الثلاثاء 27 شوال 1445 ﻫ - 7 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تسلبنا الحق بسحب الأموال.. الذهاب إلى البنوك كزيارة السجناء

تتفنّن المصارف في استخلاص قرارات تذل صغار المودعين والموظفين، الذين لا حول لهم ولا قوة مالية سوى الرواتب “الموطّنة” في المصارف، أو ودائع تشكّل مدّخرات يصفونها بـ”جنى العمر”. لكن لا تأبه تلك الامبراطورية المستبدة لقوت الناس، فكيف تأبه وهي التي أغرتهم وشجّعتهم على الغرق في وحل القروض. وهي إن تطلب منهم الصبر على اجراءاتها، لا تطلب من نفسها الصبر على استيفاء دفعات القروض الشهرية، وكأن الناس هم من افتعلوا الأزمة، وليس امبراطورية المصارف، وعلى رأسها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

خفض السقوف
الإمعان في احتقار الناس يتجلّى مرة بعد مرة بخفض سقوف السحب اليومي والأسبوعي والشهري على كافة أنواع الحسابات. فالمصارف اللبنانية أعلنت عن خفض سقوف السحب، الذي اختلف بين مصرف وآخر، ومع ذلك، بقيت السقوف في أحسن أحوالها، غير كافية.

في بنك عودة، لا يمكن لصاحب الحساب سحب أكثر من 300 دولار أسبوعياً و5 مليون ليرة أسبوعياً و15 مليون ليرة شهرياً. في بنك البحر المتوسط، لا يمكن سحب أكثر من 200 دولار أسبوعياً أو 5 مليون ليرة أسبوعياً مقسمة على 2 مليون ليرة يومياً. في فرست ناشونال بنك، سقف السحب هو 100 دولار أسبوعياً و5 مليون ليرة أسبوعياً. سقف السحب في بنك سوسيتيه جنرال هو 400 دولار أسبوعياً على أن لا يتجاوز السقف الـ800 دولار شهرياً، أما بالليرة، فيمكن للمودع سحب 3 مليون ليرة شهرياً، على أن لا يتعدى السحب 1.5 مليون ليرة أسبوعياً. في البنك اللبناني السويسري سقف السحوبات بالدولار هو 250 دولار أسبوعياً وبالليرة 5 ملايين أسبوعياً.

في البنك اللبناني الفرنسي، سقف السحوبات 1000 دولار أسبوعياً و1.5 مليون ليرة يومياً. بنك الاعتماد المصرفي، سقف السحوبات هو 200 دولار أسبوعياً، فيما سقف السحوبات بالليرة يبلغ 500 ألف ليرة يومياً، بسقف أسبوعي يصل إلى 3 مليون ليرة. بنك سرادار، سقف السحب الاسبوعي هو 500 دولار وسقف السحب الأسبوعي بالليرة هو 5 مليون ليرة. في فرنسبنك، سقف السحب الأسبوعي 300 دولار، و5 مليون أسبوعياً بالليرة اللبنانية. بنك الاعتماد اللبناني، سقف السحب هو 500 دولار أسبوعياً، و5 مليون ليرة أسبوعياً. بنك لبنان والخليج، سقف السحوبات بالدولار هو 500 أسبوعياً، و3 مليون أسبوعياً بالليرة اللبنانية. بنك لبنان والمهجر، سقف السحوبات هو 200 دولار أسبوعياً، و3 مليون بالليرة اللبنانية.

أما في بنك انتركونتينانتال، فسقف السحوبات الأسبوعي هو 400 دولار و5 مليون ليرة لسقف السحوبات الأسبوعي بالليرة اللبنانية. بنك بيروت، سقف السحوبات الأسبوعي هو 500 دولار و5 ملايين ليرة أسبوعياً على أن لا يتجاوز السحب 2.5 مليون ليرة يومياً. وهذه السحوبات مرهونة بتوفر السيولة. بنك بيبلوس، سقف السحوبات 300 دولار أسبوعياً، فيما سقف السحوبات بالليرة تبلغ 7.5 مليون ليرة أسبوعياً. بنك بيروت والبلاد العربية، سقف السحوبات 300 دولار أسبوعياً، فيما سقف السحوبات بالليرة يبلغ 5 مليون ليرة أسبوعياً.

