كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
على الجبهة السياسية، كل الداخل منضبط في هذه الفترة على الإيقاع الرئاسي غداة تحديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجلسة انتخاب «مثمرة» في التاسع من كانون الثاني المقبل، وبالتزامن مع الحراك المتجدد للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان. واما على الجبهة الأمنية فإنّ سؤالاً وحيداً يسبح في الأجواء الداخلية، وصاغته الخروقات الإسرائيلية المتتالية لاتفاق وقف اطلاق النار التي طالت مساحة واسعة من منطقة الحدود الجنوبية: هل سيصمد هذا الاتفاق، أم أنّ هذه الخروقات ستدفع به في لحظة ما إلى الانهيار؟
معبر التوافق
رئاسياً، خلاصة الحركة الاستطلاعية للودريان، على ما تقول مصادر مواكبة لزيارة الوسيط الفرنسي، «أن لا طرح أو مبادرة فرنسية جاهزة او معدّة سلفاً، بل انّ هذه الزيارة أعادت ضبط الملف الرئاسي في رأس اولويات مرحلة ما بعد العدوان، وحضور لودريان شخصياً، هو عامل مساعد للدفع في ملف رئاسة الجمهورية الى الحسم بصورة عاجلة».
ولمست المصادر صدق توجّه لودريان إلى انتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، الّا انّها اشارت إلى أنّه أعاد في اللقاءات التي أجراها مع القوى السياسية، طرح فكرة اساسية سابقة، يعتبرها لودريان السبيل الإلزامي لحسم الملف الرئاسي، وجوهرها حثّ الاطراف في لبنان على توسيع الخيارات الرئاسية وعدم حصرها بأسماء معيّنة، وبالتالي الإتفاق في ما بينهم على خيار رئاسي مؤيَّد من كل الاطراف».
بري: التوافق
وفي سياق متصل، فإنّ مبادرة الرئيس بري إلى تحديد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وإيحاءه بأنّها ستكون مثمرة بقوله انّه سيدعو اليها السفراء والبعثات الديبلوماسية في لبنان على جاري ما يحصل مع كل جلسة انتخاب مثمرة سابقة، لم يحرّك المياه الرئاسية الراكدة، بل دفعت القطار الرئاسي خطوات مهمّة إلى الامام، واضعاً بذلك خطاً لنهاية مرحلة الشغور في 9 كانون الثاني. ذلك أنّ انتخاب رئيس للجمهورية بات أوجب الواجبات بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي كخطوة اولى وأساسية لإعادة إنهاض البلد رئاسياً وحكومياً وسياسياً وعلى كلّ المستويات.
على أنّ فترة الـ40 يوماً الفاصلة عن 9 كانون الثاني، بحسب ما قالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»، تشكّل ما قاله الرئيس بري، امتحاناً للجميع، امتحاناً للوطنية والمسؤولية، وفرصة لتوافق المكونات السياسية على الرئيس الذي يجمع ولا يفرّق ولا يشكّل تحدّياً او استفزازاً لأحد.
ورداً على سؤال عمّا اذا كان انتخاب رئيس الجمهورية يتطلّب جولة من الحوار او التشاور بين الاطراف، قالت المصادر: «الرئيس بري هو أول وأكثر المستعجلين لانتخاب رئيس للجمهورية، ولأجل ذلك أطلق سلسلة طويلة من المبادرات لبناء هذا الانتخاب على ارض توافقية بين المكونات السياسية. ولو استُجيب له لكان رئيس الجمهورية قد انتُخب قبل سنة ونصف من الآن. وبمعزل عمّا سبق، فإنّ الرئيس بري حدّد موعد الجلسة بعد اكثر من شهر، وهذه فترة كافية لالتقاء الاطراف تحت اي اطار، أكان تحت مسمّى الحوار او التشاور او اي شيء آخر، لإنهاء الأزمة الرئاسية والتشارك بين كل المكونات وتلاقيها على إنقاذ البلد. ومن هنا فإنّ عنوان المرحلة هو «إلى التوافق سرّ»، والرئيس بري جاهز للتفاعل الايجابي مع كل ما من شأنه إخراج انتخابات رئاسية توافقية من ضمن اللعبة الديموقراطية البرلمانية. ومن يفوز برئاسة الجمهورية يبارك له الجميع ونقطة على السطر».
خروقات واهتزازات
أمنياً، تؤشّر الوقائع التي تسارعت منذ الاعلان عن هذا الاتفاق الاربعاء الماضي، الى أنّه لا يقوم على أرض صلبة، في ظلّ الإهتزازات التي توالت خلال الايام الثلاثة الماضية، والخروقات المتتالية من الجانب الإسرائيلي في العديد من القرى الحدودية وصولاً إلى الزهراني، ما يرفع منسوب الحذر من إمكان تعرّضه إلى انتكاسة تترتب عليها وقائع وتوترات غير محمودة.
