الأربعاء 16 ذو القعدة 1446 ﻫ - 14 مايو 2025 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"صحوة" عون تجاه باسيل هل انتهت؟

بقلم "سركيس نعوم" في "النهار"
A A A
طباعة المقال

قبل مجزرة بيروت ومرفأها بأسابيع أو بأشهر قليلة وفي جلسة مصارحة مع شخصيّة قريبة منه تطرَّق رئيس الجمهوريّة ميشال عون إلى استحقاق انتخابات الرئاسة رغم أنّه ليس داهماً ولا قريباً.

فقال وبنوعٍ من الأسى وربّما “النرفزة” أنّه اعتبر منذ وصوله إلى قصر بعبدا جبران باسيل “المُناضل” في “التيّار الوطني الحر” الذي أسَّسه من منفاه الباريسي شخصاً جديراً بالثقة يمتلك كفاءات عدّة يحتاج إليها هو في موقعه الرئاسي.

لهذا السبب تخلّى له عن رئاسة “التيّار”، وفعل المستحيل لتعيينه وزيراً بعد فشله في أوّل انتخابات نيابيّة خاضها في الدائرة التي شملت مسقط رأسه البترون، ثمّ جعل مقعده الوزاري دائماً، فصار (أي باسيل) أقرب إليه من مؤسِّسي “التيّار” معه ومنهم أنسباء و”مناضلون” كما من بناته الثلاث. وهو استحقّ هذا القرب بسبب العمل غير المرئي الذي قام به مع آخرين من فريق عون هو المفاوضات مع “حزب الله” التي أثمرت “تفاهم مار مخايل” في شباط 2006، الذي يفتح باب رئاسة الدولة له كما فتح له أيضاً طريق العمل السياسي الاحترافي والتقدُّم فيه، بحيث صار المُرشَّح الدائم بل الوحيد لخلافة عون بعد انتهاء ولايته.

ولم يكن الشريك أو الحليف الجديد لـ”التيّار” ومؤسِّسه أي “الحزب” منزعجاً من ذلك، إذ حصل في المقابل على تخلّي المؤسِّس والعاملين معه عن “المواقف السياسيّة والوطنيّة” التي مكَّنته من استقطاب جمهور مسيحي كبير بين 1988 وحتّى عودته إلى لبنان عام 2005 بخطاب “مسيحي ووطني”، استعمله أخصامه وأعداؤه ومُنافسوه على الساحة المسيحيّة طوال حرب الـ 15 سنة. فضلاً عن أنّه ضَمِنَ لنفسه حليفاً مسيحيّاً قويّاً يُنهي عزلته وشعبه جرّاء رفض الشعوب الثلاثة الأخرى في البلاد تحالفاته وارتباطاته الإقليميّة وإيديولوجيّته الإسلاميّة الإيرانيّة. اعتبر عون أنّ دروب قصر بعبدا قد فتحت أمام باسيل.

ما الداعي إلى الأسى و”النرفزة”؟ سألت الشخصيّة القريبة نفسها.

فكان جواب عون أنّه فعل كل شيء من أجل باسيل لكنّه لم يُحسن استخدام الأوراق الكثيرة التي وضعها في يديه.

إذ ارتكب “صولات” عدّة مكّنت أخصامه بل أعداءه على الساحة المسيحيّة من استعادة قوّتهم ومواقعهم الشعبيّة، وأغضبت حليفه الوحيد “حزب الله”، وهو وليُّه نعمته في السياسة وغيرها، عندما مارس سياسات انتخابيّة وغير انتخابيّة مُعادية له في عدد من “الدوائر” في آخر انتخابات نيابيّة، فأثار غضبه ونقمة قادته وكوادره وأنصاره، عندما أظهر جرّاء عجزه عن “ضبط لسانه” عداء أو خصومة للركن الثاني في “الثنائيّة الشيعيّة” أي الرئيس نبيه برّي و”حركة أمل”. كما عندما بدأ يسعى إلى الانفتاح على أعداء “الحزب” وراعيته إيران الإسلاميّة وفي مقدّمهم الولايات المتّحدة بعد تصعيدهم ضدّ الإثنين بهدف إقناعهم بتأييده للرئاسة. ويبدو أنّه فشل في ذلك، إذ يكاد أن يخسر “الحليفين” من دون أن يربح الأعداء.

