الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

يوميات متبضع في السوبرماركت: فَلْيَجُعِ اللبنانيون أو يثوروا

لطالما كنت من محبي التبضع في كبريات السوبرماركت. أتفحّص رفوف السلع وأتبضع حاجيات المنزل بنهم لا تنافسني فيه النساء المصابات بمرض “الشوباهوليك”. وكنت عندما أحتار بوجهتي للترفيه عن نفسي، أراني ذاهباً إلى السوبرماركت، فأتبضع ما لست بحاجة إليه.
كان ذلك عندما كنت عازباً في أوروبا…

 

ومع دخولي في “القفص الذهبي” اللبناني، بت اقتصد في التسوّق. ولكثرة ارتيادي كبرى المتاجر في لبنان، ربما حنيناً لأوروبا، بت خبيراً بالفرق بين أسعارها وعروضاتها الكثيرة التي تقدمها للزبائن: بعضها يكثر من عروضاته لاستقطاب الزبائن، والبعض الآخر لتصريف بضائع تشرف على انتهاء صلاحيتها.

خبرة جعلتني على دراية من أين أشتري هذه السلعة أو تلك، وفق السعر المناسب. فعلب الباستا أشتريها (التي أدمنها في مهجري الإيطالي) من هذا المتجر، والقهوة (الإيطالية طبعاً) من ذاك، وحفاضات الأطفال من هنالك، والأجبان من متجر رابع، والخضر واللحمة من غيرها من المتاجر، وهكذا دواليك.

رويدا رويدا..

بدأت أفقد شهيتي على ارتياد السوبرماركت. ظننت أن عزيمتي خفتت بسبب التعب والإرهاق. وبت غالباً أوكل إلى زوجتي مهمة شراء حاجيات المنزل. لكن بعدما رزقنا ولدنا الثاني لم نعد، زوجتي وأنا، نكثر الذهاب إلى السوبرماركت. حتى أنها باتت تشتري أكثر من ربطات خبز خمس دفعة واحدة. فأسألها: ماذا أنت فاعلة؟! فتجيب “بلكي انقطع الخبز؟”.

ورويداً رويداً…

لا لم ندرك سبباً حقيقياً لانقطاع شهيتنا على التسوق، إلا بعد ارتفاع أسعار السلع ارتفاعاً جنونياً في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وبتنا نذهب لتبضع الحاجات الضرورية من دون أن نعير أي انتباه لغيرها. بل لا نذهب إلى السوبرماركت إلا بعد نفاذ تلك الحاجات من منزلنا. ونعود إلى البيت مسرعين. ونتذكر لاحقاً أننا نسينا ابتياع غرض أساسي، بعدما كنا نعود في السابق محملين بشتى أنواع السلع. ليس لحاجة لنا بها، بل لأننا كنا ننساق خلف العروضات الجذّابة. أدركنا جيداً أن الغلاء يفقدنا شهية الأكل ويدفعنا إلى الاقتصاد.

في آخر مرة ذهبت إلى السوبرماركت بسبب انقطاع شوكولا المحبب لابنتي، توجهت إلى قسم الخضر، بعدما أوصتني زوجتي بشراء البندورة والخيار والبصل… سعر كيلو الخيار 4750 ليرة، على ما بدا مدوناً تحته. سألت العامل المسؤول مستفسراً، فأكد لي السعر مبرراً أن سعره في السوق يفوق خمسة آلاف ليرة. إلى جانبي سيدة خمسينية متبرجة، تشي هيئتها بأنها تنتمي إلى الطبقة الوسطى. كانت تستمع إلى الحديث، فعاجلتني: “وبلا خيار. أساساً ما إلو فايدة”. ثم تمتمت كلمات أخرى، كالت بها الشتائم للغلاء الفاحش.

ورحت أبحث في رفوف الباستا عن أسعارها. فنادراً ما اتبضع منها أقل من علب خمس في الأسبوع. وكنت قد اشتريت منها كمية كبيرة عندما بدأ الحديث عن “المجاعة”، فإذا بسعرالعلبة الجديد قد وصل إلى 3500 ليرة، بعدما كنت أشتريها بنحو 2250 ليرة. اشتريت ماركة أخرى منها، ورحت استطلع أسعار بعض السلع: الجبنة الإيطالية (أين أنت يا إيطاليا!) التي استعملها للطبخ، ارتفع سعرها أكثر من خمسين في المئة. حفاضات الأطفال والحليب كذلك تضاعف سعرها. الزيت والسكر والأرز.. السلع الأساسية كلها، حتى المصنعة في لبنان. أي غير المستوردة، ويفترض أنها لم تتأثر بارتفاع سعر الدولار. لقد زاد ثمنها نحو 30 في المئة.

لكن على من تتلو مزاميرك يا داوود؟!

ها هي زوجتي تتخطى الأزمة وتوصي بشراء أكياس ستة من حفاضات للأولاد من دبي. وصلت جميعها بخير وسلامة ووفرت في ثمنها 110 آلاف ليرة.

“تعا شوف”، هتفت لي فرحة “بالثروة” التي حصلت عليها، متخطية حصار السلطة القاضمة لرواتبنا. وعلمت منها أن صديقات وقريبات عرضن عليها انتصاراتهن في تخطي غلاء الأسعار في لبنان، لأنهن يشترين حاجات منازلهن، بما فيها المعلبات، من قبرص وألمانيا ودبي وغيرها من الدول.

على الرغم من “فرحتي” بهذا النصر المعظم لزوجتي، تمتمت قائلاً: “لازم اللبنانيين يجوعو مزبوط، قبل هيك ما رح ينتفضوا”.