السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

عيوب تعميم مصرف لبنان والقروض الجديدة: المصارف تربح دوماً

هذا النص هو قراءة في تعميم مصرف لبنان الوسيط رقم 547 الموجه للمصارف والمؤسسات المالية، المتضمن القرار الوسيط رقم 13213 الذي عدل القرار الأساسي رقم 6116 تاريخ 07/03/1996: قروض مستجدة للتعامل مع أزمة فيروس 19 COVID المستجد.

 

من يراجع قرار مصرف لبنان الوسيط 13213 الأخير يرى أننه يتضمن شوائب أساسية:

أولاً: من يستفيد من قرار مصرف لبنان؟

المستفيدون من القرار هم فئة محصورة. لكي يستفيد العميل من “القرض الاستثنائي” وفقاً لأحكام هذا التعميم يجب أن يتوفر فيه ثلاثة شروط مجتمعة (cumulative):

– الشرط الأول: “عملاء المصارف الذين يستفيدون من قروض بأنواعها كافة ممنوحة سابقاً”.

أي أنك في حال لم تكن من المؤسسات الذي سبق لها واقترضت من مصرف، فإنك تستبعد كلياً من هذه الفئة. السؤال الأهم بالنسبة لنا ماذا عن المؤسسات التي ليس لديها قروض سابقة؟ أليست هي الأولى بالإقراض كونها مؤسسات صحية ولا تثقل ميزانيتها ديون كبيرة وهي قادرة على إعادة القرض، وهي الوحدة الاقتصادية التي يحتاج اليها لبنان في المرحلة المقبلة كونها من الوحدات المنتجة، والتي تأثرت بالأزمة الخارجة عن إرادتها والقادرة على الاستفادة من القرض بطريقة فعالة تسمح بتحقيق “أهدافه”؛

– الشرط الثاني: “والذين لا يستطيعون تسديد مستحقاتهم لثلاثة أشھر (آذار ونيسان وأيار 2020) بسبب الاوضاع الراهنة”.

ما هي الأوضاع الراهنة؟ إننا نعيب على القرار عدم تحديده الأوضاع الراهنة. وإننا نسأل ماذا عن أولئك الذين لم يعودوا قادرين على دفع مستحقاتهم نتيجة الأزمة المالية التي سبقت أزمة وباء كورونا؟ أو المؤسسات التي توقفت عجلة الإنتاج لديها بسبب عدم توافر العملة الأجنبية، أو القدرة على التحويل خارج لبنان؟ وهل آثار أزمه كورونا والأزمة المالية محصورة بثلاثة أشهر فقط؟

– الشرط الثالث: “أن تتأكد المصارف والمؤسسات المالية على مسؤوليتها من حاجة العميل المعني لتغطية هذه المستحقات” وفقاً لما ورد في البند 2 من المادة أولاً (أي المادة 14 مكرر).

أي أن منح “القرض الاستثنائي” متروك لتقدير المصرف وليس بمدى حاجة العميل، وهو ما يتركه تحت رحمة المصرف الاستنسابية. إن تجربة كيفية إعطاء القروض المدعومة شابها الكثير من الانتقادات، نتيجة ما تكشف لاحقاً عن الجهات التي منحت لها.

ثانياً: حماية القطاع المصرفي أم حماية المؤسسات المتعثرة؟

جرت العادة في الحروب أو في الأزمات أن تقوم الجمعيات والمنظمات وفاعلي الخير، بتوزيع حصص غذائية للمتضررين أو للمحتاجين، وفي بعض الأحيان كانت جهات سياسية أو محلية تستولي على تلك الحصص، وتوزعها على محسوبين أو على الجهات الموالية لها. وعادة ما تكون أشبه بالهروب من معالجة الأزمات والحروب. إن آلية هذا القرار شبيهة بتلك الحصص (الإعاشة). فالقروض هي قروض ممنوحة فقط لتلبية حاجة المؤسسات لثلاثة أشهر(bridge).

