الثلاثاء 28 شوال 1445 ﻫ - 7 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"هيومن رايتس": السلطات اللبنانية استعملت القوة الفتّاكة ضد متظاهرين سلميين وكوادر طبية وإعلاميين

ما زالت تداعيات ما حصل في الثامن من شهر آب الجاري، والغضب الشعبي الذي انفجر في الشارع احتجاجاً على إهمال السلطة في تحمل مسؤولياتها عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت، ما زالت تلقي بظلالها محلياً ودولياً لجهة استنكار ورفض الهيئات الحقوقية والطبية للاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة الأمنية في وجه الشارع الغاضب.

وفي تقرير لـ “هيومن رايتس ووتش” نشرته اليوم الأربعاء، قالت فيه أنّ القوات الأمنية اللبنانية استعملت قوّة مفرطة، وفي بعض الأحيان فتّاكة، ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم في وسط بيروت في 8 أغسطس/آب 2020، فتسبّب بمئات الإصابات.

واتهمت المنظمة القوات الأمنية بإطلاق الذخيرة الحية، والكريات المعدنية (الخردق)، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، على أشخاص منهم موظفون طبيون، كما أطلقت كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع، بما في ذلك على محطات الإسعافات الأولية. صُوّبت عدة قنابل غاز مسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، فأصابت بعضهم في الرأس والعنق. عمدت القوات الأمنية أيضا إلى رمي الحجارة على المتظاهرين وضربهم، وشملت هذه العناصر “شرطة مجلس النواب”، و”قوى الأمن الداخلي”، و”الجيش اللبناني”، وقوى غير محدّدة بملابس مدنية.

وقال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “بدلا من مدّ يَد العون إلى أهل بيروت الذين ما زالوا يُخرجون أنفسهم من تحت ركام الانفجار، انقضّت الأجهزة الأمنية اللبنانية على المتظاهرين وسلّطت عليهم كمية من العنف تثير الصدمة. يظهر هذا الاستعمال غير القانوني والمفرط للقوة ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم تجاهل السلطات القاسي لشعبها”.

يشار إلى ان عشرات آلاف المتظاهرين كان قد تجمّعوا في وسط بيروت في 8 أغسطس/آب للتعبير عن غضبهم بسبب عدم كفاءة النخب السياسية والحكومة وفسادها. تُلام هذه النخب السياسية بشكل كبير على الانفجار في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب، والذي قتل 180 شخصا، وأصاب أكثر من 6 آلاف شخص، وخلّف دمارا شاسعا في أنحاء المدينة.

وراقب باحثو هيومن رايتس ووتش المظاهرات وأجروا مقابلات مع 25 شخصا في بيروت بين 8 و18 أغسطس/آب، بمَن فيهم أطبّاء وغيرهم من الكوادر الصحية، وصحفيين، ومحامين. صوّرت هيومن رايتس ووتش أيضا الذخائر التي تمّ إطلاقها وجمعتها من موقع التظاهر، وحلّلت الصور والفيديوهات التي أُرسلت مباشرة إلى الباحثين أو جُمعت من منصات التواصل الاجتماعي، والتي تظهر القوى الأمنية تستعمل القوّة المفرطة. حدّد الباحثون الأسلحة التي استعملتها القوى الأمنية، وراجعوا التقارير الطبية للمتظاهرين المصابين.

وقد وجهت هيومن رايتس ووتش أسئلة عن سلوك القوى الأمنية إلى الجيش في 18 أغسطس/آب وقوى الأمن الداخلي في 19 أغسطس/آب، لكنّها لم تتلقَّ ردا حتى 25 أغسطس/آب. اتصلت المنظمة بشرطة مجلس النواب في 19 أغسطس/آب، ولخّصت بإيجاز النتائج وطلبت تعليقا. لكنّ مسؤولا رفض الإفصاح عن اسمه قال إنّ “المقابلة انتهت” وأقفل الخطّ.

وكان بعض المتظاهرين الذين تمّت مقابلتهم قد أُصيبوا بالذخيرة الحية، أو الكرات المطاطية، أو الخردق المُطلق من بنادق، أو إطلاق مباشر لقنابل الغاز المسيل للدموع. تعرّض آخرون للضرب من عناصر القوى الأمنية بواسطة الأيادي، والعصي، وغيرها من الأسلحة. أعلن “الصليب الأحمر اللبناني” و”منظمة الإغاثة الإسلامية” عن إصابة 728 شخصا خلال مظاهرات 8 أغسطس/آب ونقل 153 من بينهم على الأقلّ إلى المستشفيات للمعالجة.

