الثلاثاء 28 شوال 1445 ﻫ - 7 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ظلُّ الحاكم في الجمهور

شربل داغر - نداء الوطن
A A A
طباعة المقال

“عم بيخانق خيالو”، ما يعني: “يتخاصم مع ظله”. ما اجمل هذه العبارة وأدقها وأصحها لمن يعيش صعوبة هذه الايام اللبنانية، لكنه بدل أن “يُخاصم” الحاكم المسؤول، نجده يخاصم جاره، أو من يقف أمامه في طابور المهانة.

لعل هذه العبارة تشير إلى ما اسميتُه في احد كتبي: “ظل السلطان”، اي العوام في الحقبة العثمانية.

وأقصد منه الكلام عن الترابط بين السلطان والرعية، بين جسد الحاكم الرمزي وجسده الطبيعي، وبين المنتخَب والناخب في الحقبة المعاصرة.

ذلك أن بينهما ما هو اشبه بحبل السرة الذي لا ينقطع. وهو نوع من “الوكالة” المربوطة بدورة ولاية المجلس، حسب التعريف الديموقراطي للنائب، لكنه يشير، واقعاً، إلى الانتفاع الانتهازي بينهما. ذلك ان هناك وكالة اخرى، تقع قبل الانتخاب، بل ترسمها، من دون أن تقوى على رصدها بالضرورة آليات “مراقبة الانتخابات”.

فالسلطة وهمُ القوة، ليس إلا، عندما يُمسك المواطن بمقاليد السياسة.

فيما السلطة في بلادنا تُمسك ببطون الناس، برقابهم، برزقهم، بمصادر عملهم وعيشهم، ولا تتعين في خيارات السياسات والمواقف والمصالح. هكذا تبقى السياسة قريبة من حياة الفرد المهددة في كل لحظة، في كل دورة انتخابية. لذلك نجد “قضايا عامة”، و”مصالح مشتركة”، لها ان توحّد الجمهور، لكننا لا نجد “شعباً”، إلا في الخطاب والشعار والهتاف والإيديولوجية. إذ ما نجده، لا يتعدى مجموعات شبابية، او حزبية، متنافرة، هي بدورها، فتتواجد في ساحة واحدة من دون أن تلتقي. اما “الجماهير” فلا تزال في بيوتها، قابعة في ظلالها، تتخاصم مع القريبِين منها، من دون أن ترفع أصواتها في وجه الحاكم. لهذا ما يجري لا يتعدى الاحتجاجات، ولا يجد الفرد غير الرضوخ، غير التكيف المقيت، غير التذمر او الشكوى، في بيته، أمام شاشة التلفزيون، كما لو ان السياسة قدرٌ لا يُرد، أو ان من يتولاها لا يعدو كونه رب عائلة، ولن يلبث أن يجد حلولا إحسانية لأولاده المساكين الصاغرين والصابرين.