الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

كسارات ومرامل.. هكذا يأكل سياسيو لبنان "أخضره" في جباله وشطآنه

فتح الإشكال الذي وقع الاثنين في إحدى المناطق اللبنانية بين سكان قرية عين دارة وعمال تابعين لأحد السياسيين الذي يملك كسارة في تلك المنطقة البقاعية، مجدداً ملف الكسارات والمرامل التي أكلت المساحة الأكبر من جباله وشطآنه.

فعلى مساحة هذا البلد الصغير، تنتشر فوضى المرامل والمقالع والكسارات في مختلف المناطق اللبنانية، وتمتد أنيابها في اتّجاه مساحات شاسعة من الأحراج والأشجار الحرجية فتقضم آلاف الأطنان من التربة والصخور على اختلاف أنواعها.

فوضى متنقلة تخطّت الخطوط الحمر، وتحوّلت معها تلك القضية إلى إشكالية تتأرجح بين براثن الفلتان المقنّع بتراخيص استنسابية علنية من جهة، والغطاء السياسي من جهة أخرى.

فمن يقف وراء هذه الفوضى؟ وكيف تتوزّع ملكيات مصانع الإسمنت والمقالع والكسارات بين السياسيين اللبنانيين؟

حماية سياسية

في لبنان ثلاث شركات تحتكر صناعة الإسمنت وتحظى بحماية من الدولة تجعلها أقوى من الرفض الأهلي وأقوى من المنطق الاقتصادي، وتتحكّم بأسعار السوق، مُستفيدةً من قرار صدر عام 1993 بمنع استيراد الإسمنت من دون إجازة مُسبقة من وزارة الصناعة، ومن فرض رسوم جمركية عالية عام 1985 تبلغ 75% على الاستيراد، مع رسم 10% على الاستهلاك الداخلي، كل ذلك تم من دون التفكير بالتبعات الاقتصادية والبيئية والصحية للصناعات.
مثلث الموت

“لافارج هولسيم”، “ترابة سبلين” و”شركة الترابة اللبنانية-اسمنت السبع” تحوّلت إلى “دولة” تتمدّد كيفما تشاء وتُحكم سيطرتها على المناطق التي تعمل فيها غير آبهة بالمجازر البيئية التي ترتكبها ولهيبة القانون والدولة وصحة الأهالي.

1-شركة الترابة اللبنانية-اسمنت السبع

في العام 1931 وعلى ساحل بلدات الهري وشكا وكفريا (شمال لبنان) تم إنشاء أول معمل لصناعة الإسمنت في لبنان: “شركة الترابة اللبنانية”، وأسسها المطران أنطوان عريضة والبطريركية المارونية بالشراكة مع Société d’Entreprise et de Réseaux Electriques Paris في العام 1929. وبعد نحو عقدين على بدء أعمال “شركة الترابة اللبنانية”، تم إنشاء أيضاً على ساحل شكا معمل آخر لصناعة الإسمنت، تابع لـ”شركة الترابة الوطنية” التي أسستها عائلات صحناوي وعسيلي وضومط. وتتألف من 12 شركة مساهمة لبنانية، و53 فرداً.

في غياب أي ضوابط قانونية تردع نشاطها وإنتاجها، توسعت أعمال شركتي الترابة بشكل كبير خلال سنوات الخمسينيات والستينيات، عبر عدد من الممارسات التي سمحت وأجازت بها الحكومة اللبنانية، وذلك تحت غطاء ودعم سياسي مستمر لا سيما في علاقة الشركتين بالبطريركية المارونية وبالقوى السياسية في زغرتا.

وقفة احتجاج على طريق شكا العام

2- شركة “سبلين”

يعدّ الزعيم الدرزي النائب السابق وليد جنبلاط من المساهمين الأساسيين فيها، حيث يرأس مجلس إدارتها، ويملك ما يزيد على خمسة عشر في المئة من أسهمها.

وتتوزّع باقي الأسهم بين شركات تابعة لعائلة الحريري اشترت حصةً في المعمل (20%)، والشركة البرتغالية (سيسيل) التي تمتلك أكثر من خمسين بالمئة من أسهم شركة الترابة، بعدما اشترت قبل عامين أسهمها هذه من حصة جنبلاط وشركات تابعة لعائلة الحريري.

