الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

هل سيتمّ دمج مصارف لبنانيّة؟

إيفون صعيبي - أساس ميديا
A A A
طباعة المقال

لا حلول للأزمة التي يمرّ بها القطاع المصرفي في المدى المنظور. وعلى عكس النظريات التي تتحدّث عن الاندماج كمخرج من الانهيار المصرفي، تبرز مقاربة نائب حاكم مصرف لبنان سابقاً الدكتور غسان العيّاش الذي يعتبر في هذه المقابلة مع “أساس” أنّ “عمليات الدمج أو الاستحواذ كانت تقتضي وجود مصرف دامج قوي وآخر مدموج متعثّر. لكن المشهد في الوقت الراهن يتمثّل بخسائر فادحة تكبّدتها الغالبية الساحقة من المصارف تحديداً الكبرى منها.

لذا، فإنّ الدمج للانقاذ لن يكون عنوان المرحلة المقبلة”. ذلك يعني أنه ومن دون إعادة هيكلة القطاع بمعنى إعادة رسملته، لن يُنقَذ القطاع خصوصاً وأنه في كلّ مرة تواجه المؤسسات المالية مخاطر محدقة يعود الحديث عن الاندماج تحت عنوان الإصلاح المصرفي.

إلى أيّ درجة تُعتبر زيادة رساميل المصارف اللبنانية ضرورية؟

-عندما تؤدّي استثمارات المصرف إلى خسائر محقّقة تتجاوز رأس المال، فذلك يعني أنّ هذه المؤسسة بدأت تموّل الخسارة من الودائع التي اؤتمنت عليها. تنطبق هذه القاعدة على مصرف واحد أو على عدّة مصارف، أو على النظام المصرفي كله.

لذلك، فإن القوانين التي ترعى النشاط المصرفي وتنظّمه تُلزم كلّ مصرف يحقّق خسائر من رأسماله أن يبادر إلى ردم الخسارة ضمن مهل قصيرة، حتى لا تتوسّع الخسارة وتعرّض الودائع إلى الذوبان.

المشهد في الوقت الراهن يتمثّل بخسائر فادحة تكبّدتها الغالبية الساحقة من المصارف تحديداً الكبرى منها. لذا، فإنّ الدمج للانقاذ لن يكون عنوان المرحلة المقبلة.

من المتّفق عليه أنّ النظام المصرفي اللبناني يعاني من خسائر كبيرة ناتجة عن عدّة مسبّبات، أبرزها تراجع قيمة تسليفاته للدولة التي باتت عاجزة عن تسديد ديونها، وتراجع توظيفاته في مصرف لبنان الذي تكبّد بدوره خسائر كبيرة نتيجة تمويل عجز الدولة وعجز ميزان المدفوعات، إضافة إلى خسائر المصارف في قروضها للقطاع الخاص بسبب التراجع الاقتصادي الكبير في البلاد.

ما هي حدود الزيادات المطلوبة في رساميل المصارف؟

-يجب أن تكون زيادات الرساميل كافية لتغطية خسائر القطاع المصرفي للأسباب التي ذكرناها، أي المطلوب هو ردم خسائر القطاع. في الظرف اللبناني الراهن، إنّ تقدير الخسائر المذكورة ليس تلقائياً كما هي الحال في مصرف منفرد لديه خسائر بسبب رداءة تسليفاته لزبائنه. بل يجب أوّلا تحديد الخسائر في ديون الدولة وفي التوظيفات في مصرف لبنان.

وهذه المسألة عالقة منذ قرابة العام بسبب فشل التوافق حول تقدير هذه الخسائر بين ثلاثة أطراف هي: الدولة، ومصرف لبنان، وجمعية المصارف. وقد أدّى هذا الاختلاف إلى دخول طرف رابع على الخط، هو لجنة المال والموازنة في مجلس النوّاب التي انكبّت على المسألة وكانت لها تقديراتها الخاصّة لخسائر القطاع المالي.

البتّ في هذه المسألة ضروري لكي يتمّ ردم الخسائر، إذا أمكن، ويستأنف القطاع المصرفي نشاطه العادي. لكن المؤسف أن الخلافات تجمّدت عند نقطة معيّنة تحت أنظار صندوق النقد الدولي ولم تُحلّ الخلافات حتى الآن. فأصبحت الخسائر إليها كالمرض العضال الذي يلتهم جسم الإنسان من دون علاج بانتظار اتّفاق الأطباء على تشخيص المرض واختيار الدواء المناسب.

في الظرف اللبناني الراهن، إنّ تقدير الخسائر ليس تلقائياً كما هي الحال في مصرف منفرد لديه خسائر بسبب رداءة تسليفاته لزبائنه. بل يجب أوّلا تحديد الخسائر في ديون الدولة وفي التوظيفات في مصرف لبنان.

