الثلاثاء 14 شوال 1445 ﻫ - 23 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"غزوة" المحامين للسجون: حلم "العفو العام" يوحّد النزلاء

سجّل محامو لبنان سابقة فريدة في تاريخ نقابتهم، حين قام 700 محامٍ بجولة على السجون، لمعاينة أوضاع السجناء والموقوفين وتعبئة استمارات بمطالبهم القانونية والصحية وحتى الاجتماعية، وإدراج هذه المطالب ضمن الخطة الوطنية المزمع تنفيذها في الأشهر المقبلة.

المبادرة التي أطلقها نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، حصلت بالاتفاق مع نقيب المحامين في الشمال محمد المراد، ومديرية السجون في قوى الأمن الداخلي والقضاء، انطلاقاً من اهتمام النقابة بالحريات العامة وحقوق الانسان، وهي تأتي لتملأ بعضاً من الفراغ الذي تتركه الدولة، وخلص النهار الطويل إلى انطباع سلبي عن النواحي الإنسانية التي يعانيها السجناء، والتعهّد بالسعي لتقديم المساعدات اللازمة لهم بالتعاون مع مؤسسات الدولة.

لقاء أحمد الأسير
وأعلن النقيب ملحم خلف، الذي كان على رأس المحامين الذين توجهوا إلى سجن رومية المركزي، عن “إجراء عملية مسح شامل لوضع السجناء والموقوفين”. وأشار إلى أن “أي موقوف ليس لديه محام سيتم تكليف محامٍ لمتابعة ملفه أمام القضاء، وكل سجين تترتّب عليه غرامة بسيطة نتضامن معه لتسهيل خروجه”. وأثنى خلف على حسن الاستقبال والتعاون الذي لقيه مع زملائه من قبل قوى الأمن، المسؤولة عن أمن سجن رومية، وقال “نحن لم نأت لنبرئ احداً، بل لتأمين حقوق الدفاع”.

وعن أسباب لقائه بالشيخ الموقوف أحمد الأسير، وما إذا كان الوضع الصحي للأسير صعباً، أجاب “التقيت بأغلب الموجودين في هذا المبنى (“ب” الذي يضم الموقوفين الإسلاميين)، وبدا لنا أن المبنى مؤمن بشكل جيد”. وأضاف “التقيت الشيخ أحمد الأسير كلقائي بعشرات الموقوفين، وتحدثت معه ولم ألحظ أنه يعاني من أي عارض صحي”. وشدد نقيب المحامين في بيروت، على “وضع خطة وطنية لمعالجة مشاكل السجناء، بالتعاون مع وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي ومع القضاء وخصوصاً النائب العام التمييزي (القاضي غسان عويدات) الذي قدّم لنا مشكوراً كل التسهيلات لنجاح هذه المبادرة”.

سجن النساء
وشملت جولة المحامين 25 سجناً ومكان توقيف، منتشرة في كلّ المحافظات اللبنانية، إذ تشابهت معاناة السجناء فيها ومطالبهم إلى حدّ بعيد، وجرى تدوينها ضمن استمارات حملها المحامون، لتوثّق حالات الموقوفين والسجناء الذين لديهم حالات خاصة، وكشفت المحامية ديالا شحادة، التي كانت في عداد الذين زاروا سجن النساء في طرابلس، ويضم حوالى 80 سجينة وموقوفة، ونقلت انطباعاً بأن “السجينات لا يعولن على تغيير ظروفهنّ الصعبة، ويشككن بجدية الفائدة من هذه الجولة”، معتبرة أن ذلك “يؤشر إلى حالات اليأس التي تنتاب معظم نزلاء السجون، كما حال أغلبية اللبنانيين خارج هذه السجون”.

وأكدت المحامية شحادة لـ “المدن”، أن “المطلب الأساس الذي يوحدّ جميع السجناء هو العفو العام”، مشيرة إلى أن “الانطباع العام يشير إلى أن وضع نزلاء السجون سيء لكنه ليس كارثياً”. وقالت “الطبابة لا تغطي حاجات كلّ السجينات خصوصاً من لديهم أمراض مزمنة، كما لا يوجد مكان للنزهة والتعرض لأشعة الشمس”. ولاحظت أن “المبادرة جيدة لكنها ليست كافية، وتحتاج لأكثر من يوم لرصد كلّ الحالات الصعبة، وتغطية كلّ الحاجات التي تخفف من معاناة السجناء”.

أما سجن الرجال في طرابلس الذي يضم ما بين 700 و800 سجين، فلم يكن الوضع أفضل، إذ تحدث المحامي محمد حسنة لـ”المدن” عن “اكتظاظ كبير في الغرف والزنازين، ووجود المراحيض داخل الغرف من دون عزلها تماماً، ما يؤدي إلى تسرب الروائح”، مؤكداً أن السجن “يتألف من مبنى قديم وغير مؤهل لاستيعاب هذا العدد الكبير”. ورصد حسنة “عدداً كبيراً من حالات الموقوفين الذين يحتاجون إلى مساعدة قانونية، كالذين لا قدرة لهم على توكيل محامٍ، وبعضهم أنهى مدة محكوميته لكنه لا يزال في السجن بسبب العجز عن تسديد الغرامة المالية المحكوم بها”.

القلم العدلي في رومية
ولا يخفى على أحد، أن سجن روميه هو الأكثر تعبيراً عن واقع السجون اللبنانية، حيث قصده ما يزيد عن 70 محامياً على رأسهم النقيب خلف، وأوضحت المحامية فاديا شديد لـ”المدن”، إلى أن المحامين “دخلوا معظم الزنازين التي تعاني حالات اكتظاط وانتقاد نزلائها للنظافة غير المثالية”. وأشارت إلى أن “السجناء شكوا من وضع مياه الاستخدام الملوثة وغير الصحية”. وقالت “هناك مشاكل صحية لدى كثيرين، بعضهم لا تلبى طلباتهم. وتحدثوا عن عدم خضوعهم سريعاً للمعاينات الطبية عند إصاباتهم بعوارض صحية طارئة”. ولفتت المحامية شديد إلى أن السجناء “يشتكون من الطعام الذي يقدم لهم في السجون الذي يصعب تقبله”، مشيرة إلى أن “بعضهم اشتكى من الأسعار المرتفعة من محلات السمانة الموجودة عند مدخل السجن”.

وأثنت المحامية شحادة على “التنظيم اللافت للقلم العدلي في سجن رومية، ولفتت إلى أن النقيب درويش درويش آمر مبنى المحكومين، زوّد المحامين باحصاءات دقيقة عن عدد نزلاء السجن من محكومين وموقوفين، ومن لديهم حاجة للمساعدة المالية لدفع الغرامة، وحتى المحتاجين لمساعدات إنسانية”.

وبانتظار وضع الخطة الوطنية التي كشف عنها نقيب المحامين، يبقى ملفّ السجون التحدي الأكبر ليس لنقابة المحامين وحسب، بل لدى الدولة بكلّ أجهزتها الأمنية والقضائية، وضرورة معالجة النواحي الإنسانية والقانونية، وتغيير مفهوم السجن من مكان عقابي إلى مؤسسة لإعادة تأهيل من لديهم مشاكل مع القانون، ومصالحتهم مع المجتمع، لا أن تتحول السجون إلى معاقل لتخريج المجرمين والإرهابيين.