الخميس 23 شوال 1445 ﻫ - 2 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

التبشير المفرط بـ”الثروة النفطية في لبنان” قد يتحول إلى نقمة

في خضم الاحتقان الشعبي من حالة الاستعصاء المزمنة في لبنان والتي تبدأ من السياسية ولا تنتهي عند الاقتصاد المتردي وتداعياته على حياة اللبنانيين ضمن حالة اختناق تضاعفها الحمم التي يلقي بها البركان الثائر في سوريا ، أعاد المسؤولون تدوير أسطوانة الاكتشافات النفطية لكن بصوت أقوى هذه المرة تجسد في موافقة مجلس الوزراء على الترخيص لشركات عالمية على البدء بالتنقيب عن الغاز والنفط في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة.

ومع الإعلان عن تحريك ملف الثروة النفطية في لبنان الذي ظل مجمّدا لسنوات، تصاعد الحديث عن دخول لبنان إلى نادي الدول النفطية وما يعني ذلك من فرص اقتصادية وخروج من الأزمة المالية، ويجري تداول أرقام كثيرة بشأن قيمة الغاز الموجودة في المياه اللبنانيّة وتقديرات الثروة النفطية، لكن الخبيرتين في مجال الطاقة والبيئة فاليري مارسيل وجسيكا عبيد تحذّران من الأمل المفرط وتدعوان الحكومة والجهات المسؤولة إلى مصارحة اللبنانيين بكل الحقائق المحيطة بهذا الملف، الذي خضع، ومازال، للتجاذبات السياسية.

وقدّمت الخبيرتان رؤيتهما لواقع لبنان وحقيقة ثروته النفطية ضمن دراسة نشرها المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) تناولت الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للقضية التي تتجاوز هذه الخطوة أبعادها الاقتصادية وتلك المتعلقة بمجال الطاقة لتصبح موضوعا سياسيّا بامتياز، وحتى أمنيّا في ظل الظروف الداخلية التي يمر بها لبنان وتأثيرات السياقات الخارجية عليه.

إدارة التوقعات

تعمل الحكومة اللبنانية في الوقت الحاضر على التنقيب عن النفط والغاز من أجل دعم مستقبل جديد ومشرق. لكن تلك المحاولات محفوفة بمجموعة من التحديات التي تواجه لبنان، تلك الدولة الصغيرة التي تعاني من أزمة سياسية متواصلة وتتأثر بشكل مباشر بالصراعات الإقليمية المحيطة.

غرّد وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل في كانون الأول الماضي، “مبروك للبنانيين إقرار بند النفط ودخول لبنان نادي الدول النفطية”، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء على مناقصة قدّمها كونسورسيوم من ثلاث شركات دولية (توتال الفرنسية ونوفاتك الروسية وإيني الإيطالية) لبدء التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية اللبنانية. ومنح المجلس رخصتين للتنقيب في الرقعتين الرابعة والتاسعة من أصل 10 رقع، تم تقسيمها سابقا.

ترتفع التوقعات السياسية وتتنبأ بالعديد من الاستكشافات في هذا المجال، وستقوم السلطة التشريعية بمراجعة مشاريع القوانين لإنشاء صندوق ثروة سيادي وشركة نفطية وطنية. وهنا تحذّر الباحثتان من خطر المبالغة من قبل الحكومة اللبنانية. وتستند مارسيل وعبيد في تحذيراتهما على دراسة ميدانية تناولت البيئية الجيولوجية اللبنانية والبيئة السياسية والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

استنادا إلى الدراسات الزلزالية، يمتلك لبنان احتياطي غاز طبيعي يبلغ 25 تريليون قدم مكعب، ولكن لم يتم تأكيد هذه الكمية بالحفر وربما لا يتم اعتبارها صالحة من الناحية التجارية. وهنا تنبه الباحثتان “سيكتشف الشعب اللبناني، الذي أعرب عن إحباطه إزاء الوقع الاقتصادي المتردي والشلل الذي أصاب الحياة السياسية، خدعة الحكومة إذا ما كانت هناك آبار جافة، أو إذا ما كانت الاكتشافات المستقبلية غير صالحة تجاريا، أو إذا لم يحقق القطاع ما وعد به” من ثروة.

وعلى مدى سنوات، كان ملف النفط ورقة سياسية يلوّح بها السياسيون عند الضرورة حيث الحديث عن الأمل في مدى قوة قطاع النفط لتغيير حياة اللبنانيين. تذكر الدراسة كمثال، تصريح صدر في ديسمبر 2013، عن وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل (وزير الخارجية الحالي) قال فيه عائدات النفط والغاز ستحقق “الاستقلال الاقتصادي” لبلاده، وستساعد على سداد الدين العام، وستخلق فرص عمل، وستضخم من حجم الثروة.

في ذلك الوقت، بدأ اللبنانيون يضيقون ذرعا بأفواج اللاجئين القادمين من سوريا وتداعيات ذلك على الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، هذا بالإضافة إلى الغضب من مشاركة حزب الله في الحرب وتداعيات ذلك على الداخل اللبناني. ونشرت الحكومة حملة إعلانات تتضمن العديد من الوعود. وقام مسؤولو الحكومة بنشر أرقام الموارد المحتملة – بمعدل 95.5 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بنسبة 50 بالمئة، وهو ما يفسره غير الخبراء على أنها احتياطات مؤكدة.

يتكرر المشهد اليوم، لكن في وضع أكثر سوءا، الأمر الذي يدفع ماليري مارسيل وجسيكا عبيد لتكرار التحذيرات الموجهة للحكومة أكثر من مرة في دراستهما. وتشددان على ضرورة أن تشرح للبنانيين مدى ارتفاع احتمال فشل عملية التنقيب أو الاستكشاف، وأن رحلة الإنتاج ما زالت طويلة، لا سيما أن التنقيب لن يبدأ قبل عام 2019. وقد التزم ائتلاف الشركات الثلاث بحفر بئرين في عام 2019، واحدة في كل موقع من الموقعين الرابع والتاسع.

