الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

دياب... "واحد منن"

“أي سلطة لا تحتكم للشعب هي سلطة منفصلة عن الواقع وتعيش في برج عاجي ولن تستطيع حماية البلد”… عبارة بحد ذاتها منفصمة عن الواقع قالها الرئيس المكلف تشكيل “حكومة اللون الواحد” حسان دياب من على منبر قصر بعبدا لكونها أتت بحرفيّتها تجسيداً واقعياً لتكليفه من قبل منظومة حاكمة تتربع على كراسيها في “أبراج عاجية”، تتعالى على هتافات الشعب المنتفض منذ أكثر من شهرين، تتحكم به ولا تحتكم إلا لغريزتها السلطوية، عملت ولا تزال تعمل على كسر إرادة الناس وتكسير ساحاتهم وتحطيم طموحاتهم، وهي حكماً “لن تستطيع حماية البلد” طالما بقيت تدير أذنها الطرشاء لهتافاتهم ومطالبهم المتكررة بتغيير الطبقة المستأثرة بمقاليد الحكم بعدما ثبت بالأداء القاطع كونها منظومة راعية للفساد والهدر والمحاصصة والإفلاس… وقد انضمّ دياب بالأمس عضواً جديداً في نادي “كلن يعني كلن” بعدما أمسى بنظر الناس كـ”واحد منن” بمجرد أن قبل تكليفه تشكيل حكومة سلطوية فاقدة لشرعية الحراك و”ميثاقية” الثورة.

لم تُسعف دياب كل “الكليشيهات” التي ضمّنها بيانه المكتوب إثر قبوله التكليف والتي خرق فيها كل السقوف العالية وكادت تبلغ أسوار “الحدائق المعلّقة” بوعودها الوردية، إذ لم يتعامل معه الناس إلا بوصفه رئيساً مكلّفاً ترقيع ورطة السلطة والتمويه عن القطب السياسية المخفية في وجه حكومته بمستحضرات تكنوقراطية “لزوم مشهد” المناورة في محاكاة تطلعات ثورة 17 تشرين… أقله هذا ما بدا من مسارعة المتظاهرين إلى الساحات على امتداد العاصمة والمناطق وصولاً إلى مدخل منزل دياب تأكيداً على رفضهم تكليفه تشكيل الحكومة، في مشهد لم يخلُ من قطع الطرقات واستعادة أنشودة “هيلا هيلا هو” ضده وضد رعاة تجليسه على كرسي الرئاسة الثالثة بخلاف رغبة الشارع المنتفض بشكل عام والشارع السنّي بشكل أخصّ.

فغداة قضاء ليلته مجتمعاً برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لتدبيج مسألة ترشيحه وتعليب تكليفه، لم يحُز مرشح أكثرية 8 آذار بمحصلة نهار التكليف الطويل في قصر بعبدا، على أكثر من 69 صوتاً نالها بشق الأنفس على امتداد جولتي الصباح والمساء الاستشاريتين، مقابل 43 ورقة امتناع (إضافة إلى معلومات عن امتناع النائب ميشال المر عن التسمية رغم عدم حضوره إلى الاستشارات لدواعٍ صحية) و14 صوتاً للسفير نواف سلام الذي تميّزت كتلة “اللقاء الديمقراطي” بتسميته من بين الكتل السياسية إضافة إلى نواب مستقلين، وصوت واحد للدكتورة حليمة قعقور منحتها إياه النائبة بولا يعقوبيان.

وبينما خلص دياب إلى نتيجة جعلته رئيساً مكلفاً بامتياز من كتل 8 آذار، بدا لافتاً التعامل معه من قبل وسائل إعلام “التيار الوطني الحر” بوصفه رئيس حكومة العهد الأولى التي من شأنها أن تحقق الإنجازات التي يطمح إلى إنجازها رئيس الجمهورية في ما تبقى من ولايته الرئاسية، في حين حرص الرئيس المكلف الجديد بدوره على أن يخصّ قناة “أو تي في” ليلاً بأول تعليق له على التحركات الشعبية المناهضة لتكليفه فأبدى إصراره على التأليف مؤكداً أنه “لن يعتذر” إنما على العكس من ذلك سوف يعمد إلى تسريع إنجاز تشكيلته.

أما على الضفة السنّية، فيبدو أنّ “ميثاقية” انتخاب الأقوياء في الرئاسات الثلاث قد ضُربت من “بيت أبيها” بعدما نقضها “التيار الوطني الحر” نفسه الذي لطالما كان رافعاً لواءها على امتداد السنوات الأخيرة وشكلت رافعة وصول رئيس التيار السابق ميشال عون إلى كرسي الرئاسة الأولى، وربما كان يعوّل عليها الرئيس الحالي للتيار لبلوغه سدّة القصر الجمهوري. فمع حيازة دياب على 6 أصوات نيابية سنية فقط من أعضاء “اللقاء التشاوري” المحسوب على قوى 8 آذار، وتحت وطأة امتناع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين عن تسميته، ووسط مقاطعة النائب بهية الحريري استشارات القصر بما تمثل ومن تمثل على رأس كتلة المستقبل النيابية التي آثرت عدم التسمية، وبينما لم يحظَ الرئيس المكلف بالتكليف الشرعي من دار الفتوى لتبوؤ رئاسة مجلس الوزراء، ثارت ثائرة الشارع السني ليلاً في بيروت وطرابلس والبقاع حيث انعكس استفزاز أبناء الطائفة اشتداداً للعصب الشعبي خلف قادتها الروحيين والسياسيين، وارتفعت أسهم زعيم “المستقبل” الذي سارع إلى محاولة احتواء الشارع تحت وطأة التحذير من “أزمة خطيرة يواجهها لبنان ولا تحتمل أي تلاعب بالاستقرار”.

وليلاً، أطل الحريري في مداخلة هاتفية عبر برنامج “صار الوقت” مع الزميل مارسيل غانم ليتلو في ما يشبه فعل الندامة أسفه لفشل التسوية الرئاسية التي كان قد عقدها مع عون ظناً منه أن هذه التسوية من شأنها أن “تعيد المؤسسات ويسير البلد لكننا لم نلبّ مطالب الناس ولم نقدم شيئاً للمواطنين”. وسأل: “هل قدمنا كهرباء واتصالات؟”، ليردف: “الطريقة للخروج من الأزمة هي بحكومة اختصاصيين، سمعتُ صوت الناس منذ الدقيقة الأولى ولذلك أنا أوّل من رشح نواف سلام (…) علينا جميعاً الاستماع إلى كلمة الثورة لأنها علمتني الكثير”.

يبقى أن تتبلور أكثر فأكثر مشهدية التأليف على وقع معطيين متلازمين، الأول يتمحور حول كيفية تطور حركة الشارع تفاعلاً مع تكليف دياب من جانب قوى 8 آذار بمعزل عن متطلبات المرحلة شعبياً، والثاني يرتكز على مجريات المشاورات التي سيعقدها الرئيس المكلف غداً في المجلس النيابي مع الكتل النيابية والتي وعد بأن يوسّع مروحتها لتشمل القوى السياسية والحزبية وقوى الحراك الشعبي ليتضح في نتيجتها خيط التكنوقراط الأبيض… من الخيط السياسي الأسود في بنية تشكيلته المرتقبة.