الأزمة الاقتصادية اللبنانية تتفاقم
“لبنان يزْحل إلى قلْب الانهيار الكبير، والمسؤولون فيه كأنهم على كوكب زُحَل”. خلاصةٌ قدّمتْها أوساطٌ عليمة لواقع الحال في “بلاد الأرز”، بعدما بدا أن كل “العصف الديبلوماسي”، بالحِراك تجاه بيروت كما بتحريك “عصا” العقوبات الأوروبية، لم يبدّل ولو حجراً في “الجدار المصفّح” الذي يقبع ملف تأليف الحكومة خلف قضبانه فيما الوطن الصغير يقيم فوق صفائح ساخنة و”زلازل نائمة”، الخوفُ الأكبر أن كثيرين لم يعودوا يخشون “استيقاظها”.
ولن يكون شهر رمضان المبارك وحده كفيلاً بإبطاء مسار تشكيل الحكوموة الذي لم يَعُد المعنيون به يُخْفون أنه صار “من سابع المستحيلات” (وفق النائب ماريو عون من التكتل المحسوب على الرئيس ميشال عون). فـ”إطفاءُ المحرّكات” داخلياً سَبَقَ حلول الشهر الفضيل وبدا في جزء منه انتظارياً لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 19 الجاري وإذا كان سيُفضي لإجراءات زاجرة بحق معرقلي عملية التأليف.
وإذ استوقف دوائر سياسية أن ما بعد الاندفاعة الديبلوماسية المصرية ومن جامعة الدول العربية باتجاه لبنان – معطوفةً على وضع باريس “الاصبع على زناد” إجراءاتٍ عقابية لا يُعرف حجمها ولا طبيعتها – لم يَحمل إلا مزيداً من “صب الزيت على النار” لبنانياً، فإن الأوساطَ العليمةَ لم تَبْدُ متفائلةً بإمكان أن تنجح “سياسة السوط” حيث فشلتْ كل “التجارب” سابقاً وليس أقلها العقوبات الأميركية.
وفي هذا السياق، تعرب الدوائر عن مخاوف من أن يكون عنوان “أنا الغريق وما خوفي من البلل”، هو الذي أصبح يطبع التعاطي مع ملف الحكومة من أطراف لبنانيين يقاربونه من زاويةٍ إما “وجودية” لمستقبلهم السياسي و”الرئاسي” كما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، صهر الرئيس عون، وإما “وجوبية” في إطار رفْد المحور الإقليمي الذي ينضوون فيه بـ”جرعات تَشَدُّد” ملائمة لمقتضيات مرحلة النووي الإيراني، كما هي حال “حزب الله”.
وإذ تشير هذه الدوائر إلى أن باسيل، الخاضع منذ تشرين الثاني الماضي لعقوبات أميركية، يمكن أن يتعاطى مع أي عقوبات أوروبية على أنها «تعمّق متاعبه» هو الذي يسعى لـ «تنظيف صفحته» في واشنطن كمعبر ضروري ليكون مرشحاً رئاسياً «مطابقاً للمواصفات الدولية»، فإنها تشكّك بأن يساهم ذلك في تخلّي فريق عون عن خوض «حرب التأليف» بوجه الرئيس المكلف سعد الحريري على أنها من ضروراتِ الانطلاق في السباق إلى قصر بعبدا من مراكز قوةٍ تطلّ أيضاً على استحقاقاتٍ موصولة بالانتخابات الرئاسية (في 2022) وأبرزها الانتخابات النيابية (بعد عام).
وترى الدوائر نفسها أن «حزب الله»، الحريص من جهة على عدم كسْر عون ومن جهة أخرى على مراعاة بُعده الإقليمي، توقيتاً وتوازنات، في أي حلّ للأزمة اللبنانية، لا ينفكّ يشهر «مناعته العالية» تجاه عقوباتٍ تآلف معها في الأساس وأطلق بإزائها أخيراً ما يسميه «مقاومة اقتصادية» تجلّت آخر مَظاهرها في تحصين بيئته (عشرات آلاف العائلات) عبر «بطاقات السجّاد وتعاونيات النور» بإزاء ما يعتبره «حرب تجويع» على لبنان وشعبه لا يتوانى خصومه عن وصْفها بأنها من عُدّة عمل الحزب والمحور الإقليمي الذي ينخرط فيه لإرساء «اقتصاد المقاومة» في «بلاد الأرز».
وفي موازاة هذه السودوية في استشراف أفق المأزق اللبناني، تبرز محاولةٌ روسيةٌ للدفع نحو خرْقٍ في الملف الحكومي ستدشّنها زيارة يقوم بها الحريري في الأيام القليلة المقبلة لموسكو، وسط معلومات عن أن الرئيس المكلف (يزور الفاتيكان في 22 الجاري) سيلتقي الرئيس فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين، ما سيكرّس الغطاء العربي – الدولي لترؤسه الحكومة الجديدة.