السبت 24 شوال 1445 ﻫ - 4 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لماذا يخنق الأسد مموليه في الحرب

يواصل النظام السوري اتخاذ سلسلة من الإجراءات للحد من التهرب الضريبي بعدما دخل، الأحد، حيز التنفيذ قرار يُلزم المواطنين الراغبين بشراء عقارات أو سيارات بدفع ثمنها أو جزء منه عبر المصارف، في خطوة رأى خبراء أنها تهدف إلى تفعيل النظام المصرفي والحد من التهرب الضريبي.

 

وتأتي هذه الخطوة الجديدة وسط تواصل الجدل بشأن ما يعرف بحملة مكافحة الفساد التي يشنها النظام السوري على رجال أعمال نافذين تلقي بظلالها، حيث تختلف التقييمات والمواقف بشّأن الدوافع التي حرّكت السلطة الحاكمة للضرب بقوة على أيادي العشرات من الأسماء البارزة ووضعها تحت الإقامة الجبرية.

وبحسب الكثير من المتابعين، فإن الحملة التي يشنها النظام السوري على أثرياء الحرب تأتي في إطار خطة حكومية لا هدف لها سوى تصفية الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة تحت غطاء شرعي يقوم أساسا على فرض إتاوات تتخذ طابعا رسميا.

ويصنف الخبراء تضحية الأسد بداعميه والمقربين منه كخطة تأتي في إطار البحث عن موارد بديلة بإمكانها ملء خزينة الدولة والمحافظة على النظام الذي أنهكته حرب أهلية تشارف على بلوغ عقدها الأول.

وتوصف الحملة بأنها كانت خليطا من وضع اليد ومصادرة أملاك كبار المتنفذين، أو تسوية أشبه ‘بإتاوة’ حكومية على أخرين مقابل السكوت على أنشطتهم.

وظلت قضية رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد مثيرة للجدل، حيث برز اسم الرجل من جديد بعدما اتخذ في حقه قرار بالحجز الاحتياطي على أمواله وبعض رجال الأعمال الآخرين.

حملة سورية مشكوك فيها يقودها رأس النظام تشمل رجال أعمال بارزين نصفها إتاوات والآخر على الفساد

وتحدثت الكثير من التقارير الدولية منذ شهر سبتمبر 2019 عن وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية في دمشق مع شقيقيه. ويقدم مخلوف على أنه معاقب ليس فقط في سوريا بل أيضا أوروبيا وأميركيا، لذلك فرض على أمواله المنقولة حجزا احتياطيا مع كل من رجال الأعمال الآخرين باهر السعدي ومحمد خير العمريط وعلى شركة آبار بتروليوم سيرفيسز، المسجلة في بيروت. وبعد ذلك اختلفت الروايات بشأن الدوافع الحقيقية لإقدام السلطة السورية على مثل هذه الخطوة، ففيما يروج النظام إلى أنه لن يتسامح مع كل من هو متهم بالفساد، يربط البعض الآخر هذه العملية بأسباب سياسية قيل على إثرها أن مخلوف خطط للإطاحة ببشار الأسد.

وأكدت مصادر متطابقة أن الأسد اتخذ مثل هذه الخطوة بعد حصوله على معلومات تشير إلى أن مخلوف يطمح لقيادة البلاد في المستقبل القريب.

وتباينت ردود أفعال الخبراء والعارفين بالواقع السياسي والمالي في سوريا، حول هذه الحرب على الفساد التي تقودها رأسا أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري. خاصة أن مخلوف يعد من الوجوه البارزة التابعة لحاشية القصر.

وكشفت مصادر مقربة من الرئيس السوري في وقت سابق أن الأسد شعر باستقواء مخلوف وإمكانية لعبه لأدوار سياسية هامة في البلاد خاصة أن عمليه اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية تمت بموجب مرسوم رئاسي مباشر رفقة والده محمد مخلوف وكل من شقيقيه إيهاب وإياد.

ومخلوف المعروف بأنشطته في مجال الأعمال وبتأثيره السياسي في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، هو مالك للعشرات من الشركات في سوريا، ولديه حصة في شركة “سيريتل” أكبر شركة هاتف جوال في سوريا.

ويجمع المراقبون على أن الحرب الدائرة في سوريا منذ عام 2011، صنعت الكثير من رجال الأعمال الذين استفادوا من فوضى الحرب وتداخل القوى الموجودة بالبلاد.

