الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"لوكنت أعلم".. تذرع بها نصر الله بعد حرب 2006.. واليوم حزبه يتنصل من محاولة التسلل الفاشلة

لا تزال حالة التوتر التي فرضتها تصرفات حزب الله عند الحدود اللبنانية الجنوبية تلف المشهد الداخلي والخارجي، تزامناً مع الضبابية التي تحيط بمواقف قيادة حزب الله حول مسؤوليته عن المحاولة الفاشلة الاثنين الماضي.

 

وكان الجيش الإسرائيلي قد قصف تلالاً ومواقع داخل الأراضي اللبنانية إثر إحباطه عملية كان يسعى مسلحون من حزب الله لتنفيذها مجتازين الخط الأزرق الفاصل ردا على مقتل قيادي في سوريا، قبل أن يسارع الحزب إلى التملص من المحاولة الفاشلة.

 

الغموض بدأ مع معلومات صدرت عن مصادر لبنانية تقول إن الحزب استهدف مركبة إسرائيلية، قبل أن يحسم الجيش الإسرائيلي الجدل ببيان رسمي يؤكد إحباط عملية تسلل لحزب الله، الذي سارع بعد فشل العملية إلى التنصل منها، عبر القول إنه لم ينفذ أي تحرك عسكري على الحدود، مسجلا الحادثة باسم “مجهول”.

وفي بيان التنصل، أعلن حزب الله، المرتبط بإيران، عزمه تنفيذ تعهده بالرد على مقتل أحد عناصره في سوريا، حيث يتلقى منذ سنوات ضربات موجعة، يتوعد دائما بعدها بالرد دون أن ينفذ تهديداته، الأمر الذي بات يحرجه أكثر فأكثر أمام قاعدته وجماهيره.

وبعد العملية الفاشلة، صعّد الجيش الإسرائيلي من مستوى تأهبه إلى مراحله القصوى، مهدداً حزب الله، ومن ورائه الحكومة اللبنانية، برد قاس على أي عملية قد تستهدف جنوده، مستقدماً أسلحة نوعية ومتطورة إلى المنطقة الشمالية، ما ينذر باستعدادات لخوض حرب.

التطورات الأخيرة، رفعت من مستوى الترقب والقلق في الداخل اللبناني، الذي يعاني من وتداعيات جائحة كورونا عليه اجتماعياً واقتصاديا بالتوازي من أزمة مالية خانقة، يتحمل جزء منها حزب الله.

الغائب الأكبر عن التصعيد الحدودي، كانت الحكومة اللبنانية، حيث يقول النائب السابق، فارس سعيد، في هذا الإطار، “اطلعت على الإعلام الإسرائيلي، وقرأت بيان حزب الله وقرأت تصريحاً للسفير الإيراني في لبنان وقوات اليونيفل حتى أنني تلقيت خبر نفي حصول العملية من النائب السابق وئام وهاب عبر تويتر قبل أن يخرج أي تصريح رسمي عن الدولة اللبنانية”.

ويردف سعيد قائلا: “لقد كانت غائبة تماماً عن المشهد، لم يكن هناك ما يسمى بلبنان الرسمي، بل ظهر خاضعاً مستسلماً لإرادة حزب الله ويقوم بكل ما يمكن أن يؤمن له الحماية فقط لا غير.”

يستشهد سعيد في تعليقه على ما جرى بتقارير صحفية “لو فيغارو” الفرنسية التي قالت إن التصعيد الأخير في شبعا كان مدروسا من كلا الجانبين، “فحزب الله قال لجمهوره إنه لا يزال نشطا على خط مواجهة إسرائيل، فيما اسرائيل قالت لشعبها إنها جاهزة ومستعدة للدفاع عن حدودها بوجه التهديدات، ليبقى الخاسر الأكبر في هذه المعادلة هو الدولة اللبنانية وهي الغائب الأكبر عن هذا الاشتباك”، واصفاً السلطات اللبنانية بـ”الزوج المخدوع”.

