في 21 تشرين الثاني الجاري، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي اعتقال دوليتين بحق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي المُقال يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة.
وفي حين يواجه نتنياهو ضغوطًا مزدوجة على الصعيدين الداخلي والدولي، حيث ان، إلى جانب مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، ينتظره موعد قضائي داخلي في 2 كانون الأول المقبل بشأن قضايا فساد متراكمة، يعتزم غالانت السفر إلى العاصمة الأميركية واشنطن، لعقد اجتماعات مع مسؤولين أمنيين، بعد أيام من صدور مذكرة الاعتقال بحقه.
صحيح ان المحكمة لا تملك شرطة لتنفيذ قرار الاعتقال ، إلا أن الدول الأعضاء فيها أصبحت ملزمة قانونًا باعتقال نتنياهو وغالانت إذا دخلا أراضيها، وتسليمهما إلى المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما.
124 هو عدد الدول المنضوية إلى ميثاق روما، الذي بموجبه تأسست المحكمة عام 2002 بهدف وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب، وسيرتفع العدد إلى 125 بعد انضمام أرمينيا، التي سيسري النظام بالنسبة إليها بداية السنة المقبلة. إلا أن دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا ليست عضواً فيها.
البيت الأبيض أعرب عن رفضه لمذكرتَي الاعتقال، معتبرًا أن المحكمة “ليست لديها صلاحية مقاضاة إسرائيل”، وفق بيان أصدره أحد متحدثي مجلس الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض.
فما هي تداعيات القرار على نتنياهو وهل الاتفاق مع لبنان لوقف إطلاق النار جاء نتيجة هذا القرار أم أنه بالعكس قد يعرقل مسار الاتفاق بين اسرائيل ولبنان؟
مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية الدكتور سامي نادر يؤكد لـ”المركزية” ان “هذا القرار لن يكون عاملاً ضاغطاً لوقف إطلاق النار، لأنه معني بتصرفات نتنياهو وغالانت المحاكمين في غزة وليس في موضوع لبنان. كما أن ليس من دعوى مقدّمة من قبل لبنان بهذا الخصوص، واسرائيل ليست طرفاً موقعاً على “ميثاق روما” عام 2002، ولذلك فهي غير معنية بالقرار.
ويشير نادر الى ان “المحكمة استندت الى ان السلطة الفلسطينية جزء من هذا الاتفاق الذي تعترف به الأمم المتحدة، وبالتالي هناك دستورية وقانونية للقرار، لكن من الواضح ان اسرائيل ترفضه وتعتبره مُسيّساً. إلا ان الأهم ان الاميركيين يرفضون القرار، اي إن الطرف الذي كان من الممكن ان يضغط على نتنياهو ويستعمله وسيلة، أصبح اليوم يحارب القرار. وقد سبق للكونغرس أن صوّت على ملاحقة واستدعاء وفرض عقوبات على القضاة أعضاء المحكمة الجنائية الذين يقاضون اسرائيل، واليوم من الممكن ان يتخذ مجلس الشيوخ قرارا مماثلاً. وفي حال صوّت الكونغرس بغرفتيه أي مجلسي الشيوخ والنواب على القرار، يصبح عندها قانوناً وملزِماً، ويخلِف انقساما في المجتمع الدولي حول هذه المسألة لما للولايات المتحدة من ثقل على الساحة الدولية”.
ويتابع: “لكن لقرار المحكمة الجنائية أهمية، لأن هناك دولة متجاوبة معه، ودول كانت صديقة لاسرائيل وأعلنت عن استعدادها لتطبيقه وليس أقله فرنسا، وحتى بريطانيا تقول بأنها من الممكن ان تستجيب لهذا القرار، وقد تقوم بخطوات في الداخل للتصديق عليه. كما ان بعض الدول يطبقه بحرفيته لأنه موقع على “ميثاق روما” في حين تحتاج دول اخرى لإصدار نوع من القانون او القرار الداخلي كي تثبته وتكرسه”.
ويختم نادر: “الأهم ان دولاً كانت تقليدياً حليفة كبريطانيا وفرنسا، خاضتا مع اسرائيل الحرب عام 1956، وافقت على القرار، ما من شأنه ان يزيد من عُزلة اسرائيل، وبالتالي يجب أخذ هذا الامر بعين الاعتبار. كما يجب ان نأخذ أيضاً بعين الاعتبار القلق الداخلي في اسرائيل من ان يكون هذا القرار مقدمة لمحاكمة أشخاص تابعين للجيش وللمنظومة الأمنية العسكرية. عندها قد يحدّ من قدرات اسرائيل. لكن من المتوقع اننا سنشهد في الأيام المقبلة على نشاط دبلوماسي سياسي لمحاولة إبطاله او إبطال مفاعيل هذا القرار”.