وتجدر الإشارة الى أن سقوف السحوبات خاضعة لسلّم تصاعدي بحسب حجم المبالغ المودعة في المصارف. ففي بنك لبنان والمهجر على سبيل المثال، يبلغ سقف السحوبات الأسبوعي 200 دولار للحسابات التي تضم أقل من 10 آلاف دولار. وللحسابات التي تضم مبالغ من 10001 إلى 50 ألف دولار، لا يمكن لصاحبها سحب أكثر من 300 دولار أسبوعياً. ومن 50001 إلى 100 ألف دولار، يمكن لصاحب الحساب سحب 400 دولار أسبوعياً فقط. ومن 100001 إلى مليون دولار، يمكن لصاحب الحساب سحب 500 دولار أسبوعياً. أما المبالغ التي تفوق المليون دولار، يمكن لأصحابها سحب 1000 دولار أسبوعياً.

خطف الأموال
تعترف المصارف لأصحاب الأموال بوجود أموالهم على دفاترها وحواسبها، لكنها تمنعهم من سحبها إلاّ بشروطٍ تشبه شروط زيارة السجناء. فأموال الناس سجينة فعلياً لدى المصارف، تُفاوض من موقع قوة للافراج عنها، والناس لا تملك أوراقاً رابحة لتفاوض بها.

ما يثير الغضب أكثر، هو احتجاز المصارف لأموال الرواتب الجارية غير المجمّدة، وهي أموال تدخل المصارف شهرياً، أي أنها كانت خارج أزمة المصارف. فإن سلّمنا جدلاً بأن الأموال المودعة في الحسابات المجمّدة، قد استثمرتها المصارف وباتت غير قادرة فجأة على تلبية طلبات السحب، فإن الرواتب الشهرية عبارة عن حسابات جارية، وهي بشكل ما، “طارئة” على المصارف وليست معدّة للاستثمار، فلماذا تُحتَجَز إن كان وضع القطاع المصرفي بخير وودائع اللبنانيين مضمونة كما يحلو لحاكم المركزي تبشير المواطنين؟.

أبعد من ذلك، تذهب المصارف إلى ابتزاز أصحاب الحقوق ممّن يملكون حسابات بالدولار الأميركي، بحيث تخيّرهم بين الالتزام بسقف سحب الدولار أو الاتجاه إلى سحب المبالغ بالليرة على أساس السعر الرسمي 1515 ليرة للدولار الواحد. ما يعني أن المصارف تحاول إجبار أصحاب الحقوق على خسارة جزء من أموالهم، لأن القيمة الفعلية للدولار ليست 1515 ليرة وانما تفوق 2000 ليرة، وهي القيمة التي يتم تداولها في السوق ولدى الصرافين. وبالتالي تبديل الأموال من دولار إلى ليرة وفق السعر الرسمي، هو تبديل صحيح نظرياً، لكنه خاطىء على أرض الواقع. وعلى المصارف تبديل الدولار وفق سعر 2000 ليرة على الأقل، لكي تصبح معادلة سحب الليرة بدل الدولار، مقبولة.

الأثرياء بخير
وضعت المصارف جداول السقوف، وتركت لنفسها حرية اختيار تطبيقها أو لا، وحرية اختيار المشمولين بالقرار. وبذلك، فرضت المصارف قيودها على صغار المودعين وأصحاب الحسابات الجارية لرواتبهم، وأبقت سقوفها بالنسبة لكبار المودعين، حبراً على ورق. فلا يعدو سقف السحب 1000 دولار على المبالغ المودعة التي تفوق المليون دولار، سوى “نكتة” سمجة جداً، لأن أصحاب الودائع بهذا الحجم قادرون على تهديد المصارف، وهم زبائن تحتاجهم المصارف لتعتاش من أموالهم. فهل تريدنا المصارف أن نقتنع بأن من يملك أكثر من مليون دولار في حسابه، لن يستطيع سحب أكثر من ألف دولار أسبوعياً؟ علماً أن مثل هؤلاء الاشخاص، باتت معظم أموالهم خارج لبنان، وعلى رأسهم السياسيون الذين تركوا البلاد وفقرائها وما تبقى من فتات طبقة وسطى، أسرى الانهيار غير المعلَن حتى اللحظة.