الأربعاء 29 شوال 1445 ﻫ - 8 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

سياسة النكد نخرت إدارات الدولة حتى العظم.. و"صلحة" في السراي!

نجوى أبي حيدر
A A A
طباعة المقال

حسنًا فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بجمع وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه، عقب اجتماع أمني صباحي في السراي حضره إليهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، المدير العام للأمن العام بالوكالة العميد الياس البيسري والمدير العام لوزارة المال جورج معراوي، عرض أوضاع المؤسسة العسكرية والعلاقة بين وزارة الدفاع وقيادة الجيش، بعدما بلغ الخلاف بين القائد والوزير حدًا غير مسبوق وخرج إلى العلن في شكل فاقع. بحسب معلومات السراي جرى الاتفاق على حل التباينات بروح التعاون حفاظا على الجيش ودوره وعلى العلاقة الوطيدة بين وزير الدفاع وقائد الجيش.

الاجتماع فرضته تطورات الساعات الأخيرة في ضوء قرار وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم إيقاف إحالة بريد قيادة الجيش الوارد إليها والصادر منها إلى باقي الوزارات والجهات الخارجية. أمر يؤدي حكمًا إلى عرقلة العديد من المهمات المنوطة بالمؤسسة العسكرية وينعكس تعطيلاً لجوانب تقنية في موجبات القرار 1701 من خلال عرقلة كافة عمليات التواصل مع قوات اليونيفيل وقيادتها والأمم المتحدة التي يمر بعضها عبر وزارة الدفاع.

ليس الخلاف بين الرجلين مستجدًا ولا يتيمًا، فحروب الصلاحيات تعصف بمؤسسات الدولة كافة، إلا أن مفاعيلها في المؤسسة العسكرية تكاد تكون الأخطر في زمن الشغور الرئاسي والأزمات المحيطة بالبلاد سياسيًا واقتصاديًا وماليًا مهددة بفوضى اجتماعية قد تنفجر في الشارع في أية لحظة. قبل البريد، انفجرت الأزمة بين الرجلين على خلفيّة تسيير أعمال المفتشية العامّة في الجيش، بعد إحالة المفتش العام اللواء الركن ميلاد إسحق إلى التقاعد ورفض سليم توقيع إرجاء تسريحه ورئيس الأركان اللواء أمين العرم. وهو ما فاقم الأزمة وأدى إلى غياب التنسيق بالكامل بينهما. إلا أن وضع قائد الجيش العميد الطبيب ملحم الحداد الذي كلفه سليم تسيير أعمال المفتشية في تصرفه شكل نقطة فاض بها الكأس.

بعيداً من عمق النزعة السياسية المتحكمة بالعلاقة بين الوزير والقائد، إذ يأخذ البعض على الوزير عمله تحت سقف قرارات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المعروف مدى نفوره من قائد الجيش، وغني عن التذكير بالحملة الشرسة التي يشنها على عون في الملف الرئاسي، تقول مصادر سياسية مطلعة على ما يدور على حلبة الصراع العسكري لـ”المركزية” إن طريقة التعاطي “الصبيانية” في ملفات على هذا القدر من الحساسية والدقة غير مقبولة، إذ تبدو خلفياتها كيدية انتقامية، عوض أن تعتمد المنطق الوطني في إدارة شؤون البلاد وأمنها، وما قرار إيقاف إحالة بريد القيادة إلى الوزارة سوى وجه من الوجوه الفاقعة لغياب الحكمة في التعاطي. وعلى رغم دخول الوساطات بقوة على خط ترميم العلاقة لتسيير الأمور بالحد الادنى بين الوزارة والقيادة، تجدد الاشتباك وانقطعت خطوط التواصل مجددًا عند أول استحقاق، مهددة بانفجار سياسي – أمني لا تحمد عقباه. أمر حتّم على رئيس الحكومة عقد الاجتماع الأمني وجمع عون وسليم لوضع الأمور في نصابها ووقف الانزلاق نحو مزيد من الخلافات والمخاطر.

المصادر تستغرب مدى انغماس سياسة النكد والمصالح في إدارات الدولة، وقد نخرتها حتى العظم وصولًا إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، سائلة “ألا يدرك من يقف خلفها ويحركها عن بعد مدى الضرر والخطر الذي يتسبب به للبلاد عمومًا والمؤسسة العسكرية في شكل خاص وهي تكاد تكون آخر المعاقل الحصينة في الدولة اللبنانية بعد انهيار سائر أعمدة الهيكل. هذه المؤسسة التي تحمي الحدود وتذود عن الوطن وقد اثبتت بسالتها في مواجهة محاولات الأعداء المتربصين شرًا بلبنان، من إسرائيل إلى التنظيمات الإرهابية التي خاضت وما زالت حروبًا شرسة ضدها وتمكنت من دحرها وضبط خلاياها النائمة، تمامًا كما تحفظ الأمن في الداخل وتحارب تجار المخدرات وتمنع الفتنة، هذه المؤسسة لا يجوز التعاطي معها على هذا النحو، وهي تجاهد في سبيل الحفاظ على ضباطها وعناصرها القابعين كما سائر اللبنانيين في ظل أزمة خانقة، تكاد تتهدد وحدتها واستمرارها وتماسكها لولا المساعدات التي تمكن قائد الجيش من توفيرها من خلال مروحة جولاته الخارجية تأميناً لدعم عيني وعسكري ولوجستي وطبي وتسهيلات قدمها في اكثر من اتجاه..

إذا كان من إشكالات قانونية، تختم المصادر، أو مآخذ معينة لطرف على آخر، فالعلاج ليس حتمًا بسياسة النكد والنكايات. أضعف الإيمان، الركون إلى مقتضيات القانون والنظام العام حيث لكل مشكلة حلّ ولكل خطأ عقاب.. أما إقحام النكايات في إدارة المؤسسات والأجهزة فممارسات لا تصحّ إلا في شريعة الغاب ودولة المزرعة.. على أمل أن يضبط اجتماع السراي اليوم إيقاع العلاقة على وتر الوضع البالغ الحراجة في البلاد.

    المصدر :
  • المركزية