وعد بردع الخروقات
العيون ما زالت على الميدان رصداً لحال الاهتزاز التي يتعرّض لها، ولاسيما انّ الخروقات توالت بالأمس من الجانب الاسرائيلي اكثر من مرّة، عبر طلعات متتالية للطيران المسيّر في الاجواء الجنوبية، واستهدافات متواصلة للمدنيين في المناطق التي ما زال الجيش الاسرائيلي متواجداً فيها، واعتداءات بالقصف المدفعي والاسلحة الرشاشة على البلدات القريبة من خط الحدود الدولية، ما أرخى حالاً من التوتر الشديد.
في موازاة هذه المستجدات، أُعلن ما بدا انّه استنفار على أكثر من مستوى داخلي. وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ «المستوى السياسي والرسمي في لبنان، استعان بالراعيين الأميركي والفرنسي لاتفاق وقف إطلاق النار، معترضاً على الخروقات الاسرائيلية، وتلقّى وفق ما أكّدت مصادر حكوميّة لـ«الجمهورية» تأكيداً على الإتفاق ووعداً بمتابعة حثيثة مع الجهات المعنيّة، لما وُصفت بالتحركات والإجراءات الميدانية المستغربة وغير المبررة، بالشكل الذي يحول دون تكرارها، وكذلك تشديداً على وجوب تأكيد التزام كل الاطراف بما تمّ الاتفاق عليه، وما هو مصلحة لهم، وإدراك الحاجة الأكيدة للجميع إلى ترسيخ الهدوء والاستقرار على جانبي الحدود. وإنفاذ كلّ ما جرى لحظه من إجراءات ومتطلبات واجب القيام بها خلال فترة الـ60 يوماً».
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين كان حاضراً على خط الاتصالات التي جرت خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية.
وفي هذا الاطار، سألت «الجمهورية» مسؤولاً ديبلوماسياً كبيراً عمّا يمكن عمله سياسياً لوقف الخروقات، فقال: «إنّ المسألة الآن أمنية وليست سياسية، وبالتالي الآن هو شغل العسكر، علماً أننا بادرنا مع بداية الخروقات إلى التواصل مع الاميركيين ووضعناهم في صورة الخروقات، وقد اكّدوا لنا انّهم سيتواصلون مع الإسرائيليين ويطلبون منهم احترام الاتفاق، وقالوا إنّ الأمر نفسه مطلوب من جانب لبنان».
الوضع مقلق
وفي موازاة ذلك، اكّد مرجع أمني كبير لـ«الجمهورية» انّ «الوضع أكثر من حذر، بل مقلق ويتدرّج نحو الخطر، حيث يخشى أن يتعرّض للانهيار في ظلّ الخرق الاسرائيلي المتعمّد لاتفاق وقف العمليات القتالية، ما يعزز الاعتقاد بأنّ إسرائيل تُظهر من خلال هذه الخروقات نوايا مبيتة لنسفه واعادة الامور إلى الوراء».
واشار المرجع عينه إلى أنّ الجيش اللبناني، أعدّ جدولاً بالخروقات التي مارسها الجيش الاسرائيلي في المناطق الواقعة جنوب الليطاني، ولاسيما في الخيام ومركبا وكفر كلا ودير ميماس، وبيت ليف وصولاً إلى منطقة الزهراني شمالي الليطاني، اضافة إلى التحذيرات التي يطلقها لأهالي البلدات الجنوبية ومنعهم من العودة اليها، وجرى تواصل مباشر مع رئيس اللجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على وقف اطلاق النار ومنع انتهاك الاتفاق الذي تمّ برعاية اميركية وفرنسية بين لبنان واسرائيل. وتمّ وضعه بصورة هذه الخروقات على أن يتخذ حيالها المقتضى». يُشار هنا إلى أنّ اللجنة الخماسية تضمّ عسكريين كباراً من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ولبنان، واسرائيل و«اليونيفيل»، ورئيسها الجنرال في الجيش الاميركي جاسبر جيفرز، الذي وصل إلى بيروت في الساعات الماضية والتقى قائد الجيش العماد جوزف عون، حيث جرى عرض مهمّة اللجنة إلى جانب خطة الجيش المتصلة بمنطقة جنوب الليطاني.
وقال المرجع الأمني: «انّ ما استجد يلقي على المستوى السياسي في لبنان مسؤولية إثارة موضوع الخروقات مع كل الشركاء في إتمام اتفاق وقف اطلاق النار، وخصوصاً مع الجانبين الاميركي والفرنسي، لممارسة الضغط للجم اسرائيل وردع خروقاتها، وخصوصاً انّ الخطير في هذه الخروقات هو أنّ العدو الاسرائيلي، ومن اللحظة التي تمّ فيها اعلان وقف العمليات القتالية، يحاول أن يستغل وقف اطلاق النار لفرض وقائع جديدة على الارض لم يتمكن من فرضها خلال المواجهات».
