الأحد 29 جمادى الأولى 1446 ﻫ - 1 ديسمبر 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

صراع الإرادات.. لبنان يخشى نموذج سوريا

يمكن اختصار الحرب الإسرائيلية القائمة على المنطقة، ولا سيما على لبنان وفلسطين، بأنها “حرب إرادات”. تريد إسرائيل فيها تغيير كل وقائع المنطقة ومنع بقاء أي جهة مقاومة لها ولمشروعها. تستند إسرائيل في ذلك إلى دعم أميركي، وما تريده واشنطن وتل أبيب في لبنان على الأقل، هو إنهاء الواقع اللبناني كساحة للنزاع مع إسرائيل، أي أن تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، بخلاف ما يريده حزب الله ومن خلفه إيران أن تكون جولة في حروب مفتوحة، خصوصاً بالعودة إلى وجهة نظر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بأن الحرب تراكمية وأن الحرب الكبرى لم يحن وقتها بعد. ما بين هذين الهدفين المتناقضين تدور المفاوضات في سبيل وقف إطلاق النار، وسط خلافات على المصطلحات والعبارات، كاستخدام مصطلح “وقف العمليات العدائية” بدلاً من “وقف إطلاق النار” لأنه سيعني انتهاء الحرب. من هنا تبرز معادلة تمسك لبنان بالعودة إلى اتفاق الهدنة، ومن خلالها يتم تجاوز الكثير من العقبات، العسكرية، وما يتعلق بتثبيت أو ترسيم الحدود.

النقاط العالقة

دخلت المفاوضات في تفاصيل التفاصيل، خصوصاً لجهة رفض لبنان لأي محاولة إسرائيلية في فرض حرية حركتها العسكرية في لبنان. بينما الإسرائيليون يصرون على تحصيل ضمانة أميركية بتوجيه ضربات للحزب بعد وقف النار، كذلك فإن وجهة النظر حول المقاربة الإسرائيلية، هي أنه ليس بالضرورة إعلان الإسرائيليين الرفض المطلق للاتفاق أو للتفاوض، بل يتم استكمال التفاوض والعمل على إدخال تعديلات على المقترحات والنصوص، في محاولة لكسب المزيد من الوقت وإطالة أمد العمليات. وقد أصبحت النقاط العالقة في التفاوض معروفة إلى جانب إصرار إسرائيل على مواصلة عملياتها. ومن هذه النقاط العالقة ما يتعلق بضرورة تثبيت الحدود الدولية وعدم العودة إلى نقطة الصفر وعدم الرضوخ لأي محاولة إسرائيلية في فرض أمر واقع حدودي جديد. فيما النقطة الأكثر تعقيداً هي المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة ودور الجيش اللبناني.

ولكن على هوامش النقاش التفصيلي في النص، هناك نقاش آخر دائر على مستوى القوى الدولية ولا سيما الأميركيين وجهات غربية وعربية أخرى، بالإضافة إلى جهات لبنانية داخلية. جزء من هذا النقاش يدور في محيط مندرجات القرار 1559، لا سيما في النقطة المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة، وأن لا يستمر حزب الله في امتلاك قدرات عسكرية كبيرة. ذلك أيضاً لا ينفصل عن مباحثات أخرى غير علنية تتصل بآليات فرض الرقابة على المعابر والمرافئ والمطار، لمنع إدخال الأسلحة، ومثل هذه الشروط طُرحت سابقاً على لبنان ولا سيما إثر تفجير مرفأ بيروت.

قطع الأوكسيجين

بالنسبة إلى الجهات الدولية أيضاً، هناك نقاش في النوايا. إذ أنه لا أحد يمتلك أي معطى حقيقي، دقيق، وجدّي حول نية إسرائيل في وقف الحرب حالياً طالما أنها لم تحقق أهدافها، كما أنها ستواصل تنفيذ عملياتها في سياق ما أعلنه نتنياهو سابقاً عن قطع الأوكسيجين عن حزب الله في سوريا، كما أن الإسرائيليين بدأوا بالتلويح في تنفيذ عمليات داخل الأراضي العراقية، إما ضد فصائل عراقية تنفذ هجمات ضد إسرائيل، وإما لمنع إيصال السلاح إلى حزب الله من إيران مروراً بالأراضي العراقية والسورية. أما حول نية حزب الله، فهناك تقديرات لبنانية وخارجية تستند إلى تصريحات مسؤولي الحزب حول العودة إلى ما جرى في العام 2006، وما يحاول أن تضغط فيه بعض الدول وخصوصاً الأميركيين هو استخدام منطق: “أنه لو كان حزب الله جاداً في المعالجة فلا يجب أن يكون لديه أي تحفظ على بنود الاتفاق وعلى آلية تحرك الجيش اللبناني وعلى نزع السلاح”. وهذا أمر لا يمكن للحزب أن يوافق عليه.

تختلف هذه الحرب بشكل كبير عن حرب العام 2006، من ناحية حجم الدمار في مختلف المناطق اللبنانية ولناحية حجم عمليات الاغتيال. وقد أثبتت هذه الحرب أن المعركة الجدية التي يواجهها الإسرائيليون هي في الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى التي يمتلكها حزب الله ويتصدى بها لعمليات التوغل البري، ويستهدف ويصيب بها المستوطنات الشمالية وبها تمكن من تهجير سكانها، ولذلك كان الإسرائيليون يصرّون ويركزون على ضرورة ضرب مخازن هذه الصواريخ وقطع طرق إمدادها.

أهداف إسرائيل

بالنسبة إلى الإسرائيليين فهم يريدون تحقيق 3 أهداف، وهي تدمير البنية التحتية بشكل كامل للحزب في الجنوب، ومنعه من إعادة بناء البنى التحتية، ومنع إيران من إعادة تسليح حزب الله وتعزيز بناه العسكرية. هذه النقاط مبنية على كل تجربة ما بعد العام 2006، والذي لم يلتزم به الإسرائيلييون ويعتبرون أن الحزب لم يلتزم به أيضاً. لذلك يسعى الإسرائيليون إلى توفير ضمانات في أي اتفاق لتحقيق ما لم يتحقق سابقاً. تريد تل أبيب من أي اتفاق ضمان تحقيق هذه الأهداف.

ومما لا شك فيه أن هناك مخاوف لبنانية، أولاً، من تكرار النموذج السوري في القنيطرة بعد حرب العام 1973 أي أن تبقى القرى الأمامية مهدمة ولا تتم إعادة إعمارها كي لا يعود حزب الله وبيئته الحاضنة إلى هناك وهذا ما يرفضه لبنان بالمطلق ولذلك يشدد على ضرورة العودة السريعة للسكان. وثانياً، من إمكانية إقدام الإسرائيليين على الاستمرار في تنفيذ عمليات داخل لبنان بعد وقف إطلاق النار، لتكون العمليات موضعية ومشابهة للعمليات التي يتم تنفيذها في سوريا بين مرحلة وأخرى.