السبت 10 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تجارة الأسلحة وتبييض الأموال يجمعان بين “حزب الله” والبوليساريو

في الوقت الذي يناقش فيه الدبلوماسيون ما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عن وثائق إيران النووية السرية التي استطاع الحصول عليها، أثار مؤتمر صحافي آخر عُقد على بعد 2500 ميل، جدلا حول سياسات إيران وأنشطتها الخارجية.

اللافت أن المؤتمر الثاني كان مصدره المغرب. وهذا في حد ذاته يعطي أبعادا أكثر جدية وواقعية على القضية والاتهام الموجه لإيران و”حزب الله”. ويعرف المغرب بدبلوماسياته وحرصه الشديد على موازنة علاقته مع مختلف دول العالم.

ورغم أن علاقة المغرب بإيران لم تكن متميزة إلا أنه حافظ دائما على الحد الدبلوماسي في التعامل معها. وحتى في قضيته القومية حول الصحراء المغربية دائما ما تكون وجهة المغرب الأولى المجتمع الأممي والتصرف وفق ما تفرضه القوانين والبروتوكولات الدولية، رغم قوة حجته.

قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بسبب ما قال إنه دعم وتدريب تقدمهما جماعة “حزب الله” اللبنانية، حليفة طهران، لجبهة “البوليساريو” التي تنازع الرباط السيادة على إقليم الصحراء. وأكد مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة المغربية، أنه قبل اتخاذ قرار قطع العلاقات مع إيران تمت مواجهة طهران بهذه الأدلة من خلال زيارة وزير الخارجية ناصر بوريطة، لإيران، ولكنها لم تقدم أي أمور لنفي ذلك. وقال الخلفي إن قرار الرباط لم يخضع لأي سياق دولي، مشددا على أن أي قرار ضد وحدة بلاده، سيكون مكلّفا للطرف الذي اتخذه

لذلك، لم تترد دول كثيرة في العالم في دعم قرار المغرب المتعلق بطرد “حزب الله” من أراضيه وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بعدما تبيّن أن هناك علاقة بينهما وبين جبهة البوليساريو الانفصالية وصلت حد تقديم الدعم العسكري، ما يعرض أمن المغرب القومي للخطر، وأيضا أمن المنطقة الأفريقية والعالم بأسره.

تتجاوز علاقة البوليساريو ب”حزب الله” تقديم الدعم بتحريض من الجزائر. حيث تربطهما أيضا تجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال. فشبكة “حزب الله” في تبييض الأموال تمتد من أفريقيا (الغرب أساسا) إلى أميركا اللاتينية، وعلاقة البوليساريو بالتنظيمات الجهادية في المنطقة تفيد عمل “حزب الله” كثيرا.

سارعت جهات مرتبطة بإيران إلى محاولة ربط موقف المغرب بمقاطعة السعودية والبحرين ومصر لقطر، خاصة وأن المغرب قاطع إيران عام 2009 ردا على تصريحات إيرانية طالبت بضم مملكة البحرين إلى أراضيها، وهي القطيعة التي استمرت حتى أكتوبر عام 2016، بعدها عيّنت الرباط سفيرا لها في طهران.

كما سعت هذه الجهات إلى تأطير القرار المغربي في سياق الأزمات الإقليمية وحالة الاستقطاب الثنائي مع السعودية، التي تسعى إيران إلى الترويج لها لتظهر نفسها كقوة ندية، في حين أن الواقع عكس ذلك، سواء من ناحية موازين القوى مع السعودية في المنطقة، كما من ناحية خلفية موقف المغرب، الذي وقف على مسافة من الأزمة الخليجية احترمها رباعي المقاطعة وقدر خصوصيتها.

وأعلنت الرباط، الثلاثاء الماضي، أنها تمتلك “معلومات تفيد بإقدام دبلوماسيين في السفارة الإيرانية بالجزائر على تسهيل عملية لقاء قياديين في “حزب الله” بقياديين في البوليساريو”.