فمن يحمي المصرف المركزي بهذا القرار؟

تتجلى نية مصرف المركزي بوضوح عندما يحدد أهداف القرض (Purpose):

1- فالفقرة “أ” من المادة الأولى من هذا القرار تنص على تسديد أقساط القروض الممنوحة سابقاً، والتي تستحق عن الأشھر الثلاث. إذاً، إن الهدف الأول للقرار حماية المصارف من القروض المتعثرة.

2- أما الهدف الثاني فجاء في الفقرة “ب” من المادة ذاتها، التي حددت غاية أخرى للقروض وهي دفع رواتب الموظفين والعاملين لدى العملاء المعنيين، أو تغطية حاجات إنتاجية أو تشغيلية، خلال الفترة المشار إليھا أعلاه، وذلك في حال كان العميل مؤسسة أو شركة.

3- إنّ القرار وإنْ كان يمنح المؤسسة قرضاً من أجل دفع رواتب الموظفين والعاملين لديها -هذا مع تحفظنا على تعبير موظف التي تستعمل في إطار موظفي القطاع العام – فإن القرار لا يلحظ حق رب العمل باعتبار أيام “التعبئة العامة” كإجازات، سواء مدفوعة أو غير مدفوعة. وهو يُعتبر تدبيراً ناقصاً ما لم يلزم المؤسسات بإعطاء الرواتب والأجور من دون أي حسومات. وهو لم يكن موفقاً لهذه الغاية، علماً أن مصرف لبنان لا يملك سلطة اتخاذ هكذا تدبير.

4- يشير القرار إلى أن منح القرض الاستثنائي يهدف إلى دفع حاجات العملاء الإنتاجية والتشغيلية، من دون أي تحديد أو ضوابط لكيفية تحديدها وماذا تشمل. فما هي الحاجات الإنتاجية أو التشغيلية للمؤسسة التي يشير إليها القرار؟ هل يشمل ذلك المواد الأولية أو اعتمادات يمكن فتحها للخارج؟ وهو بذلك سمح باعتماد عناصر تقييم ملتبسة واستنسابية، القرار فيها للمصرف وليس حاجة العميل التشغيلية والإنتاجية.

ومن جهة أخرى، ما جدوى إقراض الشركات بهذا الشكل؟

فالشركات المتعثرة ترزح أساساً تحت فوائد خيالية. إذ يتم احتساب فوائد عليها وفق لمؤشر الفوائد المعيارية الذي تصدره جمعية المصارف! والمعروف بـBeirut Reference Rate (BRR) الذي وبالرغم من انخفاضه في الشهر الأخير إلى 9 في المئة للتسليفات في الليرة اللبنانية و6.75 في المئة للتسليفات بالدولار الأميركي، لم تنعكس على أي تخفيضات في الفوائد المطبقة من قبل المصارف، التي استفادت من تخفيض الفوائد على الودائع، مع الإشارة إلى أن معدل الفوائد المطبقة فعلياً يفوق مؤشر BBR بنقطتين على الأقل، ويصل أحيانا إلى ما يفوق 5 نقاط. المصارف نفسها هي التي أوقفت التسهيلات الائتمانية والقروض المدعومة بشكل تعسفي في بعض الأحيان الممنوحة للعملاء، وشلت قدرتهم على العمل والإنتاج والصمود واستمرت بتطبيق معدلات الفوائد العالية غير المبررة. فماذا ستكون حالة هؤلاء العملاء الذين إذا استمرت أزمة التعبئة العامة والإقفال شبه الكامل والأزمة النقدية المالية المستفحلة، هل يفترض هذا التعميم أن عجلة الاقتصاد ستعود إلى الدوران في هذه الفترة القصيرة، ماذا سيكون وضع هذه المؤسسات التي زادت مديونيتها مع هذه القروض؟

ثالثاً: مفاجأة من العيار الثقيل؟ هل اعترف مصرف بسعر صرف الصرافين؟

إن المادة ثانياً من القرار قد حددت عملة القرض الذي سيمنح للمصارف المعنية بالدولار الأميركي، في حين أن المادة الأولى تركت للمصرف الخيار في إقراض المؤسسات المستفيدة إما بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، تاركة للمصارف الاستفادة من فرق العملة. وهنا تستوقفنا مفاجأة من العيار الثقيل، إذ جاء في المادة الخامسة:

“بغية احتساب قيمة التسليفات التي يمنحها مصرف لبنان، يتم اعتماد سعر وسطي لعملة القرض الممنوح للعميل بالليرة اللبنانية، كما ھو بتاريخ موافقة مصرف لبنان على طلب المصرف المعني أو المؤسسة المالية المعنية”.

