السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

التحقيق الذي لم يكُن

بينما تستعد المحكمة لإعلان الحكم في اغتيال رفيق الحريري، يبدو وكأنّ الأمم المتحدة لديها الكثير لتردّ عليه، بحسب ما ذكره تقرير لـ مايكل يونغ نشره “مركز كارنيغي للشرق الأوسط”، وأضاف:

تخطّط المحكمة الخاصة بلبنان لإعلان حكمها في 7 آب، والذي ينبغي أن يمثل لحظة درامية مهمة. ومع ذلك، وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على تاريخ 14 شباط 2005، الذي تمّ فيه اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، تلك الجريمة التي كان من المفترض أن يصدر الحكم عليها، نرى الآن أنّ القرار بالحكم سيبدو وكأنه مجرد وصف لكتاب غير مطبوع.

لقد كتبت على مرّ السنين عن فشل تحقيق الأمم المتحدة في مقتل الحريري، وخاصة منذ يناير 2006 عندما استولى عليه القاضي البلجيكي سيرج براميرتز. فخلال فترة ولاية براميرتز لم يحرز التحقيق أي تقدم. أما الأسوأ، وفي الجانب الأكثر حساسية من التحقيق، أي تحليل بيانات اتصالات القتلة، طلب براميرتز تسليمهم إلى قوات الأمن الداخلي في لبنان، بعد أن أبعد فريقه عنهم، خوفاً من أي تسريبات.

لم يكن واضحاً لماذا فعل براميرتز ذلك. أما التفسير المحتمل لذلك فهو أنه شعر بأن الأمم المتحدة لا تريد أن تصل إلى قاع الجريمة، لا سيما إذا تمّ تأكيد تورط حزب الله فيها. وقد أدّى تعيينه لاحقاً مدعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة إلى تكهنات بأنّ الأمم المتحدة قد كافأته على خموله في بيروت. وقد لمس براميرتز أنّ المنظمة الدولية كانت قلقة من أن يؤدي تسمية قتلة الحريري إلى صراع طائفي، ذلك أنّ حزب الله، وهو حزب شيعي، قد قتل سنياً بارزاً بحسب ما يتمّ تداوله.

وإن كانت هناك أية شكوك بشأن هذه المخاطر، فقد سعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى تبديدها في نيسان 2007، عندما اجتمع في دمشق مع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي-مون. إنّ ملاحظات الأسد، التي تسربت إلى صحيفة لوموند الفرنسية اليومية، لم تظهر أنّ الرئيس السوري كان يعرف من وراء الجريمة فقط،

بل تضمنت أيضا تهديداً، في وقت كان يتمّ الحديث عن إنشاء محكمة لمحاكمة المشتبه فيهم بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

“في لبنان، كانت الانقسامات والطائفية راسخة بعمق لأكثر من 300 سنة، قال الأسد لبان. “المجتمع اللبناني هشّ جداً. إنّ أكثر السنوات أماناً كانت تلك التي كانت القوات السورية متواجدة على الأراضي اللبنانية. ومن عام 1976 إلى عام 2005 ، كان لبنان مستقراً ، بينما يوجد الآن قدر كبير من عدم الاستقرار.وأضاف الأسد، قبل أن يأخذ منعطفاً مذهلاً في المحادثة، قائلاً إنّ المحكمة ” قد تتسبب بسهولة في صراع يتحول إلى حرب أهلية، مما يثير الانقسامات بين السنة والشيعة من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر قزوين.”

ومنح الأسد اعترافاً ضمنياً بأنّ حزب الله كان مسؤولاً عن اغتيال الحريري، وأنّ الآثار الخطيرة المحتملة لذلك يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من لبنان.

ويبدو أنّ كلمات الأسد تسربت من قبل مسؤول من الأمم المتحدة موجود مع بان كي مون أو ربما من قبل بان نفسه. ومن الممكن أن نفترض أنّ الرئيس السوري كان يثير قضية كان يعلم أنها سوف تقلق الولايات المتحدة.

بحلول ذلك الوقت كان هناك اشتباه في أن منظمة الأمم المتحدة – بعكس الأعضاء الرئيسيين في مجلس الأمن مثل فرنسا والولايات المتحدة-لم تكن متحمسة لإجراء تحقيق شامل في مقتل الحريري.

وفي مقابلة أجريتها في عام 2008 مع القاضي الألماني ديتليف ميليس ، سألت عما إذا كان كوفي عنان ، الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة وقت التحقيق الذي أجراه ميليس خلال النصف الثاني من عام 2005 ، قد تدخل في التحقيق .وقد أنكر ميليس ذلك ،

ولكنه ذكر التالي: ” أوضح لي أنان أنه لا يريد أي مشاكل أخرى. احترمت رأيه لكنه احترم وجهة نظري أيضاً. تقليدياً هناك توتر بين السياسة والعدالة، وكنت قد قبلت أن عنان لا يريد المزيد من المشاكل بسبب قضية الحريري.”