ونفت طهران و”حزب الله” تقديم أي دعم لـ”جبهة البوليساريو”، واعتبر الحزب أن القرار المغربي جاء “بفعل ضغوط أميركية وإسرائيلية وسعودية”، وهو ما نفته الرباط بدورها، كما نفاه سياسيون ومتابعون وخبراء، من بينهم المحلل الأميركي في صحيفة واشنطن اكزامينور، مايكل روين، الذي يؤكد أنها “لم تكن مجرد عملية مارقة. ففي النهاية ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار مملكتهم”.

ويضيف روبن أن “الواقع يقول إن سلوك إيران يكتسب طابعا أيديولوجيا، ومشكلة إيران مع المغرب هي أيديولوجية، خصوصا وأن المغرب لا ينتمي إلى معسكر دول الغرب الليبرالي فقط، ولكنه يقف أيضا في طليعة القوات المحاربة للإسلام المتطرف”، مضيفا أنه “على الرغم من اختلاف المذاهب بين إيران والمغرب، إلا أن رجال الدين وقادة إيران لا يريدون رؤية هذا الفرق أو حتى الالتزام به”.

وجدد رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني الخميس، قوله إن المغرب لا يمكن أن يتساهل مع أي اعتداء على ثوابته الوطنية وسيادته على إقليم الصحراء. وقال خلال كلمته في افتتاح اجتماع مجلس الحكومة، إن “المغرب اتخذ، أخيرا، موقفا صارما وقطع علاقاته مع إيران، لدعمها جبهة الانفصاليين (البوليساريو)”. واعتبر العثماني أن “عمق الرسالة من هذا القرار (قطع العلاقات) هو أن أي اعتداء على الثوابت الوطنية وعلى سيادة المغرب لا يمكن للرباط التساهل أو التسامح معه بأي وجه كان”.

برر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قرار بلاده قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بقوله إن “ما يقوم به “حزب الله” في تندوف (بالجزائر) بمباركة إيرانية هو تهديد مباشر لسلامة المغرب والمغاربة، وهذا لا يمكن أبدا القبول به”.

وقطع بوريطة الطريق على أي تأويلات بقوله إن “هذا القرار صدر ضد إيران وليس ضد لبنان الذي يعتبر “حزب الله” طرفا في حكومته”، وأضاف “ليست هناك دلائل على أن مسؤولين لبنانيين رسميين، أو سفارة لبنان في الجزائر تدخلت في هذا الأمر”، وتابع قوله إن “ما يقوم به “حزب الله” لا يمكن أن يتم دون علم وموافقة الجمهورية الإيرانية”.

ويتأكد أيضا، من خلال مراجعة علاقات المغرب الدبلوماسية، أن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية والأمن القومي للبلاد، دون تأويلات مسيّسة. فالمغرب يحتفظ بعلاقات الدبلوماسية، بل ويسعى إلى تطويرها مع دول معروفة بدعمها للبوليساريو، خصوصا في أميركا اللاتينية.

وقال بوريطة إنه “يمكن لإيران أن تتخذ مواقف دبلوماسية من قضية الصحراء، كما يمكن أن تكون لها تحركات دبلوماسية، لكن حينما يتعلق الأمر بقيام موظفين في السفارة الإيرانية بالجزائر بتسهيل العلاقة بين البوليساريو و”حزب الله”، فهذا الأمر لا يمكن القبول به”، مشددا على أن الأمر يتعلق بـ”دعم عسكري” وليس بمواقف دبلوماسية.

وبالتالي، فإن الموقف من إيران جاء بعد ما تبيّن بالحجة أن إيران تجاوزت الخطوط الحمراء واخترقت الأعراف الدبلوماسية والدولية وتهدد الأمن القومي للمغرب بتسليحها للانفصاليين وحثهم على الاستفزاز وإثارة المشكلات بما يصرف انتباه الداخل عن مساع إيراني تهدف إلى نشر التشيّع في المغرب والمنطقة، وأيضا التركيز مع البوليساريو يصرف الانتباه عن نشاط “حزب الله” في أفريقيا، خصوصا بعد تضييق الخناق عليه في أميركا اللاتينية.

