الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 ﻫ - 3 ديسمبر 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الطريق الجديدة مع النازحين.. لا مع "حزب الله"

نداء الوطن
A A A
طباعة المقال

يمكن لكلّ صاحب وجهة نظر مسبقة، أو لكل من لديه أجندة “صبر استراتيجي” في تناول أزمة النازحين، أن يُهوّن من المأساة كما يشاء، بل أن يجزم أنّ بيروت “انتعشت” من جرّاء لجوء نحو 16 ألف مكلوم إليها. إلّا أنّ أحداً من ذوي الرؤية الثاقبة، ممّن يرون أبعد من أنوفهم، ولا تنطوي عليهم أُزعومة توأمة مجتمعين فصلهما “حزب الله” عن بعضهما بقوة السلاح والإيديولوجيا، ليس في وسعه أن يُنكر أن احتضان النازحين في بيروت ليس سوى التحام إنسانيّ الطابع.

التحكّم بالسّردية

بعد نزوح الأهالي، وخروج الضاحية الجنوبية من عُزلتها خلف سياج “الأمن والأمان”، تحاول منصات “حزب الله” الإعلامية تحديد بيروت مجالاً لمصالحه الحيوية، والتحكّم بالسردية العامة، واستثمار الحرب فُرصةً للتفلّت من العقاب ورفع المسؤولية عن تفرّده بقرار الحرب والتهوّر على حساب مواطني لبنان ومصالحهم. تحكّم فظّ بالسرّ والعلن، بما يمكن وما لا يمكن أن يخرج إلى الإعلام من وقائع.

صحيح هو إعلاء البيارتة أخلاقياتهم على الجِراح. لكن تصوير الاستقبال “الطارئ” للنازحين على أنه انصهار وطنيّ، ليس دقيقاً. فمقارّ المقاصد الخيرية الإسلامية لم تفتح أبوابها “طواعيّة” كما تمّ تصوير الأمر في جريدة “حزب الله”، بل اقتُحِمَت عنوةً كمدرسة علي بن أبي طالب وجامعة المقاصد. وكذلك فُتحت مدارس أخرى تابعة للحريري بالقوّة، وتمّ العبث بها، حتى باتت حالياً بحاجة لإعادة تأهيل. وهي مدارس خاصة، حُرِم تلامذتها منها كمدرسة رفيق الحريري الثانية، فلجأوا للدراسة عن بُعد “أونلاين”، وهم اليوم غير قادرين على تطبيق قرار وزير التربية بعد رفض النازحين ترك العقار. أما تلامذة الليسيه عبد القادر فتوزعوا على ثلاث مدارس قريبة. ناهيك عن أن مسألة تقسيم المدارس بين النازحين والتلامذة في جميع تلك العقارات، التي لم تكن من ضمن “خطة الإيواء” الحكومية، غير قابل للتطبيق.

مبادرات الخير “فرصة”

في طيف خسائر “حزب الله” غير المنظورة، نجدُ أنَّ الضربات الإسرائيلية على المربعات الأمنية، كسرت حصاره الاجتماعي الذي فرضه لسنوات على شيعة لبنان وأيقظت كثيرين من نشوة الانجازات والانتصارات المُطلقة رغم استمرار حالة الإنكار والمكابرة. ولربما، كسرت حواجز “النقاش الممنوع”، علّها تتكوّن مواطنيّة حقيقية مرجوّة، انتظرها اللبنانيون منذ عام 2005، وما قبل ذلك بسنوات.

أما لهفة الأهالي وتضافر جهود جمعيّات التنمية والمبادرين إلى فعل الخير، وانخراط معظم روابط المنطقة في عمليات الإغاثة والنشاطات الترفيهية، دون التنازل عن شعار “لبنان لا يريد الحرب”، فليس إلا ترجمة واقعيّة لطبيعة أهل بيروت الطيّبة “العِشَريَّة” التي ترفض مبدأ العقاب الجماعي والنظرة الشمولية التي تفترض محاسبة الشيعة، كل الشيعة، على ممارسات الثنائي اللذين لم يعتذر ممثلَيهما حتى الساعة عن أحداث السابع من أيّار بحقهم. كما هي “فــرصــة” تجسِّد المواطنية الحقيقية غير الشاعريّة، علّ الآخر يقوم بمراجعة وتبييض لقمصانه السود.

نقاط ثلاث…

ما لا تغفله عين مراقب موضوعي، ولا يفوّته بصر التخوّف من لجوء أي قادة إلى الأحياء المكتظّة ومراكز الإيواء الـ 21، أن يُسجّل في هذا الصدد ثلاث نقاط مهمّة، لا تُهمّش ذاكرة جمهور الشهيد رفيق الحريري الشعبية ولا تتجاوز التاريخ:

النقطة الأولى، تتلخّص بأنه من المعيب الحديث عن “إنعاش النازحين لطريق الجديدة” على فرض أن بيروت استعادت الحياة باستقبالها للنازحين و”أموالهم”، خصوصاً في زمن الحرب المصيرية، والسؤال الأهم.. لماذا لا تُشكر بيروت إلا بعد “تربيح جميلة”؟

والنقطة الثانية، فهي أن فكرة اختصار بيروت بطريق الجديدة غير مقبولة في مقابل السيطرة على كامل أحياء بيروت عبر بروباغندا الصورة والرايات الصفراء-الخضراء-السوداء. فإن كان هناك فعلاً نيّة للتقارب، فلم تكن هناك حاجة لاجتماعات أهلية طارئة مع مسؤولي “الحزب” وحركة “أمل” لوقف إلصاق صور القادة على أبواب المدارس، ولفرض سيطرة على الدراجات النارية للحؤول دون الاستفزازات وتدارك الأمر بعيداً من الإعلام.

والنقطة الثالثة والأخيرة، إن التوأمة لا تكون بالدم في البسطة والنويري وراس النبع. والأخوة تقتضي ابتعاد المستهدفين عن الناس، مدنيين إعلاميين كانوا أم مقاتلين وقادة. وبالفعل، علا صوت البيارتة مؤخراً، من باب العتب والامتعاض وتوقّع الأسوأ ضدّ ما لا يُمكن أن يوصف إلا استخداماً لهم كدروعٍ بشرية، خصوصاً بعد نجاح أفراد “حزب الله” في جرّ اسرائيل إلى العاصمة، باختباء “من هم على لائحة بنك أهداف العدو” بين البيارتة، في أبنيتهم وأحيائهم وأزقّتهم.

لعلّ أكثر التعبيرات المجازية بلاغة، في تشخيص المعضلة الهُويَّاتية التي يعانيها اللبنانيون مع التنظيم المسلّح، ذاك التشخيص الرائج منذ سنوات؛ “حزب الله دويلة تبتلع الدولة”، في إشارةٍ دالّة على صعوبة اندماج محازبيه ومناصريه في أي حاضنة غريبة عمّا عهدوه… فهل تعالجُ بيروت شظايا الذاكرة وتغسل عن ثوبها الدماء التي سقطت ولا تزال تسقط فتُطبّق التوأمة حقاً؟!