الثلاثاء 14 شوال 1445 ﻫ - 23 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

عون وحزب الله يطيحان بالحريري: تكليف محمد الصفدي

لا تختلف انتفاضة الشعب اللبناني عن الانتفاضات العربية، من وجهة نظر القوى السياسية التقليدية والأنظمة الحاكمة والمواقف الدولية.

حسابات الساسة والدول تختلف عن حسابات الناس، وعن مشاعرهم وأحلامهم وطموحاتهم. المشهد المبهر على امتداد الجغرافيا اللبنانية لا تراه الأحزاب ولا السلطة ولا الدول. وبمجرّد تحرّك الأمواج البشرية تبدأ القوى المهيمنة بحماية مصالحها، وتدخل في الخداع والمناورات للوصول إلى تسويات موائمة لها. وما يتعرّض له اللبنانيون في انتفاضتهم هو نفسه ما تعرضت له الشعوب العربية، وإن بغياب العنف.

يتم الانتفاضة
بعيداً عن آمال الناس، تتسارع حسابات السياسة الخبيثة إلى توظيف في كل ما يجري لصالحها. فيتم العمل على الفرز السريع بين وطنيين وعملاء للسفارات، بين أناس عاديين، وآخرين تابعين لأحزاب وقوى مناوئة. هكذا، حذّر حزب الله سريعاً المتظاهرين من استخدامهم من قبل السفارات، وفق المنطق التقليدي الذي يحتمي به، ووّجه السهام إلى قوى سياسية متضررة من التسوية، سعت إلى إثارة الناس في الشوارع. إنها اللعبة السياسية ذاتها التي تعمل على توفير مقومات الصمود لشركاء السلطة، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للتكافل فيما بينهم على الوضع القائم.

لم يكن لدى اللبنانيين المنتفضين أي دعم حقيقي. وبالواقعية السياسية، لا يمكن لأي حركة شعبية أن تحقق نتائجها المرجوة ما لم تحظَ بدعم دولي. هذه المرّة، الموقف الدولي سعى إلى إجهاض الانتفاضة اللبنانية، من موقف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى حسابات دول أخرى، ربطاً بمواقف أوروبية أرادت الحفاظ على الاستقرار والتركيبة المستحكمة، من دون أي تغيير إنما فقط في سبيل تحسين الأداء.

إشهار الموقف الأميركي كان استهدافاً للانتفاضة اللبنانية. استهداف عرف حزب الله كيف يتلقفه ليقلب الموازين لصالحه. وبعد أسبوع من الارتباك داخل بيئته، استعاد عضده وشد عصب جمهوره. الأمر الذي فعله أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الجمهورية مع وزير الخارجية. وحاول أن يفعله أيضاً رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد تقديمه لاستقالته واستثماره بالشارع، لتحسين شروطه وتوفير ظروف أفضل لعودته إلى الحكومة.

بناء على هذه الحسابات، دخلت الانتفاضة اللبنانية في منعطف آخر، يرتبط بالسياسات الإقليمية والدولية. لم يعبر عنها بومبيو وحده، بل كان قد سبقه إليها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، إذ اعتبر أن ما يجري في لبنان يستهدف حلفاء إيران. وهذا ما أكده بومبيو فيما بعد. فتم تدويل الأزمة، ليرتبط بحسابات “الأمم”، من أمن إسرائيل، إلى ترسيم الحدود والنفط، والبحث عن تسويات ضمن هذه المعادلة، التي لا تنفصل عن حسابات الاستقرار الواجب الحفاظ عليه في ظل وجود اللاجئين السوريين.

على طريقة رامي مخلوف
تحوِّل القوى السياسية اللبنانية والدولية أي مطلب شعبي إلى مادة للبازار السياسي. فلبنان لا يختلف عن سوريا أو اليمن أو العراق أو غيرها. لذلك كان الرهان منذ اليوم الأول على الوقت وملل الناس وإخراجها من الشوارع. وكل ما يجري من مناورات حكومية في الكواليس حول تشكيل حكومة جديدة تحاكي تطلعات اللبنانيين ليس إلا في سبيل كسب الوقت. كلام رئيس الجمهورية كان خير الدلائل على آلية تفكير السلطة. وليس صدفة دفاعه الشديد عن حزب الله وإعتباره أنه لم يطلق رصاصة على إسرائيل منذ العام 2006. وكأنه يقول إن حزب الله هو ضامن الأمن والاستقرار. وإذا تغيرت المعادلة فإن الجبهة الجنوبية ستكون مهددة بالاشتعال، هي نفسها معادلة رامي مخلوف بعيد اندلاع الثورة السورية: أمن إسرائيل من أمن سوريا.

وليس تفصيلاً أن يثير رئيس مجلس النواب نبيه بري ملف ترسيم الحدود والتنقيب عن النفط مع الموفد الفرنسي، في إشارة واضحة إلى أقلمة الأزمة وارتباطها بحسابات الدول، بينما حزب الله أعلن الخصومة مع الانتفاضة، لاعتباره أنها مؤامرة أميركية لا بد من مواجهتها والصمود بوجهها والانتصار عليها بإعادة إنتاج التركيبة ذاتها.