وسبق لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن تطرقت إلى هذا الملف بتخصيصها تقريرا كاملا حول الحرب على الفساد بتأكيدها أن العشرات من رجال الأعمال السوريين ضالعون في التعامل مع أطراف متعددة من النزاع في سوريا ومتورطون في استغلال نفوذهم للسيطرة على الكثير من العقارات التابعة للدولة.

ووصفت الصحيفة مخلوف بأنه يعد أهم وسيط للنظام السوري في عقد الصفقات التجارية وبأنه تمكن من حصد ثورة هائلة بغير موجب حق.

وأشعلت حملة الاعتقالات في سوريا حالة اضطراب رغم أنها بحسب العديد من المحللين تعد خطوة في الاتجاه الصحيح تضيق على العشرات من الشخصيات التي تملك أكبر المنشآت الاقتصادية في بلد مزقته الحرب ويعاني من أزمة مستفحلة بعد دمار جزء كبير من المحافظات والبلدات.

وشملت الحملة أيضا رجل الأعمال المعروف أيمن جابر، وأحد مساعديه الرئيسيين فايز شاهين. واسم أيمن جابر كان قد برز في السنوات السابقة على خلفية تأسيسه وشقيقه محمد تنظيما مسلحا رديفا للجيش السوري، هو “صقور الصحراء”.

وتم الحديث أيضا عن أن قرار الحجز الاحتياطي تضمن أموال عمّ زوجة الرئيس بشار الأسد، طريف الأخرس، وأبنائه وشركاته، إلا أن الأخرس تمكن من التوصّل إلى تسوية مع إدارة الجمارك قضت بتسديد ما يترتب عليه حيال مخالفة جمركية قديمة منذ عام 2012.

وفيما قال رئيس الحكومة السورية عماد خميس بشأن الحملة أمام مجلس الشعب، إن حكومته ستلاحق الفاسدين الذين استغلوا ظروف الأزمة وكونوا ثروات كبيرة، واعداً أعضاء البرلمان، بأنه في “المستقبل القريب سيتفاجأ المتابعون بأسماء ستتم محاسبتها على خلفية ملفات فساد”، لكن مخلوف تشبث في أول تعليقاته على أنه تم الزج باسمه في قضايا هو بريء فيها.

ويقضي القرار رقم 5 الصادر الأحد عن رئيس الحكومة عماد خميس بأن “تقوم الجهات العامة المخولة قانونا بمسك سجلات ملكية العقارات والمركبات بأنواعها والكتاب بالعدل بعدم توثيق عقود البيع قبل إرفاق ما يشعر بتسديد الثمن أو جزء منه في الحساب المصرفي للمالك”.

ويأتي القرار الجديد مع تكثيف السلطات للإجراءات القانونية التي تتخذها في ملاحقة كل من يتداول بغير الليرة السورية، التي شهدت في الأسابيع القليلة الماضية انخفاضا قياسيا، إذ تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء الألف ليرة للمرة الأولى، فيما سعر الصرف الرسمي 434 ليرة.

وقال في هذا الصدد، الخبير الاقتصادي علي الآغا “تسعى الحكومة من خلال ذلك إلى تقييد استخدام الأوراق النقدية وتطوير آلية سداد المدفوعات بالليرة السورية” وتشجيع العمليات النقدية عبر المصارف.

وأشار إلى أن “القرار يستهدف قطاعين (المركبات والعقارات) مهمين من ناحية القيمة النقدية المتداولة”، ومن شأنه أيضاً أن “يحد من مسألة التهرب الضريبي”.

وبذلك يلزم القرار المواطنين بفتح حسابات مصرفية في بلد تسود فيه التعاملات التجارية بالأوراق النقدية في ظل غياب كامل للتبادل المصرفي.

وبالتوازي مع هذا القرار، وافق المصرف المركزي في نهاية الأسبوع الماضي، على مقترح لرفع سقوف الاقتراض السكني للشراء بقيمة ثلاثة أضعاف من خمسة ملايين ليرة إلى 15 مليون ليرة، وإلى الضعفين من أجل الترميم أي من مليونين إلى أربعة ملايين ليرة.

واعتبر مدير عام المصرف العقاري مدين علي في تصريحات إعلامية أن “هذا القرار له أهمية كبيرة لجهة تمكين شريحة واسعة من المواطنين من الاستفادة من هذه القروض لتمويل احتياجاتهم للسكن من الشراء أو الترميم أو تنفيذ أعمال الإكساء”.