ودعا مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، كبار القادة الإقليميين في قمة الأميركيتين التي عقدت، مؤخرا، بليما في البيرو، إلى شن حملة منسقة ضد نشاطات “حزب الله” غير الشرعية في أميركا اللاتينية.

وتؤكد الإدارة الأميركية أنها تسعى بشدة إلى مواجهة شبكة “حزب الله” الناشطة في مجال المخدرات وتبييض الأموال وتجارة السلاح، والتي تتمركز بقوة في أميركا اللاتينية.

وقال سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية، بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي في تصريح صحافي، إن موقف بلاده ينسجم مع الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة.

وأوضح الباحث المغربي أن المغرب أظهر في السنوات الأخيرة “حزما واضحا” حتى تجاه دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، حينما تكون هناك مواقف من شأنها المس بوحدة ترابه و”بالأحرى إذا كان هناك تدريب عسكري لعناصر البوليساريو”.

واعتبر خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس (حكومية) بالرباط، أن “ما أزعج المغرب هو أن العلاقات بين إيران وجبهة البوليساريو تحولت إلى تعاون عسكري بين “حزب الله” والبوليساريو، مع إمداد الجبهة بأسلحة إيرانية الصنع”، معتبرا أن هذا الأمر هو “خرق للالتزامات المتبادلة” بين طهران والرباط عام 2014 والتي بموجبها تم استئناف العلاقات الدبلوماسية.

وقال إن المغرب من خلال إعادة الدبلوماسية مع إيران في 2016 كان يسعى إلى تطوير هذه العلاقات بشكل متدرّج بناء على التزامات سابقة بين الطرفين، وبهدف خلق نوع من التعاون في قضايا متعددة، بينها الطاقة.

لكن، إيران أبت إلا أن تقطع هذه العلاقات وتخرّبها، من خلال مساعيها إلى اختراق المغرب والمنطقة، حيث يؤكد يايموت أنه لا يمكن قراءة ما كشفت عنه الرباط من علاقة بين البوليساريو وإيران، والجزائر طرف ثالث، بمعزل عن صراعات جديدة في أفريقيا بين المغرب وإيران على المستوى الديني والتجاري، مشيرا إلى أن هذا الصراع يأخذ أبعادا حادة بالسنغال والكوت ديفوار، وأيضا في علاقة بموقف الجزائر من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وتطور علاقاته مع مختلف دول القارة.

وتتحدث تقارير إعلامية عن الدور المغربي في أفريقيا لمواجهة “المد الإيراني”، ومحاولة تغيير الهوّية الدينية السنية للقارة عبر نشر المذهب الشيعي، مستشهدة في هذا الصدد بتأسيس العاهل المغربي محمد السادس “مؤسسة محمد السادس لعلماء أفريقيا” للدفاع عن الإسلام السني المالكي المعتدل.

ويتحدث عن ذات القضية مايكل روبن، مشيرا إلى أنه وفي حين يبدو المغرب مهمّشا بالنسبة إلى أولئك الذين يركزون أكثر على الحرب والصراع في الشرق الأوسط، فإن الدور الذي يلعبه هذا البلد الأفريقي من الناحية الدينية عميق ومؤثر في محاربة التطرف.

ويضيف روبن أن تواصل إيران مع جبهة البوليساريو يثير الكثير من الاهتمام، حيث أنه ليست هناك أي مصلحة لإيران في قضية البوليساريو المزعومة، والتي أكد الكثير من المنشقين عنها أنها قضية فارغة لا معنى لها.

