الثلاثاء 21 شوال 1445 ﻫ - 30 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الحرب في حسابات “حزب الله” وإسرائيل

لا تزال ملابسات تقديم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إستقالته من المملكة العربية السعودية تتفاعل، في وقت يتصاعد الاشتباك الكلامي بين الرياض وطهران ، الامر الذي يرى البعض انّه قد يمهّد لحرب جديدة بالوكالة في الشرق الأوسط يكون لبنان ساحةً لها.

إستقالة الحريري مصحوبة بالقرارات التي اتخذتها عدّة دول خليجية وتضمّنت طلباً بمغادرة رعاياها للبنان أجّج الكلام حول الحرب المحتملة بين “حزب الله”، ذراع إيران الأقوى في المنطقة، وبين إسرائيل المرشّح الأقوى لخوض مثل هذه المعركة. وبالرغم من انّ هناك من يفسّر التطورات الأخيرة بأنّها تعطي المبرر لتل أبيب لاستهداف لبنان، يطرح آخرون تساؤلات حول مدى استعداد الطرفين الآن بالتحديد لخوض مثل هذه الحرب.

خلال العام الحالي، لوحظ انّ “حزب الله” بدأ يعدّل من استراتيجيته في سوريا ، فقد سحب جزءا من قواته وأخذ يفعّل السياسة الداخلية اللبنانية، فحصلت إنتخابات رئاسية وتمّ تشكيل حكومة. عادةً ما تتوافق مثل هذه الخطوات مع التحضير لاحقاً لحرب، على اعتبار انّ الحزب سيكون بحاجة الى غطاء داخلي في حال اندلاعها.

لكن من المعتقد انّ “حزب الله” لم يستكمل خطواته بعد، ولذلك فإنه لن يبادر على الأرجح إليها، أضف الى ذلك أنّ تحركّاته عادة ما ترتبط بالأجندة الإيرانية الرئيسية في المنطقة، ولذلك فإن مصلحة الحزب وايران تقتضي ان يختارا المكان والزمان المناسبين لاندلاعها، وليس ان يجرّا إليها وفق حسابات الآخرين.

وعلى الرغم من التقارير التي كانت قد أشارت الى انّ “حزب الله” قد استدعى قواته من سوريا لإعادة نشرها في الداخل اللبناني، لا سيما على الحدود مع إسرائيل ، فإنّ الحزب ليس جاهزاً بعد لمثل هذه المعركة على الأرجح. فالوضع في سوريا لم يحسم بالكامل لصالح الأسد حتى الآن، ولا تزال إيران تخشى من تفاهمات اللحظة الأخيرة التي قد تعقدها روسيا مع غيرها من اللاعبين هناك، ولذلك فإن الضمانة الوحيدة بالنسبة لطهران للحيلولة دون حصول هذا الأمر هو الإبقاء على الميليشيات الشيعية في سوريا ومن بينها “حزب الله” بطبيعة الحال.

هذه المعطيات ترجّح انّ “حزب الله” وايران قد لا يفضّلان هذا التوقيت بالتحديد لخوض مثل هذه الحرب اذا كان لديهما في الأصل نيّة لخوضها. تصريحات أمين عام “حزب الله” المتكررة حول استبعاد إمكانية اندلاع الحرب هي مؤشر إضافي على هذا الأمر.

الحسابات الإسرائيلية

على المقلب الآخر، لإسرائيل حساباتها المستقلة والمختلفة بالتأكيد عن حسابات “حزب الله” وايران وباقي اللاعبين الإقليميين. منذ إندلاع الثورة السورية، تراقب إسرائيل عن كثب تحركات “حزب الله” وقدراته العسكرية. ومن نافل القول هنا انّ الحزب ما كان له ان ينخرط بقوّة في الداخل السوري ويترك ظهره مكشوفا بالكامل لها لولا انّ إسرائيل لم تغض الطرف عن ذلك. الوقائع تقول انّ تفاهماً غير موقّع كان قد نشأ آنذاك بين الطرفين، فقد كان من مصلحة الحزب أن يتدخل لمساعدة الأسد، وقد كان من مصلحة إسرائيل أن ينشغل الحزب في سوريا.

