الأحد 10 ذو القعدة 1445 ﻫ - 19 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

مزاج لبنان اليوم هو... الثورة

كتب جون وود في “السبيكتاتور”: قبل الانفجار، انتشر الفساد مثل ورم خبيث… عندما انفجر 2700 طن من نترات الأمونيوم المتروكة في ميناء بيروت الأسبوع الماضي، انفصلت فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات، اسمها أليكساندرا نجار، عن أذرع أمها عندما ركضوا إلى الداخل بعدما كانتا على الشرفة. في نفس اللحظة، كل شيء في الشقة كان يطير في الهواء-الأبواب، إطارات النافذة شظايا الزجاج، وحدة تكييف الهواء، بيانو العائلة -، وضرب شيء ما الفتاة الصغيرة.

توفيت في وقت لاحق متأثرة بجراحها فأصبحت تلقّب على وسائل الإعلام الاجتماعية اللبنانية ب “ملاك بيروت”، رمز الشعب البريء ‘الذي قتل’ بسبب إهمال الحكومة وعدم كفاءتها، كما قال والدها، بول.

وفي لقاء مطوّل ولائق على التلفزيون المحلي، رفض أن يطلق عليها اسم “شهيدة”، لأنها برأيه كلمة يستخدمها السياسيون المحليون عنها لو أنها قتلت على يد عدو خارجي (إسرائيل مثلاً). لكنها، كانت ببساطة “ضحية”.

تُظهر إحدى الصور أليكساندرا على أكتاف والدها، مع شعر مجعد وسروال وردي، وهي تلوّح بالعلم اللبناني. وكان ذلك في أحد احتجاجات لبنان العديدة المناهضة للحكومة. مخاطباً الطبقة السياسية، قال والدها: “أنتم جميعاً مجرمون … قتلتونا في منزلنا … وقال إنّ الانفجار لم يقتل المسيحيين أو المسلمين أو أعضاء هذا الحزب أو اللبنانيين فقط. وبأنه على اللبنانيين الآن أن يتحدوا للإطاحة بالنظام القديم الفاسد.

“أرجوكم، كفى. علينا أن نقف معاً. يجب أن نغير الأمور، من أجل (أليكسو) … من أجل أن يعيش كل طفل في البلاد التي نتمنى أن نحظى بها.”

وكان رئيس الوزراء اللبناني حسن دياب وكامل وزارته قد استقالوا هذا الأسبوع، لذلك قد تظنون أن بول نجار قد فاز. ولكن السلطة في لبنان تقع في مكان آخر غير خلافة وزراء الحكومة الذين عادة ما تكون رديئة وقابلة للنسيان. صديق لبناني غني وذو علاقات جيدة أخبرني مرة: العصابة اللعينة نفسها لا تزال مسؤولة. لن يتغير شيء حتى يرحلوا’. ووضع قائمة بأسماء كبار أمراء الحرب الأهلية أو ورثتهم، في لبنان: أحدهم كان مجرم حرب سيء السمعة، وآخر اختلس مبالغ ضخمة من أموال الدولة، وثالث غني بشكل فاحش لكنه أحمق ساذج، وهكذا … ولكن كما قال دياب في خطاب استقالته، الفساد في لبنان في كل مكان، وليس في القمة فحسب. وقال عن الانفجار أنه جريمة ،نتيجة فساد أكبر من الدولة.

وقبل إلقاء هذا الخطاب، جمد “دياب” الحسابات المصرفية لـ 20 مسؤولاً يشرفون على الميناء، وقال إنّ قوانين السرية المصرفية الصارمة في لبنان لن تنطبق عليهم ويمكن الآن الإعلان عما قاموا به (على ما يزعم) بالضبط على مر السنين، وهي مبالغ يمكن مقارنتها بسهولة مع مرتباتهم الرسمية.

وكان هذا بمثابة عمل خارج عن المألوف في الثقافة السياسية للبنان. فإنّ أجيال من السياسيين من الحكومات اللبنانية المتعاقبة، الجنرالات ورؤساء الأمن الدائمين، والبيروقراطيين الذين هم في وظائفهم لأنهم أبناء عم أو أخ شخص ما، سيتصببون عرقاً جميعاً، متسائلين عما إذا كانوا هم القادمون. ومن المفترض أن يكون هذا هو السبب في أنّ دياب لم يرسل برقية عن نواياه، ليغير القواعد، من خلال المحاكم بدلاً من البرلمان.

كيف يتسبب “الفساد” في انفجار قتل أكثر من 200 شخص، وجرح نحو 6000 شخص، وجعل 300 ألف شخص بلا مأوى، مما أدى إلى تدمير مساحة من بيروت؟ وعلى مدى ست سنوات من الفشل والتقاعس، سمح لآلاف الأطنان من المواد الخطرة بالتحلل ببطء في أحد مستودعات الميناء، فتحولت إلى قنبلة هائلة.

وقال المسؤولون الذين يديرون ميناء بيروت أنهم حاولوا إنذار الحكومة ولكنها تجاهلتهم. في حين يقول دياب أن المسؤولين كانوا مشغولين جداً بجمع الثروات الخاصة من خلال القيام بعملهم.

ووفقاً لإحدى الروايات، فإن سلطة الميناء يديرها بيروقراطيون موالون لرئيس الوزراء السابق (السني)، سعد الحريري؛ أما الجمارك فيسيطر عليها أتباع الرئيس (المسيحي) ميشال عون. إذاً إنّ الحكومة اللبنانية كانت مسؤولة بشكل عام لكنها لم تستطع طرد أي أحد. ولن يكون هذا الشخص مسؤولاً إلا أمام القادة الطائفيين أو أمراء الحرب السابقين الذين يحمونهم. هكذا هو الأمر في كلّ البيروقراطيات اللبنانية.

