الجمعة 18 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

مستشفى الحريري: عمال تنظيفات ومسعفون وأطباء يساكنون الوباء

تخوض البشرية اليوم حرباً ضروساً ضد عدو لا يميز بين دين أو عرق او جنسية. وهو عدو وبائي بلغ عدد ضحاياه حتى الآن حوالى 617 ألف شخص حول العالم.

واستنزف لمقاومته طاقات البشر، يتقدمهم أصحاب سترات ببضاء معقمة، يتصدرون المجابهة في حرب صامتة على فيروس خبيث وغامض إلى أقصى الحدود، ولم يفهمه أحد فهماً كامل بعد.

جنود مجهولون

هم الأطباء والاختصاصيون الطبيون والممرضون والممرضات من يتقدم صفوف هذه المجابهة، فيعانون من قلة النوم في ساعات عمل طويلة. يخاطرون بحياتهم وصحتهم أثناء تشخيص الحالات ورعاية المرضى.

وهناك أيضاً عمال وعاملات النظافة الصحية في أقسام كورونا في المستشفيات، أولئك الجنود المجهولون الذين عليهم التأكد من عدم حمل الفيروس إلى منازلهم، ونجد من يخافهم ولا يرغب في أن يكون سكنهم قرب مراكز عملهم.

من هؤلاء الجنود عبدالله حسن حمادي، الذي هرب من الخدمة العسكرية في سوريا، أيام ثورتها المغدورة، ولجأ إلى لبنان قبل أكثر من سنتين. هو عشريني، وكان يرعى الغنم في بلاده. وفي لبنان، انتقل من عمل إلى آخر، وصولاً إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت، لينضم قبل أسبوع إلى فريق عمال النظافة في قسم طوارئ الكورونا.

وينظف عبدالله سيارات الإسعاف التي تنقل المرضى المشتبه بإصابتهم إلى المستشفى، يعقمها ويجمع النفايات الطبية، تلك التي تتخلف عن الأشخاص الذين نختبئ منهم في منازلنا: “نقوم بواجبنا، لكلٍ منا وظيفته في هذه الحرب التي لا تميز بين البشر. جميعنا أخوة فيها وفي الإنسانية”، يقول لـ “المدن”، ليمسح بهذه الكلمات مكامن خوفه، ذاك الذي أصابه عندما سمع للمرة الأولى عن الفيروس في التلفزيون.

450 ألف ليرة شهرياً

يبدأ دوام عمل عبدالله في الساعة السادسة وينتهي في الخامسة مساء، ليحصل على راتب 450 ألف ل.ل، يرسل نصفه إلى عائلته في قرية قرب دير الزور. من مكان سكنه في عين الدلبة يصل إلى عمله على دراجته النارية. في القسم يرتدي القفازات والزي الواقي الكامل، متبعاً إرشادات الأطباء.

يشارك عبدالله في العمل والتجربة زميله محمد علي في قسم العناية بمرضى كورونا، حيث يتناوب وزملاؤه الخمسة على تنظيف غرف المصابين وتعقيمها.

الشاب البنغلادشي (30 عاماً) يقيم في لبنان منذ 7 سنوات مع زوجته رشيدة، تاركين أطفالهما مع عائلتهما في وطنهما الأم. ويعمل الزوجان في المستشفى في قسمين منفصلين، ويستمر انفصالهما في منزلهما بمحلة الجناح. ويحرص محمد على عدم الاقتراب من زوجته رشيدة خوفاً عليها من المرض، رغم التزامه التعليمات أثناء العمل.

وكان الفريق قد خضع إلى دورات تدريبية في الصليب الأحمر. وخضعوا إلى فحوصات طبية مستمرة للتأكد من عدم التقاطهم الفيروس. والفريق العامل في تنظيف قسم العناية المركزة، يمتلك خبرة كافية لعمله السابق في هذا القسم.

طوارئ الإسعاف

“لم تتغير حياتنا كثيرًا. صرنا نخاف على أهلنا أكثر”، قال كريم (اسم مستعار، 27 سنة) الحديث عن تجربته كمتطوع بقسم إسعاف الطوارئ في الصليب الأحمر اللبناني. لقد أكمل عامه العاشر في هذا القسم. “سواء كانت الحالة كورونا أو غيرها، واجبي أن أسرع لنقلها إلى المستشفى”، قال أيضاً. وهو يحضر إلى المركز في السادسة صباحاً. ينتظر الأوامر في غرفة التحكم. ورغم تخييره، قرر كريم أن يكون مسعفاً في وحدة الكورونا.

مهمته الأولى كانت نقل سيدة مصابة، وهي في العقد الثامن من عمرها: “كان الخوف واضحاً في عينيها، فأمسكت بيدها. شعرت أني أرحتها”. هو لا ينكر تردده وخوفه لدى اقترابه منها: “لكل منا نصيبه من الخوف ليكون حريصاً في هذه المعركة”.
يعود كريم إلى منزله في الجنوب بعد انتهاء الدوام. يخلع حذاءه قبل أن يدخل إلى المنزل. يبدل ملابسه. يلقي التحية على عائلته عن بعد. ينعزل في غرفته حتى الصباح.

“سأبقى في العمل التطوعي حتى تنتهي أزمة كورونا”، يقول.

طبيبة متطوعة

الدكتورة ليال عليان (28 سنة) تعمل أكثر من عشر ساعات في اليوم في قسم العناية بمرضى الكورونا. تنتمي ليال لفريق المتطوعين من كلية الطب في الجامعة اللبنانية. وهم مجموعة مؤلفة من أطباء وممرضين وممرضات متمرنين. وتطوعوا من دون أي شروط أو بدل مادي في قسم الكورونا في مستشفى رفيق الحريري الحكومي. كانت الطبيبة الشابة تمضي فترة تدريبها في المستشفى، قبل وصول أول حالة كورونا. جرى تدريبهم على كيفية ارتداء البدلات الواقية وإجراء الفحص والتعامل مع المصابين.

“دخلت المجال الطبي بدعم من والدي، رغم خوفهم علي”. وقد مضت أسابيع ثلاثة على زيارتها الأخيرة لأهلها، رغم أنهم يسكنون في بيروت. فهي تبيت في المستشفى منذ أن قررت خوض هذه المعركة كي لا تخالط عائلتها خوفاً من تعريضهم للخطر. تكتفي بمكالمتهم هاتفياً. وتتحدث ليال بحسرة عن أول عيد أم تقضيه بعيدة عن والدتها. لقد اضطرت إلى معايدتها عبر الفيديو فيما هي ترتدي الزي الواقي.

وقالت أخيراً: “أسوأ لحظة نمر بها هي عندما يفقد مريض كورونا قدرته على مقاومة المرض. وأجمل اللحظات هي عندما تزف خبر الشفاء لمريض، نقول: فحصك سلبي الحمدلله عالسلامة، انت شفيت”.