لكن المعادلة بدأت تتغيّر شيئاً فشيئاً على ما يبدو، فالحزب اكتسب خبرات وقدرات عسكرية جديدة، وبدأ يحاول استخدام الجبهة السورية في الجولان لضرب إسرائيل من أجل إعادة بناء شرعيته الشعبية عربيا واسلاميا بعد ان كان قد فقدها. أمّا بالنسبة الى إسرائيل ، فقد زادت من عمليتها العسكرية ضد الحزب في سوريا . ثم بدأت شيئا فشيئا تعدّ العدّة على صعيد الحدود اللبنانية.

وفي أيلول الماضي أجرت إسرائيل مناورات عسكرية لمدة عشرة أيام هي الأكبر لها على الاطلاق منذ عقدين على الحدود مع لبنان . وقد قال الجيش الإسرائيلي انّ الهدف من هذه المناورات رفع الجهوزية على الجبهة الشمالية والتأقلم مع التحديات الجديدة.

من الواضح أنّ إسرائيل لا تريد معركة مع “حزب الله”وايران في الجولان لأن الحزب لن يتحمل أي تكاليف حال اندلاعها هناك باستثناء الخسائر البشرية التي قد يلقاها. أما في لبنان فالوضع مختلف تماما، اذ ستتحمل بيئته التكاليف وسيتحمل اللبنانيون والدولة اللبنانية التكاليف، وهو ما يجعله في موقع صعب للغاية. وهناك من يؤكد بأنه ومن دون الغطاء الحكومي، لن يتوفر من يستطيع الحزب ان يختبئ وراءه كما سيميل اللبنانيون على الأرجح الى القاء اللوم على الحزب.

وفي هذا السياق، هناك من يجادل انّه ليس من مصلحة إسرائيل شن الحرب ضد “حزب الله” في هذا التوقيت بالتحديد، على اعتبار أنّ هناك مصالحة فلسطينية الآن وتريد ان تستفيد منها في إعادة ترتيب الوضع الداخلي قبل كل شيء. قيامها بشن الحرب حالاً قد يضر بخططها فيما يتعلق بالداخل الفلسطيني.

غياب عنصر المفاجأة

أمّا العنصر الثاني، فهو يتعلق بعنصر المفاجأة. إذ خلق الجدل حول احتمال وقوع حرب في لبنان حالةً من الاستنفار المحلي والإقليمي والدولي، وهو امر غير مفيد بالنسبة الى أي عمل عسكري، اذ تفضل تل أبيب ان تكون ضرباتها مباغتة، ولذلك فالوضع الحالي يقلل من احتمال اندلاعها الآن في ذروة الاستنفار.

هذا ما تؤكّده بشكل غير مباشر المقابلة الحصرية التي أجرتها (إيلاف) مع رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي ايزينكوت، الذي نفى وجود أي نيّة لدى الجيش الإسرائيلي لمهاجمة “حزب الله” في لبنان ، مشيراً في الوقت نفسه الى انّ إسرائيل لن تقبل بأي تهديد استراتيجي لها.

لا يجب ان يفهم من كلامنا اننا نستبعد الحرب بشكل مطلق، فكل المؤشرات تشير الى انّ دوافعها تتراكم عند الطرفين (“حزب الله” وإسرائيل)، لكننا نقول انّها ستنفجر عندما تكون الحسابات مناسبة لأي منهما، وهي ليست كذلك الآن على ما يبدو لكليهما.

الحرب القادمة لن تكون سهلة على الاطلاق وستكون بمنزلة حجيم على الأرض، لذلك فإنّ استسهال توقّع اندلاعها او التحفيز عليها أمر خاطئ، لكن في المقابل لا يمكن استبعاد هذا الأمر بشكل كلي، خاصّة انّ معادلة الوقت تزيد من احتمالاتها. بمعنى آخر، كلما تقدّم الوقت زاد احتمال اندلاع الحرب بسبب مراكمة الطرفين للعناصر اللازمة لاندلاعها.

 

المصدر القبس الكويتية

د علي حسين باكير