ماذا كانت نتيجة هذه المُصارحة؟
كانت إظهار الرئيس عون استعداداً مبدئيّاً للبحث عن مُرشّح جدّي آخر للرئاسة له صفات جيّدة ولا يطعن في الظهر ويستطيع بفهمه لبنان وشعوبه ومحيطه بتجربته السياسيّة الغنيّة أن يُساهم في إنقاذ لبنان الذاهب سريعاً إلى الانهيار.

في هذا المجال تُشير معلومات مصدر سياسي جدّي أن الشخصيّة القريبة من عون التي سمعت منه هذا الكلام استمزجته في محاولة سبر أغوار عواصم كبرى في العالم بعضها أقرب إليه من الولايات المتّحدة مثلاً، ففعل وعاد بموقف مُرحّب بالتطوّر في موقف الرئيس من الاستحقاق الرئاسي المقبل وإيجابي تجاه أحد الأسماء التي طُرحت لخلافته بعد انتهاء ولايته.

هل استمرّ مؤسِّس “التيّار الوطني الحر” والرئيس الحالي للجمهوريّة على “الصحوة” التي أظهرها قبل أسابيع أو أشهر قليلة؟

قبل الجواب عن هذا السؤال يُشير المصدر الجدّي نفسه إلى أنّ “تبدُّل” الموقف من باسيل لا يعني تنكُّراً له أو تغييراً جديّاً في عواطف سيّد قصر بعبدا حياله، أو تخلّياً عن الشعور بالحاجة الماسّة إليه في كل المجالات وعلى كل الصُعُد. فهو لا يزال دائماً “بين يديه” عندما يحتاج إليه. وهذا أمرٌ أخبره عون إلى وفد من “حزب الله” الحليف له كان يسأله في معمعة الانتخابات النيابيّة عن سبب تعلُّقه به. لكن “التبدُّل” في موقفه غير الإيجابي من تأمين وصول باسيل إلى الرئاسة هو الذي تغيَّر.

إذ عاد عطفُ سيّد بعبدا على باسيل ومحبّته له وتقديره لـ”مواهبه” إلى المستوى السابق لـ”الصحوة” وربّما إلى مستوى أعلى منه. وقد أظهر ذلك في “حواراته” البعيدة من الأضواء مع الحزب الاشتراكي ورئيسه الزعيم الأبرز وليد جنبلاط التي سادها “الود والاحترام المتبادل والصراحة”. إذ تمنّى انفتاح هذا الفريق أكثر على باسيل. كما أظهره بحضِّه باسيل على التقرُّب من الرئيس نبيه برّي في أكثر من مناسبة أخيرة. كما ظهر ذلك أيضاً في اجتماعات له مع قيادات لبنانيّة أخرى وربّما غير لبنانيّة.

لكنّ مُتابعة الوضع السياسي اللبناني اليوم تُشير إلى عدم تبدُّل الموقف السلبي من ترئيس باسيل من القريبين والمستشارين الأقرب لعون عند قيادات أساسيّة في البلاد. إلّا أنّ التطوّرات المُتسارعة فيها أخيراً، وبعد توسيع الولايات المتحدة إطار العقوبات على “حزب الله” بحيث شملت حليفين له شيعي وماروني، تُشير إلى احتمال استهداف شخصيّات أخرى مسيحيّة وسُنيّة. فهل يعود باسيل إلى “قواعده في حزب الله”، من أجل ضمان فوزه برئاسة الجمهوريّة بعد رفض أميركا فتح أبوابها له؟ وهل يستطيع “الحزب” أن يأمن له؟ وهل التطوّرات المقبلة سريعاً ستُبقي دولة ونظاماً ورئاسة وتداول سلطة في لبنان أم ستُطيح كل شيء بما في ذلك السياسة والبشر والحجر؟