الأثنين 27 شوال 1445 ﻫ - 6 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تداعيات الانهيار النقدي تطال "الصحن" الضريبي

خالد أبو شقرا - نداء الوطن
A A A
طباعة المقال

تداعيات الانهيار النقدي غير المحدودة بالمكان أو الزمان، طالت “الصحن” الضريبي. فتحوّل في نهاية العام الثالث على الأزمة إلى ما ‏يشبه وجبة “المخلوطة”. ولا يُعرف من يضع فيه العائدات، وكيف تخرج منه النفقات. ساعدت بذلك التعقيدات الإدارية، وتفضيل ‏‏”التوظيف” على “التبسيط”. خصوصاً لناحية الضريبة على القيمة المضافة، وما ترافقها من محاولات لتعقيدها أكثر، ورفض إحلال ‏الضريبة على المبيعات الأسهل والأكثر عدالة، مكانها‎.‎

من اللافت للنظر في غالبية المؤسسات احتساب سعر صرف الدولار على 1515، على الرغم من أن التسعير يتم على سعر صرف ‏السوق الموازية أي 23300 ليرة وربما أكثر. الأمر قد يبدو طبيعياً إذا اعتبرنا أن القانون يفرض وضع السعر بالليرة اللبنانية، لكنه من ‏الجهة الأخرى يثير التساؤلات عن كيفية تطبيق القرار 893 الصادر في 31/12/2020 الذي ينص على احتساب الضريبة على ‏القيمة المضافة‎ TVA ‎على سعر السوق، وليس على سعر الصرف الرسمي‎. ‎
أكثر من ذلك فان التدقيق في عائدات‎ TVA ‎المنشورة على صفحة وزارة المالية يُظهر ارتفاع العائدات لغاية أيار العام 2021 إلى ألف ‏و482 مليار ليرة، مقارنة مع 745 مليوناً في الفترة نفسها عن العام 2020. “هذا الفرق الكبير الذي نتج بشكل أساسي من ارتفاع ‏الأسعار، تحمّله المستهلك النهائي وحيداً رغم عدم إدخال أي تعديلات على الأجور”، بحسب خبير المحاسبة المجاز والعضو في ‏‏”جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” الاستاذ جوزف متّى، “خاصة أن الإدارة الضريبية سمحت باحتساب الدولار بين التجار ‏والموردين على سعر 1515، ورفعته على سعر السوق بالنسبة للمستهلكين. ما يدل على أن زيادة حجم ما تتقاضاه الإدارة الضريبية ‏من جيوب المواطنين قد زاد عن إمكانياتهم بشكل كبير. ولا سيما في الوقت الذي انهارت فيه القيمة الشرائية بنحو 90 في المئة‎”.‎

إمكانية التلاعب واردة

تعمد المؤسسات إلى تسعير البضائع على 1515، وTVA ‎على سعر صرف السوق، من ثم تحتسب السعر النهائي بالدولار وتتقاضاه ‏في النهاية بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق، أو على أساس 25 ألف ليرة “لتبقى بالوسعة”. هذه العملية المعقدة المترافقة مع ‏ضعف في رقابة الإدارة الضريبية تتيح ربما لبعض التجار إمكانية الاحتفاظ ببعض العوائد الضريبية الناتجة عن تحصيل القيمة ‏المضافة، وعدم التصريح بها لوزارة المالية كل 3 أشهر كما ينص القانون. الأمر الذي يفوت على الخزينة مبالغ طائلة كان من الممكن ‏الاستفادة منها لاعطاء زيادات غلاء المعيشة وتحسين وضع موظفي القطاع العام‎.‎

تتضمن سوء نية

اللافت للنظر في موضوع الضريبة على القيمة المضافة أن عائداتها لا تظهر بحسب فئة المكلف. فالحصيلة النهائية المحصلة لا ‏تصنّف بحسب مصدرها. أي أن العوائد الضريبية من الأدوات الكهربائية أو الملبوسات أو المواد الغذائية او مواد التجميل… وخلافه ‏الكثير تدخل إلى النظام دكمة واحدة من دون تبويب. وهو ما يعتبره المدير العام للاستثمار والصيانة السابق في وزارة الطاقة، غسان ‏بيضون الذي عمل في أكثر من جهاز رقابي منها ديوان المحاسبة، أنها “تتضمن سوء نية، فهي تعتّم على حجم الحصيلة الفعلية لكل ‏قطاع على حدة. ما يعقد المراقبة من جهة، ويعطي صورة ملتبسة عن كيفية تطور عائدات الضرائب من الجهة الأخرى”. فعدم ارتفاع ‏العائدات على المواد الغذائية في السوبرماركت والافران بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف “قد يكون مؤشراً جدياً ليس فقط على تراجع ‏الاستهلاك، إنما ايضاً التهرب من دفع الضريبة”، بحسب بيضون، خصوصاً مع الزيادة الهائلة في الأسعار‎.‎