وقد قالت هيومن رايتس ووتش إنّه ينبغي أن تضع قوى الأمن فورا حدا لاستعمال الخردق المُطلق من بنادق وغيره من الذخيرة ذات النطاق الواسع والعشوائية، وإنّه على النيابة العامة فتح تحقيق مستقلّ في الانتهاكات والإعلان عن النتائج. كذلك، على الجهات الدولية المانحة لقوى الأمن اللبنانية التحقيق فيما إذا كان دعمها يصل إلى وحدات تمارس انتهاكات، وفي هذه الحال، إيقافه فورا.

وقد كان معظم المتظاهرين سلميين، لكن رمى بعضهم الحجارة، والمفرقعات النارية، وقنابل المولوتوف على قوى الأمن، بينما نهب وأحرق آخرون ممتلكات خاصة وعامة. احتلّ المتظاهرون لفترة وجيزة مباني وزارات الخارجية، والاقتصاد، والبيئة، والطاقة، و”جمعية المصارف”.

وأعلنت قوى الأمن الداخلي خينها أنّ أحد عناصرها توفّي خلال محاولة إنقاذ أشخاص عالقين في فندق “لو غراي”، وذكرت إصابة 70 عنصرا في صفوفها. صرّح الجيش بإصابة 105 من جنوده، بمَن فيهم جنديان في حالة حرجة.

وأشارت هيومن رايتس إلى إنّ استعمال بعض المتظاهرين للعنف لا يبرّر لجوء القوى الأمنية إلى القوة المفرطة، ومن غير استفزاز في بعض الأحيان.

يرتدي عناصر شرطة مكافحة الشغب التابعة لقوى الأمن الداخلي وشرطة مجلس النواب البزّات المموّهة نفسها باللون الأزرق الداكن ويحملون لوازم مكافحة الشغب، ومن المستحيل التفريق بينهم. ادّعت شرطة مجلس النواب أنّ مهامها تقتصر على حماية مبنى المجلس، وأنّ قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني يتولّيان تأمين محيطه. لكن، قال مسؤولون أمنيون وحكوميون في مراكز عالية لـ هيومن رايتس ووتش إنّ عناصر شرطة مجلس النواب كانوا مسؤولين عن انتهاكات خطيرة بحقّ المتظاهرين أمام المجمّع البرلماني في ديسمبر/كانون الأول 2019.

 

ووثّقت هيومن رايتس ووتش من مصادر عديدة استعمال الذخيرة الحية على المتظاهرين، أو تصويبها عليهم في أربع مرّات متفرّقة في 8 أغسطس/آب. في إحدى الحالات، أطلق جنديان نيران بندقيتيهما الهجوميتين باتجاه المتظاهرين. لم تُعرف هويات وتبعيات مطلقي النار في الحالات الثلاث الأخرى.

وفي إحدى هذه الحالات الثلاث، أطلقت القوى الأمنية الذخيرة الحية على المتظاهرين في محاولتهم إجلاء رجل مُصاب. تحدّثت هيومن رايتس ووتش إلى أحد المتظاهرين الذين تعرّضوا لحادثة أخرى قال إنّه أُصيب في فخذه قرب فندق لو غراي من جرّاء طلقة حية، وراجعت سجلّه الطبي الذي أظهر شظايا رصاص في فخذه. في حالتين، كان مطلقو النار في مجمّع البرلمان محاطين بعناصر من الجيش والشرطة يرتدون بزّات لم يحرّكوا ساكنا لإيقافهم.

وأشارت المنظمة إلى أن الخردق الذي جرى إطلاقه من بنادق غير آلية كان هو السبب الرئيسي لإصابات خطيرة عديدة في 8 أغسطس/آب، بما في ذلك إصابات في عيون المتظاهرين وأعضائهم الحيوية. لم يسبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش استعمال قوى الأمن اللبنانية الخردق، وقالت إنّه يجب التوقّف فورا عن استعمال البنادق التي تطلق كريات عديدة، سواء كانت معدنية أو مطاطية، على المتظاهرين مهما كانت المسافة، لكونها بطبيعتها غير دقيقة وعشوائية، والأدلّة التي تشير إلى الإصابات الخطيرة التي تسبّبت بها.

