وفي هذا السياق، قلّلت مصادر دبلوماسية أميركية من أهمية نجاح القوى الحليفة لحزب الله في تشكيل حكومة برئاسة دياب، معتبرة أن معالجة الأزمة التي يمر بها لبنان لا يمكن أن تمر عبر حكومة دياب أو أي شخصية أخرى، كون التجارب السابقة والحالية أثبتت أن ذهنية تأليف الحكومات في لبنان ستبقى خاضعة للمحاصصة الحزبية، وبالتالي وفق المعادلة الحالية استمرار هيمنة حزب الله على مفاصل الدولة اللبنانية، ما سيسهم في استمرار عزلة البلاد عن المجتمعين العربي والدولي.
وكشفت أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين تلقوا نصائح عبر موفدين من دول غربية للذهاب في اتجاه تأليف “مجلس إنقاذ” لإدارة المرحلة المقبلة والتواصل مع الدول المانحة وإعادة تفعيل العلاقات الدولية لدعم بيروت.
ثلاثية “عسكرية قضائية مصرفية”
وأشارت إلى أن تأليف مجلس الإنقاذ الوطني الذي نقله دبلوماسيون غربيون يرتكز على أن يتكون من المؤسسات المالية والقضائية والعسكرية، ومهمته تقتصر على تفعيل علاقات لبنان الخارجية مع الدول العربية والغربية، ووضع خطة اقتصادية إنقاذية قصيرة المدى بالتزامن مع الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة بعد إجراء تعديلات على القانون الانتخابي، بالإضافة إلى البحث حول حلٍ لسلاح حزب الله ضمن استراتيجية عسكرية وطنية.
وأكدت أن رسائل عديدة وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين في أكثر من مناسبة ومنذ أكثر من عام، لا سيما أن الوفد النيابي والمالي الذي زار واشنطن وضم حينها رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية، ياسين جابر، ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان، سمع بوضوح التوجه الأميركي تجاه حزب الله، مؤكدة أن الرئيس سعد الحريري سمع الكلام نفسه، بالإضافة إلى أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا الموفدين الأميركيين قد وصلتهم الرسائل نفسها، متأسفة إلى أن المسؤولين اللبنانيين لم يأخذوا الأمور على محمل الجد.
عودة النفوذ السوري
ووفق مصادر سياسية لبنانية فقد أظهر سياق تشكيل حكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب صراعاً بين حلفاء المحور السياسي الواحد يؤشر إلى وجود خلاف سياسي مضمر له علاقة بالامتداد الإقليمي السوري- الإيراني داخل المشهد اللبناني، مضيفة أن نظام الأسد يسعى إلى استعادة دوره المباشر في لبنان عبر حلفائه المباشرين، لا سيما تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض الشخصيات الأخرى.
وتشير إلى أن النظام بات يعتبر نفسه متحرراً إلى حد ما من النفوذ الإيراني في سوريا بسبب الهيمنة الروسية، وأيضا بسبب ضعف إيران حالياً في مواجهاتها مع المجتمع الدولي، وأزمتها الاقتصادية، فإن بشار الأسد يعتقد أن بإمكانه مشاركة حزب الله في الهيمنة على لبنان.
بريطانيا على النهج الأميركي
في المقابل، رأت أوساط دبلوماسية غربية أن عدداً كبيراً من الدول في العالم يتجه إلى السير على خطى الولايات المتحدة تجاه حزب الله، الأمر الذي يُعرّض لبنان للعقوبات بسبب أعمال الحزب العدائية، مشيرة إلى أن أميركا عندما صنفت “حزب الله” تنظيماً إرهابياً، جرى إدخال لبنان ضمن مجموعة من الدول الـ32 في العالم التي تعتبر راعية للإرهاب أو التي لديها مجموعات موصوفة بالإرهاب أو أنها تحبذه.
وأشارت إلى أن من تداعيات القرار الأميركي آنذاك أن المكسيك، وهي من أكثر البلدان الصديقة للبنان، اختارت بلداً عربياً آخر ليكون مدخلها إلى الشرق الأوسط بدلاً عن لبنان، وهذا البلد لم يكن لديه حتى سفارة هناك، بينما كان لبنان يحتفل بالذكرى السبعين لعلاقاته الدبلوماسية، ولم يكن لديه أي مغترب هناك، فيما لبنان لديه مجموعة مهمة من الاغتراب تملك ما لا يقل عن 10% من الناتج القومي للمكسيك، ورغم كل هذا التاريخ الوطيد من العلاقة الإنسانية والصداقة بين البلدين، فإن المكسيك اختارت بلداً آخر.
وأكدت أن هذا التصنيف سينعكس حتماً على الاقتصاد اللبناني ويصيبه بشكل كبير، بسبب الإجراءات الجديدة التي ستفرضها بريطانيا على المصارف اللبنانية المأزومة أصلاً، لمنعها من التعامل مع حزب الله مباشرة أو عبر وسطائه الكثر، وهم ليسوا بالضرورة من الشيعة، فقد انكشف أخيراً أن الحزب يستخدم شخصيات مسيحية مقربة من التيار الوطني الحر لتغطية عملياته المالية.
وعبرت عن مخاوفها من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إفلاس بعض المصارف اللبنانية، الأمر الذي سيشكل كرة ثلج متدحرجة تأخذ في طريقها عشرات آلاف اللبنانيين ومدخراتهم في المصارف، في حين أن “حزب الله ليس واقعياً في سلوكه ولا يفهم أنه حين يريد مواجهة الدول الكبرى، عليه أن يتحمّل العواقب”.
حزب الله لا يكترث
القرار البريطاني وسلسلة القرارات التي أعلنتها مجموعة من الدول حول وضع حزب الله على قوائم الإرهاب، الذي من شأنه أن يصعِّب منح لبنان أي مساعدات اقتصادية، في ظل سيطرة الحزب على البلاد وحقيقة أن الحكومة المقبلة ستكون تابعة له أياً كان شكلها، وفق بعض المصادر، إلا أن مصادر مقربة للحزب تشير إلى أن التصنيفات الأميركية والبريطانية لم تؤد يوماً لتأثيرات مباشرة على حزب الله، ولا تسهم في خنقه مالياً، فالحزب يعتمد أصلاً على وسائل مختلفة في التمويل لا تخضع للرقابة الأجنبية.
وترى تلك المصادر أن مثل تلك القرارات لا تزيد الحاضنة الداعمة لمشروع المقاومة إلا صلابة وتمسكاً بالدور والأهداف التي باتت تؤرق حلفاء إسرائيل، بحسب المصادر.