الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لبنان: بائع برتقال بألف زعيم وفي العراق: خدمات مجانية من رحم الفقر!

كيف يمكن للإنسان أن يعيش حراً كريماً، لا مكان للبشاعات في عالمه؟
إنه زمن فر من جلده ليعانق القبح والغرابة.
على الرغم من الأمل الكبير، الذي منحتنا إياه الثورتان اللبنانية والعراقية في ربيع مقبل لا محالة، إلا أن أخبار ضحايا القتل والجوع والحرمان تتراشقنا من كل جهة.
شباب في ربيع العمر غادرونا لا لشيء إلا لأنهم يئسوا من حياة الذل أو لأنهم ثاروا ضد الظلم والقهر. ثاروا على زعماء خربوا البلاد ونهبوها وما زالوا يعتلون عروشهم العالية، التي يتفننون من خلالها بكيفية خنق أنفاس المواطنين.
نحن الآن نخطو معاً نحو أفقٍ ينذر بكل التغيرات. إما أن نكون في هذا الأفق الجميل وإما أن نكون رماداً لا معنى له في المطلق.
وما أحوجنا اليوم إلى إضاءات إنسانية تنير أمامنا الدروب المظلمة في بلادنا العربية، إلى مبادرات ذي معنى حقيقي تشق طريقها الوعر في ظل الخطابات والشعارات الفارغة والكلام المسيس ولغة الفتاوى والوعد والوعيد.
إن ثورتي لبنان والعراق أنارتا لنا المعنى الحقيقي. فمن كان سيئاً ظهرت عوراته بوضوح ومن كان نبيلاً زاد بزوغ نوره؟
هكذا تجلت الإنسانية في أبهى حللها!
فمن رحم الوجع ولدت مبادرات أعادت لنا الأمل في غد مشرق.
لقد تجسدت كل معاني النبل والخير في ساحة التظاهرات في العراق. الطعام يقدّم للمتظاهرين مجاناً. أفراد ينذرون مالهم وتعبهم لمساعدة الآخرين. امرأة عراقية نبيلة تغسل ثياب الشباب وأخرى تطبخ من الصباح حتى المساء وكل الخدمات مجانية.
لقد تحولت الساحات الى مطاعم جوالة. وبعد أن تخف أعداد الجموع في الساحات تبدأ حركة دؤوبة للسيارات والعربات وهي تنقل كل ما يحتاجه المتظاهر طيلة يومه من مأكل ومشرب وعصائر وفاكهة وشاي وقهوة وحلوى وحتى قدور الطبخ، كما تنقل لنا أغلب الفضائيات والمواقع العراقية.
وفي لبنان انتشرت مؤخراً مبادرات عديدة لمساعدة الفقراء من أبناء الوطن.
مبادرة هزت قلب كل من قرأها. كلمات بسيطة انتشرت على واجهات أكثر من محل لبناني تبشر أن الخير لم تخنقه الأشواك وأن الرحمة ما زالت تتدفق من صدور الكثيرين:

“أخي المواطن إن لم يكن لديك المال، فلا تستحي وتترك عائلتك بلا أكل. تفضل خذ ما تحتاجه ورزقي ورزقك على الله”.
انتقلت هذه المبادرة من غرب لبنان إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات اللبنانية صور الواجهات، التي علقت عليها هذه الكلمات.
أسطر قليلة تثبت قيم المحبة والأخوة والتضامن…
ولكن أكثر ما لفت انتباهنا هو بائع البرتقال. رجل فقير لا يملك سوى عربة يجرها وبعض برتقالات يبيعها ليسد بها غائلة جوعه. لم يتردد في أن ينشر هو بدوره هذه المبادرة الإنسانية ويعرض برتقاله لكل جائع لا يملك المال.
كأن الإنسانية تصل إلى ذروتها في قلوب الفقراء. فكلما قلّت المادة اقترب الإنسان أكثر إلى جوهره الطيب.
بائع البرتقال أعطى كل ما يملكه للجائعين، فيما الزعماء ينعمون في قصورهم المسروقة ولم يفكروا ولو لحظة واحدة في هؤلاء الذين انتحروا بفعل العوز.
وكيف ننسى الشاب محمد الزعبي، الذي كان ينظف ساحة التظاهر برجل واحدة من دون ملل أو تعب، مشاركاً شباب مدينة طرابلس وقفتهم واعتصاماتهم. محمد، الذي أصبح رمزاً لعنفوان الثوار، صار رمزاً للمقاومة الإنسانية الحقيقية.
جاءت مبادرة إنسانية لتغيّر حياته.
يد رحيمة بيضاء شعرت بعذابه وقررت أن تساعده ليمشي على رجليه الاثنتين.
يقول محمد في مقابلة أجرتها معه الزميلة ليلى جرجس لموقع جريدة “النهار”: “استغرقتُ حوالي الشهر من التحضير والتجهيزات لصنع الجهاز وأخذ القياسات والتمارين للتكيّف معه. هذا الجهاز المتطور والحديث يسمح لي بالعمل والوقوف دون الاضطرار إلى انتزاعه كل فترة لأرتاح. يمكنني أن أبقى فيه لمدة 16 ساعة متواصلة دون تعب أو انزعاج. هذا ما كنتُ أحلم به، شعور كتير حلو”.
محمد، الذي بترت رجله في طفولته، بعد حادث سير تبعه خطأ طبي يعود اليوم، وبعد سنوات طويلة من التعب والوجع ليقف بفخر أمام أبنائه و”الفرحة لا تسعه”.
هكذا عبر عن مشاعره مردداً: “أشعر بفرحة كبيرة، لا أريد شيئاً سوى العودة إلى المنزل حتى يراني أولادي أدخل لأول مرة على رجليّ. إنها المرة الأولى التي سيشاهدوني فيها أمشي على قدميّ دون عكاز”.
كم نحتاج لمزيد من هذه المبادرات. أن نلبس المحبة جلداً والإيمان بالقضية نبضاً وإيقاع قلبٍ مفتوحٍ على الخير.