فالبلاد مجمّدة إلى حين الاتفاق على تقدير الخسائر، وتوزيعها على الأطراف. في هذا الإطار، رفض البعض إشراك الدولة في تحمّل أية خسائر مع أنها المسؤولة الأولى عن الإنفاق والهدر والفوضى والفساد.

كيف يختلف حجم الرساميل الإضافية المطلوبة للمصارف بين صيغة وأخرى؟

-الورقة التي أعدّتها حكومة حسّان دياب تحت عنوان خطّة للتعافي المالي، قدّرت خسائر القطاع المالي بأكثر من 80 مليار دولار، اقترحت تحميلها لمصرف لبنان والمصارف. والمبلغ الذي اقترحت الورقة تحميله لمساهمي المصارف ومودعيه بلغ حوالي 60 مليار دولار، مع العلم أنّ إجمالي الأموال الخاصة في القطاع يبلغ حوالي 20 مليار دولار. من هنا، وإذا فُرضت هذه الورقة يمكن تصوّر الحجم الكبير المطلوب لزيادة رساميل المصارف و/أو اقتطاعه من الودائع.

كيف يمكن تأمين هذه الأموال؟ وماذا إذا لم يتمكّن مصرف ما من زيادة رأسماله بالمستوى المطلوب؟
-بالدرجة الأولى يجب أن تعمد المصارف إلى زيادة أموالها الخاصة عن طريق اكتتاب المساهمين القدامى أو الجدد بهذه الزيادة. والصعوبة هنا تتعلّق بضعف قابلية المساهمين للاكتتاب في الظروف الراهنة، بسبب خسائر المصارف وتراجع سعر الصرف الذي يهمّ المساهمين الذين يحوّلون أموالهم من الخارج. كما أنّ الكابيتال كونترول الواقعي (بدون قانون) لا يشجّع المساهمين على زيادة مساهماتهم لأنهم لا يعرفون متى يستطيعون إخراج أرباحهم المفترضة إلى الخارج.

ثم إنّ الجو الإعلامي المعادي للصناعة المصرفية في لبنان لا يشجّع المساهمين، حيث تكال الاتّهامات للمصارف بحق أو دون حق.

إلا أن هذه الحقيقة نسبية، فهناك مساهمون يقدّرون أنّ امتناعهم عن الاكتتاب يؤدّي إلى خسارتهم للرساميل الباقية حالياً في المصارف، أي أنّ ضخّ أموال إضافية يساعد على إنقاذ توظيفاتهم الراهنة في مصارفهم.

بالطبع، يختلف الوضع بين مصرف وآخر. فهناك مصارف تكبّدت خسائر كبيرة مقابل مصارف خسائرها محدودة وهي تتطلّب رساميل محدودة. ويتوقف الأمر إلى حدّ كبير على حجم كلّ بنك، وعلى حجم استثماراته في ديون القطاع العام.

الورقة التي أعدّتها حكومة حسّان دياب تحت عنوان خطّة للتعافي المالي، قدّرت خسائر القطاع المالي بأكثر من 80 مليار دولار، اقترحت تحميلها لمصرف لبنان والمصارف.

ماذا إذا لم يؤمّن مصرف أو أكثر الزيادة المطلوبة في رأسماله؟ هل يلجأ إلى الاندماج بمصرف آخر؟

– في مختلف الأزمات المصرفية السابقة في لبنان، منذ أزمة بنك إنترا، جرت العادة أن يستحوذ مصرف كبير، أو فلنقلّ مصرفاً قوياً، على المصرف الذي يعاني من التعثّر. ويتمّ الاستحواذ عن طريق شراء المصرف الدامج موجودات ومطلوبات المصرف المدموج، أو أن يشتري المصرف الأقوى المصرف المتعثّر بكلّ عناصره، بما في ذلك الرخصة والفروع.

وقضت سياسة مصرف لبنان بتسهيل عمليات الدمج هذه لخنق الأزمة في أيّ مصرف في مهدها، ومنع تحوّل أزمة مصرف ما إلى أزمة نظام. يضاف إلى ذلك أنّ تشجيع عمليات الدمج كان سياسة التزمت بها الدولة ككلّ، في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد صدرت تشريعات لتسهيل عمليات الدمج واستحواذ المصارف السليمة على المصارف المتعثّرة.

لذلك، فإن هناك حاجة إلى خيال خصب وأفكار جديدة للخروج من الأزمة. ففي ظلّ عدم القابلية للاستثمار في لبنان بما في ذلك زيادة الاستثمار في المصارف، ومع صعوبة اللجوء إلى الدمج، يصبح واضحاً أنّ الأزمة يجب أن تعالج ككلّ باستعمال وسائل متنوّعة ومتعدّدة ضمن المشروع الإصلاحي الشامل.