ولن يكتمل أي وصف لذلك دون ذكر حزب الله والميليشيا الشيعية ودولة لبنان داخل الدولة الواحدة. وقال شقيق سعد الحريري، بهاء، إنه من “الواضح جدا” أن الميناء والمستودع ونترات الأمونيوم كانت جميعها تحت سيطرة حزب الله. لا شيء يدخل ويخرج من الميناء أو المطار بدون علمهم. لا شيء. إنّ قرارهم بوضعها هناك في وسط مدينة مكونة من مليوني شخص كان كارثة مطلقة”.
ليس مستغرباً أن تحاول الطبقة السياسية إلقاء اللوم على بعضها البعض. ولكن الحريري كان محقاً، فالقوة الحقيقية في ميناء بيروت كانت لحزب الله، أيا ًكان المسؤول اسمياً. هل أرادوا إبقاء نترات الأمونيوم هناك في الاحتياطي لاستخدامها في الهجمات خارج لبنان؟ لقد استخدموها لصنع القنابل عدة مرات بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تكهنت أن بعضاً من 2,750 طن في مستودع الميناء قد تكون وضعت علامات عليها لاستخدامها في إسرائيل أو ضد أهداف يهودية حول العالم.

وقد التزم حزب الله الصمت إلى حد كبير، داعياً إلى “الوحدة اللبنانية” رداً على الانفجار. إنّ هذا النداء ردد من قبل وسائل الإعلام الإيرانية، التي انتقدت أيضاً ما يسمى “المعونة” التي أرسلتها الحكومة البريطانية. بالنسبة للبعض، ستكون المأساة في بيروت سبباً لدفع الغرب إلى العودة إلى الشرق الأوسط، والحد من نفوذ حزب الله وإيران. وقال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان، طوباياس إيلوود، في الأسبوع الماضي للسبيكتاتور، إنّ بريطانيا ينبغي لها أن ‘تدفع’ أميركا إلى ‘إصلاح الفراغ’ الذي خلفه ‘الافتقار إلى الزعامة الغربية والتصميم’ في الشرق الأوسط.

وتقليدياً كان لبنان مقبرة لهذه التطلعات. وكان حزب الله قادراً على الاعتماد ربما على 40 في المائة من السكان الذين هم وراء ذلك. إنّ زورق حربي بريطاني وبعض ملايين الجنيهات من المساعدة لن تغير ذلك، حتى لو كانت هناك حاجة ماسة إليه وتلقت المساعدة بامتنان. وتتمثل إحدى المشاكل في أنّ أي شيء يساعد لبنان على التعافي قد يساعد حزب الله أيضاً.

ولكنّ توم فليتشر، السفير البريطاني السابق في بيروت، قال لي أنه يعتقد أنّ العكس هو الصحيح: ‘إذا كنت لن تساعد لبنان على الإطلاق، فسيصبح “حزب الله” أقوى. إنّ المهمة الأولى ستكون ضمان عدم سرقة المساعدات الدولية. وقال إنه ينبغي، من الناحية المثالية، أن يكون هناك منسق دولي للمعونة-يكون لبنانياً مسؤولاً عن جهود الإغاثة. وقال فليتشر انه لا يمكن التكهن في الأسماء ولكن من بين الاختيارات الجيدة وزير الداخلية السابق زياد بارود، كونه رجل يتمتع بنزاهة عالية لدرجة أنهه لا يزال يقود سيارته القديمة المتضررة، على الرغم من أنه كان يشغل منصباً عالياً في لبنان.

مثلي، لم ير فليتشر مثل هذا الغضب أو اليأس في بيروت. إنّ انفجار الميناء بدا كضربة أخيرة. إنّ اقتصاد البلد كان على وشك الانهيار في العام الماضي. ثم جاء الوباء. في حين تخلّفت الحكومة عن سداد ديونها الدولية؛ وفقدت العملة أربعة أخماس قيمتها؛ وأغلقت البنوك أبوابها، وسرقت الطبقات المتوسطة من مدخراتها؛ وأصبح الفقراء جائعين؛ وانقطعت الكهرباء لمدة 20 ساعة في اليوم. ويبدو أن كل هذا يدفع اللبنانيين إلى العودة إلى مجتمعاتهم المحلية الشيعية والسنية والمسيحية. قبل بضعة أسابيع كتب صديق في بيروت قائلاً:” إنّ لبنان يتحول إلى فنزويلا وسيصبح قريبا ً مثل الصومال. ‘هناك الكثير من الأحاديث عن شراء الناس لأسلحة لتسليح أنفسهم…”

كان ذلك قبل الانفجار. الآن يبدو أن المزاج الأكثر تداولاً هو للثورة. لقد انتشر الفساد كالورم الخبيث لأنه كان محمياً بالتقسيم الطائفي للسلطة في لبنان. وكثير من المتظاهرين في الشوارع يريدون أن يتم محو هذا النظام، حتى يصبح لبنان بلداً “طبيعياً”. هناك مخاطر في هذا التقسيم الطائفي للسلطة، وهو ينبع من اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية قبل 30 عاماً. وعلى الرغم من أنه لم يقدّم قطّ حكومة مستقرة، فإنه حافظ على السلام.

والسؤال الآن هو ما إذا كان اللبنانيون، في مرارتهم وغضبهم، سيعودون إلى الطائفية، أم سيستطيعون أن يتحرروا من ماضيهم.