 

ويؤكد سعيد أن “حزب الله بنشاطاته العسكرية وتهديداته يضرب بالدستور اللبناني عرض الحائط، فالدستور يقول إن قرار الحرب والسلم محصور بيد الدولة اللبنانية مجتمعة، فيما الحزب يصادر هذا القرار ويمسكه بيده في حين أنه يأتمر من إيران ما حوّل لبنان وأراضيه إلى صندوق بريد يستدرج من خلاله الايراني الإدارة الأميركية للمفاوضات، ويبتزه بالقدرة على فتح جبهة مع اسرائيل في أي لحظة، في حين أن الولايات المتحدة لن تتفاوض مع إيران إلا بعد الانتخابات الرئاسية حتى لو فتحت جبهة حرب في المنطقة”.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، حمّل حزب الله ولبنان المسؤولية عن التصعيد الأخير، مضيفا “لقد ارتكب الحزب خطأ كبيرا في تقييم تصميم إسرائيل على الدفاع عن نفسها”.

وتابع: “كل من يجرؤ على اختبار قوة الجيش الإسرائيلي سيعرض نفسه والبلد الذي يعمل منه للخطر. على حزب الله أن يعرف أنه يلعب بالنار، أنصحه بعدم تكرار الخطأ الذي فعله اليوم”.

في هذا السياق يشير الكاتب والمحلل السياسي إيلي فواز إلى أن “الانتخابات الأميركية بدأت بالتأثير على المنطقة باكرا، فعلى ما يبدو أن إسرائيل مستعجلة لفرض قواعد اشتباك جديدة تناسبها مستبقةً أي طارئ على الموقف الأميركي الحالي من إيران في عهد الرئيس دونالد ترامب، هناك خشية من أن يصل الديمقراطيون إلى الرئاسة الأميركية ويعودون إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي قد يستغل الإسرائيلي هذه الفترة قبل الانتخابات ليتمكن من ضرب ما يملكه من بنك أهداف في سوريا وايران وحتى لبنان، وهذا ما يفسر حجم الاستعداد والاستعراض العسكري الإسرائيلي عند الحدود مع لبنان، الذي يأتي في سياق اللهجة التصعيدية في السلوك تجاه ايران”.

بحسب تقدير المحلل العسكري العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، فإن إسرائيل عاجزة حالياً عن خوض هذه الحرب الكبيرة، لكن لا يمكنها “كدولة جيش وليس جيش دولة، إلا أن تظهر هذه الاستعدادات”، وعليه يفسر الحشود العسكرية على الحدود مع لبنان بأنها تأتي في سياق استعراض القدرة والجهوزية بهدف ردع حزب الله ودفعه نحو مزيد من الحسابات قبل إقدامه على أي خطوة.

يرى قاطيشا أن “حزب الله لن يقدم على رد مؤذٍ لإسرائيل على مقتل أحد عناصره في سوريا، فهو لا يريد التصعيد واستدعاء حرب إلا إذا أوعز له النظام الإيراني بذلك، فهو غير جاهز لخطوة مماثلة، لا على صعيد القبول الشعبي بتدمير لبنان مرة جديدة كما حصل عام 2006، ولا على صعيد التطورات السياسية والاقتصادية في لبنان والمنطقة”.

لو كنت أعلم

ويدرك الحزب ومعه النظام الايراني أن ما قد يحصل اليوم في أي حرب سيفوق النتائج التدميرية لحرب تموز عام 2006، “في حينها قال نصرالله عبارة “لو كنت أعلم” الآن هو يعلم بالفعل نتائج هكذا تصعيد سيرتد عليه سلباً بشكل مضاعف”، بحسب قاطيشا.

يلفت قاطيشا إلى أن ردا محدودا ومحسوبا من قبل الحزب على إسرائيل قد يستثمره حزب الله في لفت النظر إلى الجنوب اللبناني مرة جديدة وقد يساعده ذلك في إبعاد الأنظار عن محنته سياسياً واقتصادياً في لبنان، “يمكنه أن يعيد شد عصب جمهوره والإضاءة على دوره عند الحدود الجنوبية ولكنه لن يقدر على حرب شاملة وكبيرة.”

قوات اليونيفل المنتشرة على الحدود الجنوبية للبنان، أعلنت أنها فتحت تحقيقا بما جرى، وقال المتحدث باسمها أندريا تيننتي إن “رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول تواصل على الفور مع القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي من أجل احتواء الوضع وإرساء وقف الأعمال العدائية”، وأضاف تعليقا على أحداث مزارع شبعا “لقد عاد الهدوء إلى المنطقة، وتحافظ اليونيفيل على وجودها على الارض، إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية.”

