الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ماذا عن المليارات التي "تتحرّك" داخل البلد وتخرج منه ولا تعود الى سياسيّين؟

أنطون متى ـ أخبار اليوم
A A A
طباعة المقال

بين مواطن يرهن سيارته أو منزله ليؤمّن ثمن علاجه، أو علاج شخص عزيز على قلبه، وبما قد لا يتجاوز الأشهر فقط، لبعض الحالات الصحيّة التي تتطلّب وقتاً طويلاً من المعالجة. وبين مواطن مرتاح، أو مرتاح جدّاً، أو مرتاح جدّاً جدّاً… جدّاً، نعود الى الحاجة اليوميّة التي باتت ماسّة الى دولة تدخل بكلّ “شاردة وواردة” من اقتصادها، ومن الأنشطة الاقتصادية الحاصِلَة فيها، وتُرسي العدالة الاجتماعية، بعيداً من تهويل البعض بأن هذا يمسّ بالمبادرات الفردية، وبالاقتصاد الحرّ.

استعمالها في الخارج

تعوّدنا منذ ثلاث سنوات تحديداً، على أن اللبنانيّين يحصرون انتباههم، ويصبّون غضبهم على السياسيّين، وعلى أموالهم المحوّلَة الى الخارج، وذلك سواء كان هؤلاء من رجال المال والأعمال، أو من “البيوتات السياسية”، وبغضّ النّظر عن أن أنشطة بعضهم ومداخيلهم هي شرعيّة بالفعل.

ولكن ماذا عن الأموال التي تتحرّك داخل البلد، ؤخلال موسم سياحي واحد مثلاً؟ وماذا عن بعض المداخيل التي تعود الى جهات غير سياسية، والتي قد تتجاوز ملايين الدولارات في مدّة زمنيّة قليلة جدّاً، والتي تتطلّب ولو بعض الرّقابة حتى ولو كانت مصادر تلك المبالغ شرعيّة، وذلك لمعرفة كيفيّة استثمارها مستقبلاً، وكيفيّة تحويلها الى الخارج، ووجهة استعمالها هناك.

موسميّة

فبعض الوقائع تُظهر مثلاً، أن مبلغ 5 مليارات دولار (مثلاً) كحصيلة موسم سياحي خلال فصل معيّن، قد يدخل عملياً في عدد محدود جدّاً من الجيوب والخزائن، ومن دون معرفة مصير مستقبلها (تلك المليارات) بدقّة، خصوصاً أنها لا تذهب دائماً لصالح القيام بـ “تصليحات”، أو ترميم، أو تحديث البنى التحتية، ولا لصالح دعم دفع الضرائب، والرواتب… في المؤسّسات السياحيّة.

فالأعمال في تلك المؤسّسات موسميّة بنسبة لا بأس بها، أي ان نسبة مهمّة من رواتبها موسميّة أيضاً. فيما أعمال الصيانة، وغيرها… ليست دائمة بالضّرورة، أي انها لا تحتّم على أصحاب تلك المؤسّسات إنفاق كامل ما يجنونه من مبالغ طائلة، خلال موسم سياحي معيّن.

وبالتالي، ما هو مصير تلك الأرباح؟ وماذا يبقى منها في لبنان، وماذا يخرج منها الى خارجه؟

“العالم الحرّ”

لا بدّ من توفّر الدولة اللبنانية الصّالحة لإعادة تنظيم الحريات فيها، على الصُّعُد الاقتصادية كما السياسية، ولإرساء اقتصاد حرّ شفّاف بكل ما للكلمة من معنى، وبما يراقب الأرباح، والأنشطة، وكيفيّة الاستفادة منها، من دون عرقلة من “معزوفات” اتركوا الاقتصاد الحرّ وشأنه.

فأكبر الدول الغربية الحرّة، دخلت في اقتصاداتها الحرّة، وتتدخّل بها حتى الساعة، سواء بسبب نتائج جائحة “كوفيد – 19″، أو تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا. ولا نعتقد أن الاقتصاد اللبناني أكثر حرية من الاقتصادات في دول “العالم الحرّ”.

هجرة الشركات

يرى خبراء في هذا الإطار بأنه يُمكن للدولة اللبنانية أن تتدخل من أجل القيام بشيء واحد، وهو توفير الأجواء السياسية الضرورية لتسريع النهوض، وللقيام بالإصلاحات، وبمكافحة الفساد، ولجذب الأموال والاستثمارات الى البلد من جديد، فيما السلطة المحليّة لا تؤمّن سوى الأجواء السلبية، في بلد لم ينجح في انتخاب رئيس، ودخل مرحلة من الفراغ غير مُحدّدة تماماً، بينما حكومته غير أصيلة، وهي غير قادرة على الاجتماع ساعة تشاء، وعندما تفرض الحاجة الى ذلك، لكونها حكومة تصريف أعمال.

ويؤكد هؤلاء أنه لا مجال لإدخال هذا النّوع من الدول في جيوب الناس أكثر، بل يجب تحييدها عنها، خصوصاً أن سياساتها الضريبيّة وحدها قادرة على التسبُّب بهجرة الشركات، وليس الأفراد وحدهم، من البلد.

“توجيهيّة”

بينما يشدّد آخرون على أن ما سبق ذكره أكثر من ضروري، ولكنّه غير كافٍ تماماً للمستقبل، في ما لو أردنا تحقيق نقلة نوعيّة في البلد.

ويستند أصحاب هذا الرأي الى أن حتى أكبر الاقتصادات العالمية، ما كانت لتتطوّر، ولتتنافس على أكبر المراتب العالمية، لولا الكثير من الممارسات “التوجيهيّة” لاقتصادها، ولعملتها، ولثرواتها، وحتى لعمل القطاع الخاص فيها، عندما تدعوها الظروف الداخلية أو الخارجية الى ذلك.

وبالتالي، لا شيء اسمه “اقتصاد حرّ” فقط، بل هناك ضرورة قصوى لاحترام الحاجات العامة في البلد، خلال زمن أو ظرف معيّن، مع احترام القوانين اللازمة، كطريق لجني الأرباح بما يتوافق مع تحقيق المصلحة العامة.