الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تهشيم السنّية السياسية: ثورة طرابلس هي الجواب لا الزعماء

في العام 1985، كان أبناء الطائفة السنّية في لبنان يعيشون حالة إحباط، مماثلة للحالة التي تصيبهم اليوم. فبعد أن تحولت الحرب إلى أهلية طائفية ومذهبية، تم تهشيم السنّة، عسكرياً وسياسياً. في حينها وجد هؤلاء أنفسهم بلا نصير، لا موقف حاضناً من قبل الدول العربية لهم، ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت قد خرجت من لبنان، فيما النظام السوري كان يعمل على عقد اتفاقات مع الأقوى على الأرض. عندها جرى التحضير للاتفاق الثلاثي، برعاية حافظ الأسد، بين نبيه بري ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة. كان الاتفاق عملياً على حساب السنّة، بالمعنى السياسي، ووفق ما نظر إليه أبناء هذه الطائفة في حينها.

 

من الاتفاق الثلاثي إلى الطائف
كان مقرراً للاتفاق الثلاثي الذي وقّع في دمشق، أن يكون هو البديل عن اتفاق الطائف الذي أتى لاحقاً. في حينها، بدأت المملكة العربية السعودية بلعب دور غير مباشر على الساحة اللبنانية، وكانت لها اليد الطولى في إسقاط هذا الاتفاق، لأنه بين المسيحيين والشيعة والدروز، فيما يهمّش السنّة. أسقط الاتفاق، تحت ظروف وأسباب متعددة، من أهمها أنه لا يمكن تغييب مكون رئيسي عن آلية تشكيل السلطة في لبنان.

بعدها، فرضت الظروف تغييرات في الموازين السياسية، ادت إلى اتفاق الطائف، الذي عزز صلاحيات السنّة ودورهم، فيما أضعف المسيحيين. وبرز دور الشيعة الذي كان غائباً قبل الحرب. عاشت السنّية السياسية على دعم إقليمي ودولي، إلى أن بدأت مرحلة إضعافها في المنطقة كلها ومن ضمنها لبنان، لصالح تقوية دور الشيعية السياسية، ومعها بدأ المسيحيون يستعيدون دورهم وتأثيرهم على الساحة اللبنانية.

 

تغييب السنّة، (والشيعة تاريخياً) لصالح المارونية السياسية أدى إلى حروب متعددة. واليوم تغييب السنّة قابل للوصول إلى نتائج مماثلة، في حال بقيت المعادلة المذهبية والطائفية هي المستحكمة بالوضع في لبنان. إلا أن هناك فرصة حقيقية أمام السنّة، للخروج من هذه المستنقعات. وهي مهمة ملقاة على عاتقهم، إذا ما أحسنوا التدبير سياسياً واجتماعياً وشعبياً. حتماً، لا يمكن لهذه المعادلة التي انتجها التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وأتت بحكومة تهمش السنّة أن تستمر. طبعاً يدفع السنّة ثمن أخطائهم، وثمن سياسة عامة تسير في المحيط، كانت أكثر تجلياتها في سوريا.

الإحباط والانتفاضة
في ظل الوضع المستجد في لبنان، وانتفاضة 17 تشرين، ستؤول هذه التركيبة السلطوية إلى السقوط. هذا في حسابات المنتفضين بكل تنوعاتهم، وفي حسابات السنّة الذين يشعرون بالتهميش من جهة أخرى. حالياً، قد تختلف توجهات السنّة المحبطين عن توجهات الثوار المنتفضين. خيار الانتفاضة بعيد عن خيارات السنّة السياسية، التي ستجد نفسها أمام حاجة ضرورية لإعادة تشكيل جبهة متكاملة متراصة، بمواجهة هذه التركيبة الحاكمة، ومواجهة مفاعيل التسوية (2016) التي دفعوا الثمن الأكبر فيها.

وهذه ستحتم سياسياً إجراء مراجعة من قبل المعنيين. أولها، أن يعترف الحريري بأخطائه، ويذهب إلى التنسيق مع رؤساء الحكومات السابقين، والنواب والوزراء السنّة، الحاليين والسابقين. وذلك لاستعادة التوازن السياسي في البلد. ويمكن حينها الحديث عن تسوية حقيقية ومتوازنة.. وفق حسابات أقطاب السنّة السياسية. إلا أنه يبقى هناك ما هو أبعد وأعمق. وهو أن ينظر السنّة اليوم إلى أنفسهم على أنهم أمام فرصة تاريخية، ليس بالمعنى الطائفي والمذهبي، إنما بالمعنى الاجتماعي، وبالمعنى التاريخي لاندماجهم بالدولة ومؤسساتها، في لحظة سياسية تصيب الانهيارات كل المنطقة المحيطة.

 

الخروج من الإحباط السنّي، يجب أن يرتكز على تشكيل دور يتمثل برفع الحراك الشعبي اللبناني والانتفاضة التي تطالب بدولة، بعيداً عن حسابات وزواريب الطوائف. وهذا من أساسيات ما على السنّة أن يتقبلوه، خصوصاً أن الجمهور السنّي مرضوض، يعاني من تهميش سياسي وتهشيم اقتصادي واجتماعي ومعيشي.

طرابلس التغيير
لطالما لم تشكّل المسألة الطائفية والمذهبية أي اعتبار في حسابات السنّة. ولذلك، بإمكان الجمهور السنّي أن يتفوق على كل أبناء الطوائف الأخرى. هي فرصته للعودة إلى التفلت من العصبية الطائفية والمذهبية نحو الأفق المطلبي، والذي يمكن البناء عليه ومراكمته لجعله رافعة أساسية للانتفاضة، ليس في طرابلس فقط بما تمثله من تنوع، شكّل السنة فيها رافعة التحركات. خصوصاً أن عاصمة الشمال كانت بوصلة التغيير في البيئة السنية، ولعبت دوراً بالغ الأهمية بعدم حصر الاحتجاجات بمركزية بيروت فقط. وهذا يفسّر السبب الأساسي وراء محاولات “تدعيش” بيئة المدينة، وإظهارها كخارجة على القانون، وهي التي تمكنت سريعاً من فرض نفسها عاصمة للثورة، وتنصلت من كل الزعماء ومن كل الاتهامات، ولم تأبه لصورة زعمائها، وتخطّت هذه العقدة، لصالح رفع هموم البلد كله، ونزعت الهالة عن زعاماتها وأسقطتها، ولم تطالب الآخرين بنزع زعاماتهم، ما يعبّر عن تخطّ لكل الحسابات الطائفية.

الملامح الطرابلسية في الثورة، تعبّر عن غنى وقوة وليس عن ضعف. قدرتها كانت مفاجئة للتعبير عن رحابتها، وهي تؤسس لتغيير اجتماعي سيتحول لاحقاً حكماً إلى تغيير سياسي.