ولكن في الوقت الذي قام فيه ميليس بتسريع عمله في خريف عام 2005، بل وسعى أيضاً إلى مقابلة الأسد بنفسه، أخبرته الأمم المتحدة بأنها لم تعد قادرة على ضمان أمنه في لبنان ، وأنه سيضطر إلى متابعة تحقيقاته من خارج البلد ، بعيداً عن فريقه. ووفقاً لما ذكره ميليس، رد ممثل ألمانيا في الأمم المتحدة بأن ميليس لم يستطع قبول مثل هذا الشرط، وبحلول كانون الأول كان القاضي قد عاد إلى وطنه.

لم يربط ميليس أبداً قرار الأمم المتحدة بإبعاده من لبنان بالرغبة في تضييق الخناق على تحقيقاته. ومع ذلك ، فمن الصعب أن نتصور أنّ رجلاً بخبرته يمكن أن يفشل في رؤية مؤشّر أن الأمم المتحدة كانت غير مرتاحة مع تحقيق عدواني جداً..كما لم تتمكن الأمم المتحدة من تفسير سبب احتفاظها ببراميرتز في لبنان بعد أن أرادت نقل ميليس.

 

ما الذي كان في تحقيق براميرتز وسمح للأمم المتحدة أن تشعر بالثقة حول سلامته ، في حين قيل لـميليس أنه سيضطر للمغادرة ؟

وفي نفس المقابلة التي أجريت معي في كانون الثاني 2008، كان ميليس متشدداً بشأن جهود براميرتز. وقال بصراحة:

“لم أر كلمة واحدة في تقاريره خلال السنتين الماضيتين تؤكّد أنه تقدم إلى الأمام. عندما غادرت كنا على استعداد لتسمية المشتبه بهم، ولكن التحقيق يبدو أنه لم يتقدم من تلك المرحلة. إنّ وتيرة التحقيق البطيئة تمّ تأكيدها لي من قبل أشخاص على دراية وثيقة بما كان يجري في فريق براميرتز.

لقد جاء براميرتز في لحظة رئيسية من التحقيق في قضية الحريري، عندما تعين توسيع نطاق التحقيقات الأولية التي أجراها ميليس من خلال استجواب الشهود واعتقال المشتبه فيهم. ومع ذلك، لم يعتقل أحد خلال فترة رئاسته لفريق الأمم المتحدة، مما أعاق كثيراً التحقيق ومحاكمة المشتبه بهم في المحكمة الدولية.

والواقع أنّ البعد الأساسي للمحكمة هو لائحة المتهمّين، أي تحليل الاتصالات بين قتلة الحريري، والتي لم يطورها في البداية محققو براميرتز ، بل قام بتطويرها ضابط تابع لقوات الأمن الداخلي يدعى وسام عيد ، الذي قدمت إليه المعلومات من قبل فريق الأمم المتحدة. اغتيل عيد في يناير 2008 ، بينما نجا رئيسه ، سمير شحادة ، بأعجوبة من محاولة اغتيال في سبتمبر 2006.

لماذا قام براميرتز بتسليم شحادة وعيد أهم المعلومات في ملفاته؟ لم يتمكن أحد من شرح هذا القرار حتى من كانوا داخل فريق الأمم المتحدة. وبشكل أدقّ، لماذا قام براميرتز بذلك في وقت أغلق فيه معظم تحقيقاته على اللبنانيين؟

والتفسير الوحيد هو أن البلجيكي لم يرد الكشف عن أي شيء وتوقع من اللبنانيين أن يصطدموا بجدار من الطوب، وبالتالي دفن بيانات أجهزة الاتصالات المتفجرة. لكنه أخطأ في الحساب. فعيد الذي عمل بمفرده، اكتشف قدراً كبيراً من المعلومات التي تورط حزب الله، وأكد فريق تحليل تابع للأمم المتحدة لاحقاً دقة استنتاجاته في كانون الأول 2007 ، وفقا لفيلم وثائقي من هيئة الإذاعة الكندية.

إن التحقيق في قضية الحريري ، الذي أجري تحت رعاية الأمم المتحدة ،لا يمثل نجاح العدالة وسيكون بمثابة حكاية تحذيرية. قد تكون المحكمة قد حكمت على أعضاء من حزب الله ، لكن لا أحد منهم في الحجز ، ويعتقد أن العديد منهم قد لقوا حتفهم.

براميرتز الذي غادر بيروت دون تحقيق أي شيء، عين في محكمة الأمم المتحدة، مما يثير تساؤلات حول المعايير التي تستخدمها المنظمة للترويج لمسؤوليها. والأكثر إزعاجاً أن وسام عيد فقد حياته لأن تحقيق الأمم المتحدة وضع أكثر معلوماته إدانةً في عهدته.

وقد أشير بوضوح إلى تحقيق الأمم المتحدة باعتباره آلية لوضع حد للإفلات من العقاب. وقد أثبت العكس تماماً. فأولئك الذين يعتقد أنهم نفذوا اغتيال رفيق الحريري لا يخاطرون بأي شيء تقريباً اليوم. الأمم المتحدة ستربت على ظهرها وتقول أنّ العدالة قد تحققت ومع ذلك، فإن كل شيء يتعلق بسلوكها منذ عام 2005 يؤكد أن نواياها كانت، في الواقع، “تجنب العدالة”.