ما هو السعر الوسطي لليرة اللبنانية؟ هل هو سعر الصرف الثابت حسب مصرف لبنان، وما معنى كلمة وسطي؟ وفي حال قام مصرف معين، بناء على القرار بالاقتراض بالدولار، وقام بصرف تلك الدولارات لدى صرافين، أيفتح مصرف لبنان للمصارف باب المضاربة بسعر الصرف؟ هل أراد المصرف المركزي إعطاء رخصة صيرفة للمصارف، بدل أن ينظم عمل الصيارفة؟ هذا أيضا يدل على نية المصرف المركزي مساعدة المصارف.

رابعاً: الحل المتكامل

قد يجيبنا البعض إنها بداية الحلول، وأننا نشجع المؤسسات التي تستوفي الشروط باللجوء إلى تلك القروض بشكل مؤقت. إلا أننا لا نرى أن مصرف لبنان أو المصارف قد غيروا من النمط المعتمد في أدائهم. إذ أن الطبل والزمر الذي صاحب هذا القرار، صوره كأنه الحل لكل المشاكلز والأمر ليس كذلك. وهذا ما يجنيه المرء عندما لا ينتظم عمل المؤسسات.

لسنا بصدد أن نحاكم المصرف المركزي او المصارف، الذين بينهم أناس حريصون على اقتصاد لبنان. ولكننا نسأل من يراقب هؤلاء ويتابعهم أو يحاورهم؟ فالرقابة هي عمل مستدام يقتضي تكثيفه في أيام الازمات.

إن الظروف الراهنة وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني أكبر من مصرف لبنان والمصارف. وإننا وإذ نثني على أداء الحكومة وعلى نشاطها، نرى ان الأداء التشريعي مخيب للآمال، في حين يقتضي أن يكون الضمانة للناس في هذه الظروف الصعبة. المطلوب تشريع سريع يتضمن سلة حلول “متكاملة” (Package) لا حلول بـ”المفرق”، لا تشمل أزمة وباء كورونا وحسب، بل أيضاً الأزمة المالية التي يمر بها لبنان بكافة تداعياتها. وعلى المشرع أن يستعين بتجارب البلدان التي مرت أو تمر بهذه الظروف. ونتطلع إلى تجربة الألمانية، وأن ينجز تشريعاً عصرياً بأقصى سرعة ممكنة:

تعديل قانون التجارة، لا سيما قانون الإفلاس في لبنان، الذي تخطاه الزمن أساساُ، وتعليق المهل في الشركات. تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية. تعديل قانون أصول المحاكمات المدني. تعديل قانون النقد والتسليف. تعديل قانون الإجراءات الضريبية. تعديل قانون الضريبة. تعديل قانون العمل. تعديل قوانين تشجيع الاستثمارات. تعديل قانون الموجبات والعقود: تعذر التنفيذ، أجال القروض، عقود الايجار، القوة القاهرة.

– يعكف فريق “شركة حياة محامون”، التزاماً برسالتها لتحقيق العدالة، على إعداد ملخص بأبرز التشريعات التي يجب تعديلها او إقرارها.

(*)أعدّ التقرير المحامي علي المولى [email protected]

(**) إن هذا التقرير هو على سبيل المعلومات فقط ولا يعفي من استشارة محام. إن المعلومات الواردة في هذا التقرير قابلة للتغير والتعديل بناءً على تعاميم وقرارات مجلس الوزراء اللبناني ومصرف لبنان المركزي.