“الأمر لي”
وليد جنبلاط وسمير جعجع حاولا الاستفادة مما يجري لتحسين شروطهما.وعاد جنبلاط وقرأ ما يجري بهدوء. ففضل عدم الالتحاق بالحراك، لأن حساباته كان توحي له أن حزب الله لن يتنازل بالسلم عن ما رفض التنازل عنه بالحرب. وهو يعلم أن الأميركيين يتخلون عن حلفائهم أو أصدقائهم لحظة إبرام الاتفاق مع إيران أو مع حزب الله.

الرئيس سعد الحريري أيضاً حريص على التسوية والسلطة والتركيبة، لا يريد الخروج من رئاسة الحكومة. ولم يكن يريد الاستقالة إلا بعد تكثيف الضغوط. حاول حزب الله تأخيرها لعشرة أيام، وبعد استقالته عتب الحزب عليه وتمسك بعودته. وهو يعلم أن الحريري راغب بالعودة. بدأ البحث عن إجهاض التظاهرات الشعبية. وحاول الحريري تحسين موقعه باستخدام الشارع، إلا أن حزب الله أوصله إلى فقدان أي حيلة، ولم يعد لديه خيار إلا الرجوع عن كل شروطه مقابل العودة إلى رئاسة حكومة تم تشكيلها قبل تكليفه. وهذا يوضح مدى استضعافه.

لم يعرف الحريري كيف يربح، ولم يعرف كيف يخسر، أولا كيف يدبّر الخسارة. بقي أسير المركز وأسير التسوية، وليس لديه غير الاستثمار بضعفه فقط، أولاً لاستعطاف الشارع، وثانياً ترويج نظرية حماية البلد واستقراره واقتصاده. فلم يعد قادراً على العودة. ورحيله عن الحكومة يعتبره نكسة له.

كل هذه الحسابات لم تكن في أي مكان لتلتقي مع مطالب المواطنين. قناعة قوى السلطة مترسّخة بأن الناس غير قادرة على التغيير في لبنان. وحزب الله يعتبر أن “الحراك” لم يحقق شيئاً في الأسبوع الأول. وبالتالي، لن يكون قادراً على تحقيق أي شيء. هنا بدأ حزب الله يرتاح، ويطمئن، لأنه الأكثر تنظيماً وقدرة، وسيعيد تكريس معادلة “الأمر لي في لبنان”، وهذه المرّة برضى دولي.

تسمية الصفدي
رئيس الجمهورية بقي يضغط لتسريع تشكيل حكومة، لأنه لم يعد قادراً على التحمل. تكثفت الاتصالات واللقاءات. وعقد لقاء بين علي حسن خليل وحسين خليل والحريري، للبحث في شخصية مستقلة تترأس حكومة تكنوسياسية، تعمل على امتصاص غضب الناس، وخروجهم من الشوارع بتلبية مطلبهم، إنما تعوّم المعادلة السياسية الخاضعة لقوة الحزب. وهم يظنون أنهم بذلك ينهون الاحتجاجات.

السلطة التي تسعى إلى إعادة تجديد نفسها، وتتعامى عن الناس ومطالبهم، سعت إلى الاتفاق في اجتماع الأمس على محمد الصفدي رئيساً للحكومة. وكأن لا تظاهرات في الشارع ولا مطالبات باستعادة الأملاك البحرية وخصوصاً “الزيتونة باي”، علماً انه بمجرد طرح اسم الصفدي كرئيس انقاذي للحكومة، فإن الناس ستُستفز، لأنه من التركيبة القائمة ويحمي مصالحها، وبالتالي ستصعب مهمته، ولن يكون من السهل عليه تشكيل الحكومة لأن الانفجار سيكبر.

الصفدي هو خيار عون بالأساس، وعلاقته جيدة بالنظام السوري وحزب الله. وكان عون قد طرحه قبل فترة كبديل من الحريري بعد خلافات بينهما حول الملف السوري.

وافق الحريري أمس على ترؤس الصفدي للحكومة، وهذا سيمثل نكسة سياسية له في المستقبل، لأن ما بعد وصول الصفدي الى الرئاسة ليس كما قبله. وسيكون ذلك بالغ السلبية على رئيس “المستقبل”.

فطوال الأيام الماضية كان الحريري يرفض تشكيل حكومة إلا بشروطه. لكن بعد لقائه مع الخليلين وافق على اسم الصفدي. وعندما تواصل مع بعض القوى لتبرير موقفه، توجه إليهم بالقول أن ليس لديه أي خيار بديل، لأن عون وحزب الله رفضا كل الأسماء الأخرى. وهذا يعني أنه رضخ لشروطهم. وافق الحريري على الصفدي ولم يوافق على تسمية أي شخص من فريقه!

الاتفاق على الصفدي قد يسرع إجراء الاستشارات، لكن عملية التشكيل ستكون دونها صعوبات، أولها شروط الأفرقاء على اختلافاتهم، وكيف سيتم تمثيلهم، وما الذي سيتضمنه البيان الوزاري. كما لا بد من احتساب مجال لهامش المناورة، في حال تفاقمت التظاهرات رداً على تكليف من يتهمونه بالتعدي على الأملاك البحرية في الزيتونة باي. وقد يتعثر التشكيل ويتراجع الصفدي، ليعود الخيار ويرسو على الحريري.. وهكذا دواليك.

بالتأكيد، ما تأسس في انتفاضة 17 تشرين من المستحيل محوه، وإذا خفتت مرحلياً، فستتفجر في مرحلة لاحقة. وستمهد لتغيير بعيد المدى.