يؤكد قاطيشا أن ما جرى على الحدود الجنوبية للبنان كان بالفعل عملية لحزب الله كشفها الجيش الإسرائيلي، وهذا ما يفسر احتفال جمهور حزب الله والمقربين منه مع بداية الأمر في حين استمر الإرباك لدى الحزب لأكثر من 5 ساعات لم يخرج خلالها بتصريح يوضح ما جرى.

التنصل من الفشل

يستذكر العميد المتقاعد سنين خدمته جنوب لبنان، ويؤكد أن هذا النوع من الأمور كان يحصل مع الفدائيين سابقا حيث كانت التنظيمات والميليشيات تتنصل دائماً من العمليات التي تفشل وتنكشف، وبرأيه هذا ما جرى يوم الاثنين الماضي.

وأشار إلى أن “الآلة الحربية الإسرائيلية لا تتحرك بهذا الحجم دون التأكد من المعطيات التي بحوزتها، “هذا جيش يملك إمكانات رصد وتتبع متطورة جداً ولا يمكن أن يفتح النار بهذا الحجم الذي شهدناه بناء على التباس كما يقال، هذا تصرف ميليشيات غير منظمة وليس تصرف جيش نظامي في منطقة بهذا التوتر خاضعة للقرار الأممي 1701 دون أن يمتلك معطيات مؤكدة.”

في المقابل، يرى فواز أن “حزب الله في هذه المرحلة لن يخاطر بسمعته ومصداقيته الشعبية في هذا المكان تحديداً من صراعه مع اسرائيل، وهو بالعادة معروف عنه دراسته الدقيقة لعملياته وحرفيته في تنفيذها، وبالتالي يدرك متى يقدم عملية استعراضية كما جرى في أفيفيم، ومتى ينفذ عملية موجعة كتموز 2006، وبالتالي هو ليس مستعدا لتحمل أي ضربة معنوية له ولجمهوره قد تصيبه بالإحباط، وبالتالي من الممكن أن لا يكون قد نفذ عملية فهامش الاشتباه وسط التوتر الحالي على الحدود هو أمر قائم..”.

وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد توعد في أغسطس الماضي بالرد على قتل إسرائيل لأي مقاتل تابع له في الأراضي السورية، وذلك بعد غارة إسرائيلية استهدفت عنصرين للحزب في الأراضي السورية في إطار دعمه لنظام الأسد عسكرياً.

يصنف قاطيشا هذا التوتر على الحدود الجنوبية في سياق حرب حزب الله وليست حرب الدولة اللبنانية، “وحزب الله من الأساس خارج معادلة الحياد التي تطرح اليوم في لبنان، وليس بهذه العملية فقط، فحربه في سوريا والعراق واليمن تضرب الفكرة من أصلها، وسبق أن استجلب ازمة اقتصادية بسبب ذلك واليوم قد يستجلب حرباً جديدة بإصراره على ربط الجبهات بين سوريا ولبنان.

ويختم مشيراً إلى أن “حزب الله لا يستطيع أن يرد من سوريا، ولهذا السبب يورط لبنان، فهو عاجز عن فتح جبهة من الجولان الخاضع لحسابات الدولة السورية وجيشها حيث حسابات المصالح والتوازنات لا تسير وفق أهواء حزب الله، بعكس ما يجري في لبنان حيث لا دولة ولا حسابات تعلو على حسابات الحزب، وهذه حقيقة ما يقدمه الحزب بالمنطق الشعبوي على أنه ربط جبهات ووحدة صراع”.

من جهته، لا يرى سعيد أن حزب الله يبعث برسائل للداخل عبر رده، إنما يأتي في سياق مختلف إذ لديه الوسائل المختلفة التي يبعث عبرها بالرسائل داخلياً، ولكن الأضرار الجانبية لهذا السلوك ضرب في طريقه فكرة الحياد التي طرحها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الأيام الماضية، “وإذا كان هناك من رسالة في هذا السلوك فهي ضربة موجهة لمنطق الدولة بذاته، وهو أبرز ما ظهر وسط كل ما جرى”.

 

*بتصرف من مقال لـ”حسين طليس” في موقع الحرة