وسُمّي معمل “سبلين” تيمناً بمنطقة سبلين التي أنشئ فيها والواقعة في إقليم الخروب في جبل لبنان.

وشهدت المناطق المُحيطة بالمعمل سلسلة تحرّكات واحتجاجات رفضاً للسموم التي يلفظها المعمل والغبار الذي يتنشقوه قبل أن تقرر إدارة المعمل تركيب فلترات.

سبلين

“لافارج هولسيم”

تعتبر “هولسيم” (النسخة المحلية من “هولسيم” سويسرا) أقدم شركات الترابة في لبنان، تأسست باسم “شركة الترابة اللبنانية” (كان رئيس الجمهورية اللبناني كميل شمعون أحد مؤسسيها). المُساهمون البارزون فيها هم: “سيمنت هولدينغ” اللبنانية، “هولسيبيل” البلجيكية، “بنك مصر لبنان”، البطريركية المارونية، وعدد من المساهمين الأفراد. في 2015، اندمجت “هولسيم” مع “لافارج”، لتتوسع في مجال الإسمنت.
نفوذ سياسي يمنع تطبيق القانون

فتح ملف إقفال الكسارات والمقالع منتصف التسعينات حين كانت الفوضى عارمة في هذا القطاع، إلا أن الجهود الحكومية لتنفيذ مخطط توجيهي للمقالع والكسارات اصطدم بعقبات كثيرة تحت ذرائع عدة، منها وجود أزمة بحص ورمال، إلا أن السبب الرئيس الذي يحول دون وضع المخطط قيد التنفيذ وقوف سياسيين نافذين بقوة ضده لمصلحة متعهدين مقربين وأصحاب حظوة.

ورغم أن لبنان حقق إنجازاً بيئياً عام 2002، حين أصدر مجلس الوزراء مرسوماً ينظّم عمل المقالع والمرامل والكسارات، إلا أنه بقي حبراً على ورق، إذ استمرت حالات التفلّت والتعدي على البيئة والصحة والسلامة العامة رغم كل التحركات الشعبية على الأرض.
من يملك الكسارات؟

إلى شركات الترابة والإسمنت، تمتد يد النفوذ السياسي إلى الكسارات والمرامل التي تأكل الأخضر واليابس متنقّلة بين أحراج وجبال المناطق اللبنانية كافة.

ففي حدث بعلبك وضهر البيدر في البقاع أكبر الكسارات للوزير السابق نقولا فتوّش وشقيقه بيار، وفي قب الياس للحزب السوري القومي، وفي كسروان في شننعير لآل الخازن (عائلة سياسية مارونية)، وفي الشمال في مزيارة وجوارها للوزير السابق سليمان فرنجية.

ولقّب كل من الوزيرين السابقين إيلي حبيقة (اغتيل عام 2003) وميشال المر (وزير داخلية سابق) بـ”ملوك الكسارات”.

آل فتّوش…وقريب الأسد

تعد عائلة فتوش من مدينة زحلة في البقاع الوحيدة التي تملك منذ العام 1994 رخصاً للمقالع والكسارات، إذ تعمل بقية الكسارات وفقاً لمهلٍ إدارية تصدر عن وزارة الداخلية.

وإضافة إلى رخص الكسارات التي يشتكي أهالي البقاع من أنها غيّرت شكل سلسلة جبال لبنان الغربية، فإن آل فتوش يعدون شركاء “ذو الهمة شاليش”، وهو أحد أقرباء رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومن المقربين منه، وعلى هذا الأساس فُتحت السوق السورية أمام مصنع الحديد الذي يملكه آل فتوش.

وفي العلاقة مع “حزب الله،” توجد علاقة تجارية بين آل فتوش وبعض رجال الأعمال الذين يُمثلون مصالح “حزب الله”، ويستدلون على ذلك بسهولة حصول آل فتوش على الرخص من وزارة الصناعة، التي تولاها في الحكومة السابقة الوزير حسين الحاج حسن ممثلاً حزب الله.
تقاسم “الجبنة”

في آخر مسح أجرته هيئة الأركان–شعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي (وزارة الداخلية والبلديات) في العام 2013، تبيّن وجود نحو 147 محفار رمل، و189 مقلعاً وكسارة بحص، و219مقلع حجر تزييني، موزعة على مختلف المحافظات، وتختلف فيها الأعمال بين جارية ومتوقفة، هذا دون الإشارة إلى أعمال شفط الرمول ضمن إطار تهذيب مجاري الأنهر ومصباتها.

