الخميس 9 شوال 1445 ﻫ - 18 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

نيويورك تايمز تثبت وحشية طيار روسي باستهداف لتجمع للنازحين

حصلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية على صور ومقاطع فيديو تعود لشهود عيان بالإضافة إلى التسجيلات الخاصة بقمرة القيادة والطلعات الجوية للطيارين الروس والتابعين لقوات الأسد، والتي ساعدت الصحفيين على تعقب الغارة الجوية التي استهدفت مخيماً سورياً للعائلات النازحة في بلدة حاس، وأكدت مسؤولية طيار روسي عن ذلك.

وتقول الصحيفة، في بداية الأمر لم تبد الصورة الفوتوغرافية مختلفة عن ملايين الصور الخاصة بالنزاع السوري الذي اقترب من عامه التاسع اليوم، إذ ظهر في تلك الصورة خيط دخان أخذ يتصاعد فوق قرية تناثرت فيها أبنية ذات لون بني فاتح.

إلا أن ذلك أظهر شيئاً في غاية السواد؛ غارة جوية استهدفت مجمعاً سكنياً يضم عائلات سورية نزحت من بيوتها بسبب القتال الدائر في مكان آخر من البلاد.

ويقع هذا التجمع السكني خارج مدينة حاس التي تبعد مسافة 12 كلم عن أقرب جبهة للقتال، فقد أخبرنا الأهالي أنه ليس هناك أي وجود عسكري في الجوار، ولهذا يجب ألا يكون هذا التجمع هدفاً لأي طرف.

ولصياغة هذا الخبر ضمن تقرير كان لا بد لفريق التحقيقات البصرية لدى صحيفة تايمز من التحقق من صحة تلك الصورة التي تظهر الضربة الجوية التي وقعت في السادس عشر من شهر آب الماضي وذلك لنقترب أكثر من الحدث.

وهكذا وجدنا بأن طريقة ارتصاف الأبنية البعيدة مع أبراج الكهرباء في سفح أحد التلال يشبه ما ورد في صور غوغل إيرث، كما ظهر المشهد نفسه أيضاً في مقطع فيديو صورته طائرة استطلاع لهذا المجمع في مطلع عام 2019. كل ذلك أكد لنا بأنه تم التقاط هذه الصورة في حاس.

ومع الاقتراب أكثر من هذا المكان، لاحظ كريستيان تريبيرت وهو صحفي من فريقنا بأن المجمع السكني ذاته يمكن أن يشاهده المرء في تلك الصورة بعدما غطاه الدخان، إذ تظهر النوافذ ذاتها والعمود الموجود على سطح أحد البيوت والذي ظهر في مقطع فيديو تم تصويره بواسطة طائرة استطلاع لهذا المجمع.

فيما قام إيفان هيل وهو صحفي آخر ضمن فريقنا بتعقب الرجل الذي التقط تلك الصورة ليكتشف بأنه عضو في مركز ماركو الإعلامي، وهو مركز إعلامي سوري قام بإرسال ملف الصور الأصلي لنا.

وتشتمل كل صورة أو فيديو على بيانات وصفية، أي ملف معلومات يوضح لنا تاريخ وزمان إنشاء الصورة ومعلومات حول آلة التصوير، والبعد البؤري وأحياناً إحداثيات نظام تحديد الموقع الجغرافي.

وقد ساعدتنا تلك البيانات الوصفية على التأكد من التوقيت الدقيق للهجوم والذي حدث عند الساعة 7:17 مساءاً في السادس عشر من شهر آب، قبل غياب الشمس بقليل، حسبما أخبرنا شهود. وهكذا عرفنا أن هذه الصورة تظهر المجمع الذي تم استهدافه، ولكن ما أهمية التوقيت الدقيق؟

حصل فريقنا في مطلع هذا العام على آلاف التسجيلات المزودة بتوقيت زمني لما يجري في قمرة القيادة في الطائرات التي يقودها طيارون روس وسوريون قاموا بتنفيذ عمليات قصف في سوريا. وأمضينا أشهراً ونحن نترجم ونفك رموز الكلمات المرمزة بما في ذلك العبارات الروسية التي تؤكد على عملية إطلاق الأسلحة من أمثال عبارة: سرابوتال أي نفذ الأمر، وأوتبرافيل كونفيتو (أي أرسلنا الحلوى) ودفادتسات أودين (أي 21).