ورداً على سؤال قال المرجع: «انّ الجيش اللبناني بادر منذ اللحظة الاولى لإعلان وقف اطلاق النار الى تعزيز انتشار وحداته في المناطق الجنوبية، وبلغ في هذا الانتشار الحدّ الذي استطاع الوصول اليه، في انتظار انسحاب جيش العدو من المناطق المتواجد فيها، حيث يفترض ان تُنجز في القريب العاجل خطة الجيش عدة وعدداً لإكمال انتشاره في منطقة عمل القرار 1701».
وفي هذا السياق، اكّدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّه «بناءً على العرض الذي قدّمه قائد الجيش العماد جوزف عون حول عناوين هذه الخطة، فإنّها ستكون منجزة في غضون ايام، وتُرفع فوراً لاقرارها في مجلس الوزراء».
في سياق متصل، أحال وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مشروع المرسوم القاضي بإعطاء وزارة الدفاع – قيادة الجيش، سلفة خزينة بقيمة 113 ملياراً و250 مليون ليرة لتغطية الكلفة الشهرية لتطويع 1500 جندي لصالح الجيش لمدة ثلاثة أشهر، وذلك بعدما وقّعه يوم الأربعاء الماضي.
تحذير أممي
إلى ذلك، قالت مصادر أممية لـ«الجمهورية» إنّ «رسائل مباشرة وجّهها مسؤولون في الامم المتحدة وفي قوات «اليونيفيل»، إلى الجانبين اللبناني والإسرائيلي، تعبّر عن درجة عالية من المخاوف من الخرق العلني لاتفاق وقف العمليات القتالية». وحذّرت من انّ «استمرار الخروقات من أي جانب كان، من شأنه أن يرخي بمؤثرات معاكسة لما تتطلبه المنطقة وسكانها على الجانبين اللبناني والاسرائيلي من هدوء وأمان، وتنذر بعواقب وخيمة».
وإذ لفتت المصادر إلى انّ «اليونيفيل» «تراقب الامور من كثب، اعادت التأكيد على كل الاطراف احترام مندرجات القرار 1701، والإيفاء بتعهداتهم المنصوص عليها في الاتفاق المعلن في ما بينهم». مشدّدة في الوقت نفسه على مخاطر استهداف الجيش اللبناني، وعلى استعداد «اليونيفيل» للتعاون الكامل مع الجيش لتوفير الامن والاستقرار في تلك المنطقة، وفق محددات القرار الاممي الرقم 1701».
«حزب الله»: نصر كبير
إلى ذلك، وفي إطلالة له امس، أعلن الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم عن انتصار كبير على العدوان الاسرائيلي يفوق النصر الذي تحقق في العام 2006، وقال: «انتصرنا لأننا منعنا الكيان الصهيوني من إنهاء وإضعاف المقاومة وتدمير «حزب الله»، والهزيمة تحيط بالعدو الإسرائيلي من كلّ جانب».
وقال قاسم: «اتفاق وقف إطلاق النار ليس معاهدة. وهو يؤكّد على خروج الجيش الاسرائيلي من كل الأماكن التي احتلّها، وينتشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني. وقد تمّ هذا الاتفاق تحت سقف السيادة اللبنانية ووافقنا عليه ورؤوسنا مرفوعة بحقّنا في الدفاع». واكّد انّ «دعمنا لفلسطين لن يتوقف، وسيكون بأشكال مختلفة»، ولفت الى «انّ نظرتنا للجيش اللبناني أنّه جيش وطني قيادةً وأفرادًا، وسينتشر في وطنه ووطننا، والتنسيق بين المقاومة والجيش سيكون عالي المستوى لتنفيذ التزامات الاتفاق».
كما اكّد «أننا سنتابع مع أهلنا عملية الإعمار، ولدينا الآليات المناسبة وسنتعاون مع الدولة، وسنهتم باكتمال عقد المؤسسات الدستورية وعلى رأسها انتخاب الرئيس، وسيكون بالموعد المحدّد، وسيكون عملنا الوطني بالتعاون مع كل القوى التي تؤمن أنّ الوطن لجميع أبنائه، وسنتعاون ونتحاور مع كل القوى التي تريد بناء لبنان الواحد المستقل في إطار اتفاق الطائف. وسنعمل على صون الوحدة الوطنية والسيادة والحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز قدرة لبنان الدفاعية. وجاهزون لمنع العدو من استضعافنا».