يفسّر رون العلاقة بين البوليساريو وإيران مشيرا إلى أن الجبهة الانفصالية انتهى بها الأمر إلى العمل في التهريب، بعد أن فقدت رعاتها السوفييت والكوبيين، ولم تعد تقنع أحدا، وانشق عنها الكثيرون، وتشهد تمردا مصيريا داخل مخيمات تندوف، كما أن الجزائر لم تعد راعيا ذا ثقة بالنسبة إليها، في ظل أزمات سياسية داخلية ومرض الرئيس الجزائري الطاعن في السن، عبدالعزيز بوتفليقة، والذي قد يؤدي تغييره في أي لحظة إلى انقلاب غير متوقع في الموازين.

كنتيجة لذلك ذهبت جبهة البوليساريو هائمة تبحث عن رعاة لها يستأجرون شبكات تهريبهم أو يموّلون الثراء الفاحش الذي يعيش فيه قادتهم. لم تتوان جبهة البوليساريو لحظة عن تهريب عناصر المتطرفين والإرهابيين والأسلحة وغيرها من السلع المهربة وإمدادهم لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كما لم تتورّع البوليساريو عن أن تكون حلقة وصل في شبكة تهريب عصابات أميركا الجنوبية للكوكايين من صحراء أفريقيا إلى أوروبا.

لذلك يرى مايكل روبن أنه ليس من الغريب أن تقوم هذه الجماعة الآن بتهريب الأسلحة وربما استخدام الصواريخ ضد حليف فرنسا والولايات المتحدة، فهم، بالنسبة إلى إيران في النهاية فرصة لا يمكن تركها، مشيرا إلى أن كشف وثائق إيران النووية يعتبر فقط أحد أجزاء اللغز، لكن الجهود المبذولة لزعزعة استقرار دولة بعيدة عن إيران هو شيء آخر. حيث تسعى الميليشيات المدعومة من إيران وفيلق القدس إلى تقويض السيادة في لبنان والعراق؛ ورعاية الاضطرابات الأمنية في البحرين؛ وتأجيج الحرب الأهلية في سوريا واليمن. ثم يأتي المغرب بعد ذلك ليصبح سادس دولة عربية تقف على قائمة إيران.

وإذا تمكنت إيران من زعزعة استقرار المغرب، فإنها ووكلاءها يمكن أن يهددوا الشحن على مضيق جبل طارق الذي يحظى بأهمية كبيرة مثله مثل مضيقي هرمز وباب المندب، اللذين يقعان الآن تحت تهديد الصواريخ الإيرانية والقوارب الانتحارية. وعلى أقل تقدير، يمكنهم أن يسددوا ضربة قاضية لأنجح نموذج للتسامح الإقليمي وصنع السلام في العالم العربي وأفريقيا.

ويذهب المحلل الأميركي في قراءته الاستراتيجية للمستجدات بين المغرب وإيران إلى القول إنه مع الحيرة التي تستحوذ على الولايات المتحدة في الوقت الراهن بين شؤونها السياسية الخاصة واستعدادها للوقوف إلى جانب الحلفاء المعنيين، قد ترى أنها تستطيع اختبار تصميم وعزم الولايات المتحدة وفرنسا من بعيد.

ليخلص منتقدا دور بلاده بقوله إن “المغرب منذ أن أصبح أول دولة تعترف بالاستقلال الأميركي، كان دائما يقف إلى جانب الولايات المتحدة في أوقات الحاجة. ويجب على الولايات المتحدة الآن رد هذا الجميل. يجب أن تعترف بشكل رسمي بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية وأن تزوّد المغرب بكل موارد مكافحة الإرهاب التي يحتاجها لدرء جبهة البوليساريو والتهديد الإيراني.. لقد حان الوقت للتخلي عن هذه السذاجة التي سمحت لفيلق الحرس الثوري الإيراني بالعمل دون خوف من العقاب لعقود من الزمن، ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في أفريقيا أيضا”.

 

المصدر العرب اللندنية