الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

عندما يفتح "حزب الله" معركته الأميركية من لبنان

يبدو أن الساحة اللبنانية قد دخلت في مرحلة مختلفة عما سبقها من الصراع على السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية، يعمل فيها كل الأطراف طبقاً لأجندته الخاصة التي تخدم مصالحه الداخلية أو الإقليمية أو كلاهما معاً، وكلها تتفق على عرقلة التوصل إلى حل لأزمة تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لمعطيات تلبي مطالب الحراك الشعبي المُطالِب بالإصلاح والتجديد وتحترم الحد المسموح لمشاركة المكونات الطائفية.

الأكثر رغبة في التعجيل بالتشكيل الحكومي

حزب الله وحسبما يستشف من آلية تعاطيه مع الأزمة السياسية الحكومية، وعلى العكس من كل حلفائه، يبدو أكثر الأطراف اللبنانية الراغبة في التعجيل بتشكيل الحكومة الجديدة، من دون أن يعني ذلك التخلي عن شروطه بأن تكون مشاركته بشخصيات واضحة في قربها وانتمائها إليه سياسياً. وإصرار الحزب الظاهر للانتهاء من الأزمة الحكومية بأقل الخسائر وبأسرع وقت يمكن ردها إلى رغبته في الانتقال من مرحلة الفراغ وانطلاق العمل الحكومي الذي من المفترض أن يضع حداً للتدهور الاقتصادي والتخفيف من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي باتت تحاصر اللبنانيين في لقمة عشيهم وصحتهم، وهي أزمة لا تستثني الجماعة أو البيئة الحاضنة والداعمة للحزب.

تنفيذ مخططات الحزب

هذا الإصرار سيسمح للحزب بالانتقال براحة أكثر إلى الصفحة الثانية غير المعلنة لتنفيذ المخططات التي وضعها في إطار دوره الإقليمي، خصوصاً في سياق عمليات الرد على مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني، التي دعا مرشد النظام “حلفاء إيران” إلى القيام بها بعد أن قامت طهران بدورها في الرد عبر ضرب قاعدتي عين الأسد والحرير في محافظتي الأنبار وأربيل العراقيتين، في 8 يناير (كانون الثاني) الحالي.

أمين عام حزب الله في لبنان، الذي يبدو أن مسؤولية التنسيق السياسي والتخطيط الاستراتيجي بين حلفاء إيران في المنطقة قد أنيطت به بعد مقتل سليماني، لم يتردد في التأكيد أن فصائل هذا المحور سترد على العملية الأميركية بأعمال عسكرية تطال مناطق انتشار القوات الأميركية وقواعدها في منطقة غرب آسيا، تنفيذاً لقرار المرشد الأعلى الذي وضع خروج هذه القوات من المنطقة في إطار الرد على مقتل سليماني، إلا أن نصر الله حاول بشكل واضح إخراج لبنان من دائرة المناطق التي قد تشهد مثل هذه الأعمال العسكرية، لكنه لم يقدم أي ضمانات بعدم استهداف المصالح الأميركية السياسية في لبنان.

 

من هنا يمكن فهم التصريحات التي ظهرت منذ أيام، ومع المؤشرات التي بدأت تلوح في الأفق عن إمكانية اقتراب وحسم موعد تشكيل الحكومة الجديدة، التي تركزت على استهداف حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة، وجاء الهجوم الأول والمباشر على الحاكم من قبل نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي حمّله مسؤولية تدهور الوضعين الاقتصادي والمالي في لبنان، مهدداً بمحاكمة ومحاسبة كل من تورط بإحداث هذه الأزمة التي تصب في مصلحة المؤامرة الأميركية التي تستهدف “المقاومة” في لبنان وحلفائها.

مسؤولية الأزمة الاقتصادية

شكَّل هذا الخطاب “كلمة السر” لتوسيع دائرة استهداف الحاكم ومعه المؤسسة المصرفية في لبنان، فانضم إليها النائب المكلف من قبل أمين عام الحزب بمتابعة ملف محاربة الفساد النائب في البرلمان اللبناني حسن فضل الله، الذي لم يتردد في تسمية الحاكم وتحميله المسؤولية في الأزمة الاقتصادية مع جمعية المصارف وعدم التزامهما الوعود والقرارات التي صدرت عنهما لمعالجة المالية التي تطال قطاعات اقتصادية أساسية وحياتية وصحية يومية للمواطن اللبناني، منها النفط والطحين والغذاء والدواء، والقطاع الأخير شكّل البوابة التي دخل منها وزير الصحة جميل جبق، المحسوب على الحزب في الحكومة للتصويب على حاكم البنك المركزي واتهامه بالمسؤولية عن الأزمة التي يعانيها القطاع الصحي في توفير المعدات الطبية والدواء وعدم الالتزام بما تعهد به لتسهيل فتح اعتمادات مالية بالعملة الصعبة لهذا القطاع تسهِّل عملية الاستيراد من الخارج.

مرحلة جديدة من المواجهة على الساحة الإقليمية

هجوم قيادات الحزب على رئاسة المؤسسة المالية واتهامها بالمسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية وانهيار قيمة العملة الوطنية، يأتي ليشكل مؤشراً على انطلاق الحزب إلى مرحلة جديدة من المواجهة على الساحة الإقليمية.

يأتي ذلك انطلاقاً من أن الحزب سبق أن التزم بالخطوط الحمراء التي تبلَّغ بها مع السلطة اللبنانية من الإدارة الأميركية والتحذير من المساس بمواقع أساسية في التركيبة اللبنانية من بينها حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وهو ما التزم به الحزب مباشرة تاركاً لحلفائه من اليسار اللبناني مهمة التصويب على المصرف المركزي والمؤسسة البنكية تحت سقف الصراع السياسي اللبناني الذي لا يفضي إلى نتائج تغيرية ومن دون أن يتحمل هو المسؤولية المباشرة عن هذه التحركات والمواقف.

إلا أن انتقال الحزب إلى التصويب المباشر على هذه المؤسسات، يعني أنه قرر عدم الالتزام بالخطوط الحمراء الأميركية والانتقال إلى تحويل هذه المعركة ضد المؤسسة المالية لتكون جزءاً من معركته ضد الوجود والنفوذ الأميركي بالمنطقة في إطار الأجندة التي سبق أن رسمت للإقليم ما بعد 8 يناير على إثر مقتل سليماني في العراق.

مزيد من التصعيد والتدهور الاقتصادي

وبالتالي فإن الحزب، في ظل معركة يحاول أن يفصل بينها وبين معركة تشكيل الحكومة، ومن ثم التمييز بين المصالح اللبنانية والمصالح الأميركية على الساحة اللبنانية، في وقت لا يبدو الفصل سهلاً أو ممكناً لتداخل وتشابك الملفات اللبنانية والمصالح الدولية، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد بين الحزب والقوى اللبنانية الرافضة لهذا الاستهداف مدعومة من قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة التي تعمل للحفاظ على الوضع اللبناني في مرحلة ما قبل الانيهار وتوظيفه للضغط على الحزب من أجل فرض تنازلات عليه وإخراجه من دائرة التحكم بالسلطة اللبنانية إن كان مباشرة أو عبر حلفاء الحزب، وهذا التصعيد قد يحمل أيضاً مزيداً من التدهور فيما تبقى من مقومات الصمود لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تهدد بانهيار الدولة وإفلاسها.