ومن المحتمل أن تكون هناك آبار جافة، ووفقا لبيانات شركة ريتشموند إنيرجي بارتنرز. وقد بلغت معدلات النجاح التجاري في مجال التنقيب بين عامي 2012 و2016، 31 بالمئة بشكل عام و7 بالمئة بالنسبة للأقاليم الحدودية مثل لبنان. وإذا كان هناك اكتشاف، فمن المرجح ألا تظهر عائدات الإنتاج إلا بعد مرور 10 سنوات بعد الجولة الأولى للمناقصات.

وإذا لم يتم توضيح الجدول الزمني الخاص بالإنتاج وكذلك شرح العقبات المحتملة، فقد يحيل الشعب اللبناني غياب الإيرادات إلى تفشي الفساد الذي كان السبب الرئيسي في خروج المظاهرات في مناسبات عديدة في السنوات الأخيرة. ووضعت مؤشرات البنك الدولي للحوكمة العالمية لبنان في المركز الرابع عشر عالميا في عام 2016 من حيث تصورات “السيطرة على الفساد”، مما يفسر عدم الثقة العامة في تعامل الحكومة مع عائدات النفط.

المخاطر الجيوسياسية

يقترن برنامج التنقيب في لبنان بالمخاطر الجيوسياسية القائمة، حيث يقع الموقع التاسع بمحاذاة منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل مساحتها 860 كيلومترا مربعا. وهذه القضية محلّ خلاف حاد بين الطرفين منذ عدة سنوات. وقام لبنان وإسرائيل بتعيين مناطقهما الاقتصادية الخالصة، والتي لا يمكن اعتبارهما نهائيتين من الناحية القانونية. وقد يتطور الخلاف إلى حرب.

وعندما أراد المسؤولون اللبنانيون رسم خارطة المساحة لتشمل المياه المتنازع عليها حاولوا احتواء التوتر بالقول إن ذلك يهدف إلى تأكيد مطالبات سيادية وقد لا تنقب الشركات في تلك المنطقة. لكن مناقصة ديسمبر الماضي التي فاز بها ائتلاف الشركات الثلاث تقدّم شكوكا جديدة، ولا سيما بعد أن أعلنت الشركات التزامها بالحفر والتنقيب في تلك المناطق.

ويعتمد التوتر الجيوسياسي بين لبنان وإسرائيل على مسائل تتجاوز تلك الموارد؛ فمثلا مع انتهاء الصراع السوري ، وكذلك مع مساعي القوى الدولية والإقليمية لاحتواء التوسع الإيراني في المنطقة قد يصبح لبنان مسرحا لحروب بالوكالة.

في مثل هذا السياق من التوترات الإقليمية المتزايدة يمكن استخدام تنمية الموارد في المياه المتنازع عليها أو بالقرب منها كعامل تحفيز لإشعال الحروب. لذلك تؤكد الباحثتان على أن التخفيف من مخاطر هذه المرحلة أمر بالغ الأهمية. وللتخفيف من حدة التوترات، يمكن للحكومة اللبنانية أو ائتلاف شركات التنقيب الثلاث أن توضح بالضبط أين ستتم أعمال الاستكشاف ضمن الكتلة الممنوحة.

ويكمن أيضا للوساطة أن تلعب دورا في تسوية النزاع الحدودي، بما أن المسارات القانونية، مثل التحكيم وتقديم القضية إلى محكمة العدل الدولية، تمثل إشكالية في حد ذاتها لأنها تتطلب التزاما من الطرفين باحترام القرار والاعتراف باختصاص المحكمة، كما أن الخيار الأخير يتطلب من لبنان الاعتراف بالدولة الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى أزمة حدودية أخرى مع قبرص .

وتشير دراسة من منشورات الجيش اللبناني إلى أن لبنان وقّع في مطلع سنة 2007 اتفاقية مع قبرص حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون في ما بينهما لاستثمار الثروات النفطية.

استندت هذه الاتفاقية إلى القوانين التي تراعي الإجراء في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط. ولكن الدولة اللبنانية لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقّعت اتفاقية أخرى مع إسرائيل (2010) لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، متجاهلة ما تمّ الاتفاق عليه مع لبنان، وهذا ما أدى إلى خسارة لبنان مساحة مائية تزيد على 860 كيلومترا مربعا.

ولا تقتصر تعقيدات إجراء مناقصات التنقيب على الحقول البحرية وخلافات الترسيم الحدودي، بل ترتبط أيضا بالنزاع الداخلي اللبناني المتعلق بالمحاصصة الطائفية التي ستتوزع وفقها الموارد النفطية. فمثلا فضّل إعطاء جبران باسيل أولوية للحقول المقابلة لشاطئ البترون التي تعتبر دائرة إنتخابية لباسيل ولحزبه “التيار الوطني الحر”.

تغلب لبنان على العديد من التحديات المحلية للوصول إلى هذا الحد من التطوّر في القطاع النفطي، ولكن الطريق إلى الانضمام إلى “نادي منتجي النفط” ما زال طويلا ومحفوفا بالمخاطر، ولا سيما أن التحديات الحقيقية بدأت الآن في الظهور. لذلك يظل التخفيف من حدة المخاطر الإقليمية وأيضا إدارة توقعات الشعب اللبناني أمرين حاسمين لوضع هذه الدولة الصغيرة على الطريق الصحيح في المجال النفطي.

 

المصدر العرب اللندنية