ويشكّل استعمال الذخيرة الحية في غياب تهديد للحياة أو خطر إصابة حرجة بشكل وشيك، واستعمال البنادق التي تبعثر مقذوفات عديدة عشوائيا على مساحة واسعة، في ظلّ احتمال إيذاء أي شخص في طريقها، انتهاكا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تحكم استعمال القوّة من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون.

في بيان في 9 أغسطس/آب، نفت قيادة الجيش إطلاق “أي نوع من أنواع الرصاص الحي باتجاه المدنيين في وسط بيروت”. كذلك، نفت قوى الأمن الداخلي إطلاق “الرصاص المطّاطي، ولا أيّ نوع آخر من الرصاص” على المتظاهرين، في حين نفت شرطة مجلس النواب إطلاق النار على المتظاهرين.

قام عناصر من الشرطة يحملون لوازم مكافحة الشغب وجنود في الجيش بضرب وركل المتظاهرين، والأطبّاء، والصحفيين، وباحثة في هيومن رايتش ووتش تلقّت ضربة على فمها.

وكانت غيدا فرنجية، رئيسة “المفكّرة القانونية”، قدأكدت مع مجموعة من المحامين المتطوّعين، أنّ قوى الأمن اعتقلت 20 متظاهرا على الأقلّ بسبب الاشتباه في إحداثهم للشغب وتعاطيهم المخدّرات. أضافت فرنجية أنّ القوى الأمنية “أخضعت خلافا للقانون” المعتقلين إلى فحوصات للمخدّرات في “ثكنة الحلو” التابعة لقوى الأمن الداخلي، منتهكة بذلك حقهم في الخصوصية والصحة.

وقالت فرنجية إنّه أُفرِج عن 18 متظاهرا بعد 24 ساعة، بينما يقبع شخصان في الاحتجاز لتهم غير مرتبطة بالمظاهرات. أضافت فرنجية أنّ لجنة المحامين قدمت 12 شكوى جنائية إلى النيابة العامة في 24 أغسطس/آب ضدّ أيّ شخص أمَرَ باستعمال الذخيرة الحية والرصاص المطاطي ضدّ المتظاهرين أو استعمل هذه الأساليب، بمَن في ذلك المدنيين، والقوى الأمنية التابعة لكل من الجيش، وقوى الأمن الداخلي، وشرطة مجلس النواب.

وتقدّمت ديالا شحادة، وهي محامية ومدافعة عن حقوق الإنسان، بدعوى قضائية ضدّ شرطة مجلس النواب في 19 أغسطس/آب بالوكالة عن متظاهر أُصيب برصاصة مطاطية وفقد عينه اليسرى.

وفي 13 أغسطس/آب، صرّحت مجموعة من الأطبّاء المعروفين بـ “القمصان البيض”، والذين تظاهروا في أكتوبر/تشرين الأول ضدّ تأثير الفساد والأزمة الاقتصادية على توفر رعاية صحية ذات جودة، بأنّ وزارة الصحة قالت إنّها لن تدفع نفقات المستشفيات التي تعالج المتظاهرين المصابين في 8 أغسطس/آب. تحت تأثير الضغط من الأطبّاء والمستشفيات، عادت الوزارة عن قرارها على ما يبدو.

يذكر أن وزيرة العدل كانت قد طلبت من المدعي العام التمييزي فتح تحقيق في أحداث 8 أغسطس/آب. لكن، حتى 25 أغسطس/آب، لم يكُن قد فعل ذلك بعد.

وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتمتّع الجميع بحقّ حرية التعبير والتجمّع السلمي كما ينصّ “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، ولبنان طرف فيه.

وشددت هيومن رايتس إلى إنّه ينبغي أن تراجع الجهات المانحة برامج الدعم المقدمة للسلطات اللبنانية وتتأكّد من أنّها لا تقدم الأسلحة، أو العتاد، أو التدريب إلى أي قوى متورّطة في انتهاكات خطيرة ضدّ المتظاهرين. كما عليها أن تستعمل نفوذها للضغط من أجل تحقيقات موثوقة في الانتهاكات ولمحاسبة المسؤولين عنها.

وأكد بَيْج: “لا يمكن للسلطات اللبنانية أن تنهي التظلمات المتأجّجة لدى مواطنيها من خلال ضربهم والاعتقاد أنّها ستفلت من المحاسبة. لتكون الرسالة قوية بأنّه لن يتمّ التسامح مع هذا النوع من الانتهاكات بعد الآن، ينبغي محاسبة الأشخاص المسؤولين عن الضرب وإطلاق الرصاص الحي والخردق على المتظاهرين السلميين”.