مصادرة الأملاك البحرية: وعلى قاعدة “الدولة غير موجودة”، تمتد يد السياسيين أيضاً إلى الأملاك العامة البحرية حيث يقيمون مشاريع استثمارية خلافاً للقوانين وبما يتعارض مع حقوق اللبنانيين واللبنانيات عموما.

فعلى ساحل الشوف وعالية، حيث الواجهة البحرية لإقطاعية وليد جنبلاط وساحل بعبدا حيث تسيطر “حركة أمل” و”حزب الله”.

ورصد تقرير رسمي صادر عن وزارة الأشغال العامة والنقل في العام 2012 نحو 390 تعديا غير مرخّص على الشاطئ والبحر في محافظة جبل لبنان، إضافة إلى 33 تعدّيا مرخّصا بموجب مراسيم (معظمها غير قانوني)، ما يجعل سواحل جبل لبنان الأكثر عرضة للتعدّيات بسبب قربها من العاصمة وجاذبيتها وقدرتها الهائلة على توليد الثروات الريعية غير المشروعة، وتقدّر الوزارة مساحة كل التعدّيات في هذه المحافظة بأكثر من مليونين و247 ألفا و884 مترا مربعا، منها مليون و651 ألفا و707 أمتار مربعة من ردم البحر، تقوم عليها إنشاءات بمساحة 162 ألفا و383 مترا مربعا.

ولعل شركة “سوليدير” المثل الفاضح في هذا المجال، إذ استولت على ردم البحر قبالة وسط بيروت من منطقة ميناء الحصن وحتى المرفأ، وتقدّر هذه المساحة بنحو 870 ألف متر مربع، كما هو حال “بيال” والمنشآت المحيطة به غير المرخصة أصلا، كذلك المرفأ السياحي الغربي (67 ألف متر مربع) الذي حصلت “سوليدير” على حق استثماره لمدة 50 عاما بمبلغ زهيد لا يتجاوز 2500 ليرة سنويا عن كل متر مربع، وهذا ينطبق على المرفأ السياحي الشرقي (الذي لم تنته الأعمال به بعد) الذي منحت الدولة حق استثماره إلى شركة “سوليدير” بمبلغ أقل هو 2000 ليرة سنويا عن كل متر مربع ولمدة مماثلة! علما أن عقارات مهمّة جدا من الأملاك العمومية المحاذية للمرفأ السياحي الغربي جرى نقل ملكيتها الى شركة Beirut WaterFront Development S.A.R.L التي قامت بتشييد ما سمّي “Zaitunay Bay”، وهو مشروع تتشارك فيه “سوليدير” مع شركة “ستو” التي يمتلك الوزير والنائب محمد الصفدي معظم أسهمها.

وفي ضبية، تملكت شركة “جوزف خوري” معظم هذه المساحة، وأقامت مارينا سياحية ومنشآت مختلفة، وتنفّذ حاليا بشراكة مع مجموعة الفطيم الإمارتية مشروعا سكنيا فاخرا تحت اسم “مدينة الواجهة البحرية” أو “Waterfront City”.
عدم تحريج التشوّهات!

ويقول الناشط البيئي رجا نجيم لـ”العربية.نت”: “إن لوزير البيئة صلاحيات مطلقة كي يوقف هذه الاعتداءات على أملاك الدولة”، مستغرباً هذه “السرعة” التي يحصل فيها فتّوش على تراخيص للكسارات.

كما أسف “لأن تشوّهات المقالع والكسارات باتت غير قابلة للإصلاح وإعادة التأهيل”، وسأل “لماذا لا يتم إلزام المستثمرين في هذه الكسارات والمقالع بإعادة تحريج المناطق التي يعملون فيها؟”.

المصدر: العربية