عملية المراقبة الفعلية والملاحقة أكثر من معقدة، من وجهة نظر الأستاذ جوزف متى، “فليس إلزامياً أن يتساوى التصريح الضريبي، ‏خاصة إن كان هناك من مرتجعات وعمليات أخرى بحسب طبيعة النشاط التجاري والقواعد والأصول التي تفرضها الإدارة الضريبية ‏على المكلف. ومنها عدم أحقية استرداد الضريبة بعد مرور 3 أشهر على تاريخ بيع السلعة. بالاضافة إلى إمكانية وجود حسومات ‏وغيرها الكثير من الامور”. والمراجعة في هذه القيود مرتبطة في عملية التفتيش أو الدرس الميداني التي تقوم بها الادارة الضريبية ‏على المؤسسة. علماً أنه “إذا ثبت لادارة الضريبة على القيمة المضافة أن المكلف قبض الضريبة ولم يسددها للخزينة يعتبر بحسب ‏القانون جرماً جزائياً، وليس مدنياً”، بحسب ما يفيد متّى، “ذلك لان الشركات والمؤسسات الداخلة في‎ TVA ‎تعتبر وكأنها صناديق ثانوية ‏تجبي الضريبة لصالح الخزينة المركزية‎”.‎

الانهيار جعل غالبية المؤسسات مخالفة

مخاطر الانهيار النقدي جعلت من معظم المؤسسات الانتاجية والتجارية في لبنان مخالفة لاحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، ‏التي بدأ فرضها ابتداءً من أول شباط 2002 على جميع الأموال والخدمات المستهلكة داخل الأراضي اللبنانية، وعلى رقم أعمال ‏يتجاوز 500 مليون ليرة. ليعود وينخفض الرقم تدريجياً إلى 100 مليون ليرة اليوم. ما يعني أن كل مؤسسة لديها حجم أعمال بقيمة 4 ‏آلاف دولار (100 مليون ليرة على سعر صرف السوق الموازية) ملزمة بالخضوع للضريبة على القيمة المضافة، وإلا تعتبر مخالفة. ‏في حين أن “تسجيلها يعتبر أمراً مفيداً للخزينة والمؤسسات على حد سواء”، بحسب الاستاذ متى. فـ”المؤسسات غير المسجلة بـ‎ TVA ‎ينخفض هامش الربح لديها لانها لا تسترد الضريبة التي تدفعها للموردين المسجلين. وبالتالي يتراجع هامش الربح لديها ولا يزيد. ومن ‏الجهة الأخرى فانه مع الانهيار النقدي الحاصل والارتفاع الهائل في الاسعار، يطرح عدم تسجيل هذه المؤسسات مخاوف جدية من ‏عجزها عن تغطية نفقاتها في حال لم تتسجل في الضريبة على القيمة المضافة‎”.‎

عقبات التسجيل في‎ TVA

إلا أنه في المقابل فإن دخول المؤسسات الصغيرة أمامه عقبات صعبة جداً، ليس أقلها أهمية امتلاك برنامج محاسبي ووجود مدقق. ‏نظراً لما تتطلبه العملية من دقة لكي لا يقع المكلف في الاخطاء وتكبُده غرامات باهظة. “من هنا بدأت تطرح منذ فترة إعادة رفع سقف ‏الـ‎ TVA ‎الى 400 مليون ليرة بدلاً من 100 مليون”، يقول متّى، “أو أن يصار إلى تكليف المؤسسات الصغيرة الحجم مبلغاً مقطوعاً ‏كل ثلاثة أشهر مقابل عدم التسجيل في‎ TVA، أو أن يصار إلى خلق خطة معينة بتسجيلها مع استثناءات أو ضوابط معينة. إلا أن هذا ‏الموضوع لم يوضع على نار حامية”. في المقابل يتقدم متى بـ”طرح جدي يقضي بـ”اعتماد الضريبة على المبيعات”، للانتهاء من كل ‏تعقيدات الضريبة على القيمة المضافة‎”.‎

في الوقت الذي يتكبّد فيه المكلفون مشقات عديدة للتصريح عن القيمة المضافة، لا تأخذ هذه العملية في الإمارات العربية المتحدة مثلاً ‏أكثر من لحظات قليلة نتجية سهولة التصريح. وما التعقيدات التي أدخلت على‎ TVA ‎محلياً، ومحاولة رفع عدد أوراق التصريح من 3 ‏صفحات حالياً إلى 12 صفحة أو أكثر، لتتضمن معلومات أوسع وأشمل، بما يزيد عبء الاهتمام بالتفاصيل على المكلفين، إلا “للابقاء ‏على التخمة التوظيفية، وما يتطلبه ذلك من تعقيد للعملية من كادر بشري للملاحقة والمتابعة والتفتيش والدرس”، يختم متى‎.‎