إزالة جميع القمامة التي تثير النظام السياسي لبلادنا.

وستسعى المصالح المكتسبة إلى تقويض حكومة مؤقتة من خلال الإشارة إلى أنها لا تملك ولاية للإصلاح الجذري.
أليست الحكومة الواضحة والمطلوبة حالياً هي التي يطالب بها الشباب الذين يسيرون في الشوارع أو العائلات التي تجلس في المنازل المدمرة؟
يجب أن تحظى قيادة مؤقتة جديدة من الخبراء الموهوبين والمتفانين والمستقلين بدعم محلي ودولي لمتابعة أجندة جذرية تمتد عبر تسليط الضوء مرة أخرى إلى توجيه لبنان من خلال الإصلاح الدستوري الشامل.

وستكون المهمة الأكثر إلحاحاً هي إعادة بناء بيروت وتأمين صفقة طارئة مع صندوق النقد الدولي لاستعادة الأموال العامة. وفي حين أن الشعب اللبناني يجب أن يقود هذا الأمر، فإننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا. فنحن في حاجة ماسة إلى أن يقدم المجتمع الدولي المساعدة المالية والإنمائية بطريقة تتسم بالشفافية والمساءلة لضمان وصولها إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها.

سيكون الشركاء الدوليون مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حلفاء مهمين لهذا، وسنحتاج إلى مشاركتهم طويلة الأمد لدعمنا من خلال هذه العملية. ثم يجب على الحكومة المؤقتة أن تطهّر بشكل منهجي نظام المصالح الخاصة والمسؤولين الفاسدين الذين ما زالوا يخنقون لبنان حتى الآن.

وتشكل الميليشيات مثل “حزب الله” خطراً واضحاً وحاضراً على البلاد ويجب نزع سلاحها وتفكيكها، وبالتالي تحرير الحكومة من “الدولة السامة داخل الدولة”. كما يجب تنظيف جميع المؤسسات-القضاء والأجهزة الأمنية وحتى سلطات الموانئ – مع استبدال المصالح الطائفية بالجدارة والكفاءة.

والأهم من ذلك بالنسبة لمستقبل لبنان، ينبغي أن تشرف الحكومة المؤقتة على عملية الإصلاح الدستوري. يمكن للعملية أن تأخذ ولايتها من اتفاقية السلام التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية، والتي دعت إلى مثل هذا الإصلاح الدستوري ولكن لم يتم الوفاء بها من قبل أمراء الحرب الذين جاءوا للسيطرة على البلاد.

من خلال الاتفاق على دستور جديد غير طائفي يحمي الأقليات ويكرس حقوق وحريات الشعب اللبناني، سيعود لبنان الذي نحبه. وهكذا يمكن أن يكون لبنان الجديد دولة محايدة في المنطقة، ويحافظ على علاقات جيدة مع جميع جيراننا العرب ويرحب بالمواطنين والاستثمارات من جميع الدول الصديقة. فلا يمكن السماح للبنان بأن يظل ساحة معركة للصراعات الإقليمية.

إننا في منعطف حاسم في تاريخنا. لدينا فرصة الآن لتغيير اتجاه مستقبل لبنان. وعلينا أن نغتنم هذه الفرصة وأن نبعث الأمل في أن تكون السنوات الـ 100 المقبلة في لبنان أكثر سلاماً وازدهاراً من السنوات الأولى.