كما حصلنا على تسجيلات للطلعات الجوية مزودة بتوقيت زمني تم تسجيلها من قبل شبكة مراقبين في سوريا عملوا على توثيق مشاهدات الطائرات المقاتلة والاستماع إلى الرسائل الصوتية بين الطيارين ووحدة التحكم الأرضي.

وبعد معرفة التوقيت الدقيق للهجوم على مجمع النازحين في حاس، أصبح بوسعنا التحقق من التسجيلات الخاصة بالطلعات الجوية وتسجيلات قمرة القيادة لتحديد الأماكن التي حلق فوقها الطيارون الروس والسوريون في أوقات قريبة من التوقيت الذي حددناه وماذا كانوا يفعلون حينها.

فعند الساعة 7:12 مساءاً في يوم 16 من آب سجل راصدون تحليق طائرة روسية بالقرب من حاس، وفي وقت يقل عن خمس دقائق وضمن تسجيلات قمرة القيادة، أكد طيار رمزه 4-64 تنفيذ غارة جوية وذلك عندما قال: “تم الإرسال”، وبعد دقيقة بالضبط، سجل راصدون للطائرات مرة أخرى سماعهم لصوت طائرة روسية.

وبذلك تشير هذه الأدلة وبكل وضوح إلى مسوؤلية روسيا عن تلك الغارة. إذ انفجر ذلك السلاح في الساحة الواقعة في قلب المجمع السكني المحاذي لمحال تجارية من جهة الجنوب، ولبيوت تقطنها عشرات الأسر التي تعيش في ذلك المجمع وذلك من جهة الشرق والشمال والغرب. وقد ذكر لنا شهود بأنه في الوقت الذي وقع فيه الانفجار، كانت العائلات تخفف عن نفسها وطأة حر الصيف في تلك الساحة قبيل الغروب، وكان الأطفال يلعبون فيها.

وقد أدى انفجار ذلك السلاح إلى انهيار سلسلة كاملة من الأبنية المحيطة بالساحة وتسبب بإصابات بالغة بين صفوف الضحايا الذين كانوا قريبين منه. ثم قام مسعفون في قسم الطوارئ التابع لمنظمة الدفاع المدني السورية بتصوير ذلك المقطع الذي حصلنا عليه والذي يشتمل على مشاهد مريعة يصعب وصفها (ولهذا لم نقم بنشر معظم أجزائه).

أحد الشهود كان على سطح بيته عندما سمع الطائرة الحربية فوقه بعد ذلك وقعت الغارة. كان بعض أصدقائه قد عادوا لتوهم من مباراة لكرة القدم، وكانوا يجلسون في الساحة عندما قتلوا بسبب ذلك التفجير.

وهنا يتحدث هذا الشاهد فيقول: “كانت هناك أيضاً نساء بسيطات كل ما أردنه حينها هو الخروج من غرفهن والاستمتاع ببعض النسمات في الخارج، لكنهم قتلن مع أطفالهن”.

وهكذا هرب هذا الشاهد بصحبة زوجته وابنتيه من ذلك المجمع السكني بعدما استهدف بتلك الغارة، فيما لم يتمكن بقية سكانه من السفر بسبب ضعف ذات اليد. وقد قتل في تلك الغارة 19 شخصاً، بينهم أربع عائلات، وامرأة حامل.

و أنكرت روسيا طيلة حملتها الجوية على سوريا والتي امتدت لأربع سنوات تورط أي جندي من قواتها الجوية بأي هجوم دموي ضد المدنيين، غير أن أدلتنا أتت لتكشف الحقيقة كاملة.