الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

اختراق تقني أمني لمنصة "إنكرو تشات" المشفّرة يطيح بالمئات من عناصر المافيا في أوروبا

شكل نجاح الشرطة الأوروبية في اختراق أمني تقني أوروبي وتفكيك شبكة “إنكرو تشات” التي تستخدم تقنيات الاتصال المشفرة، مقدمة لإسقاط المئات من العناصر الإجرامية النشطة في هذا المجال في دول أوروبية وإحباط عمليات قتل واغتيالات وتهريب كميات كبيرة من المخدرات.

 

وتعد العملية الأمنية المنسقة بين دول أوروبية تحولا في الحرب المستمرة والمتواصلة على الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، إضافة إلى إنها واحدة من حرب الأسرار بين المافيا والشرطة، وذلك على الرغم من أنها ستجعل الشبكات الإجرامية أكثر حذرا في التعامل مع هذه التقنيات.

وجعل الاختراق الأمني لهواتف شبكة “إنكرو تشات” للاتصالات المشفرة من السهل تفكيك العديد من الرسائل المتبادلة بين العناصر الإجرامية وجعل “دردشاتهم على طاولة السلطات الأمنية”.

 

وتمكنت الشرطة في فرنسا وهولندا بعد تنسيق محكم بينهما من اختراق شركة “إنكرو تشات”، التي تبيع هواتف مشفرة خاصة يبلغ سعر الواحد منها نحو ألف يورو. وسهّل هذا الاختراق للسلطات الأمنية في كلا البلدين من الاطلاع على “الملايين من الرسائل” دون علم المشتبه بهم خلال تواصلهم بواسطة أجهزة صنعت خصيصا للتواصل المشفر.

واستفادت المافيا على مدار سنوات من التطورات التكنولوجية الحديثة وطوعتها في خدمة أنشطتها المشبوهة وعملياتها الإجرامية، فبعد استخدام وسائل التواصل التقليدية والاختراق الإلكتروني لشركات ومؤسسات اقتصادية وبنوك حول العالم، باتت تلك الجماعات الإجرامية تعمل بشكل حثيث لاستغلال كل التقنيات غير التقليدية والحديثة لأغراض تخدم أنشطتها الإجرامية المتنوعة.

كان لافتا في العملية الأمنية الناجحة هو تحرك الشركة المشغلة للخدمة المقدمة للجماعات الإجرامية هو رسالتها المرسلة في 13 يونيو الماضي إلى الزبائن المقدر عددهم بستين ألفا تدعوهم إلى ضرورة التخلص من الأجهزة نظرا إلى أن خوادمها “صودرت خلافا للقانون من قبل كيانات حكومية”، قبل أن تغلق الشركة أبوابها.

وتقول مصادر قضائية أوروبية إن ما بين 90 إلى 100 في المئة من زبائن الشركة مرتبطون بالجريمة المنظمة من خلال ما بين 50 ألفا و60 ألفا من الهواتف المتداولة.

 

فالاختراق الأمني الناجح مكّن من إلقاء القبض على 800 شخص من المشتبه بهم في الاشتراك بجرائم، حيث أوقفت بريطانيا وحدها 746 شخصا. كما جرت عمليات ملاحقة مماثلة في النرويج وإسبانيا وفرنسا والسويد.

وكانت السلطات الفرنسية أول من اكتشف أمر الشركة المثير للريبة بعد عمليات مكافحة للمجموعات الإجرامية عثر خلالها في العام 2017 بشكل منتظم على هواتف “إنكرو تشات” التي تستخدم خوادم في فرنسا.

ومنذ ذلك الحين تراقب السلطات الأمنية الفرنسية بصفة خاصة والأوروبية بصفة عامة شبكة الاتصالات المشفرة بعد التمكن من “زرع جهاز تقني قادر على تخطي تقنية التشفير والوصول إلى مراسلات المستخدمين”.

وفي مؤتمر صحافي عقد بلاهاي لغرض شرح تفاصيل العملية النوعية، كشف نائب المدير التنفيذي في جهاز الشرطة الأوروبية “يوروبول” ويل فان غيمرت أن الاختراق التقني سمح للشرطة بالاطلاع عن كثب غير مسبوق على عالم الجريمة المنظمة ومجموعاته النشطة في المدن الأوروبية.

وسمح الاختراق الإلكتروني بـ”عرقلة أنشطة إجرامية بما فيها هجمات عنيفة وفساد ومحاولات قتل وعمليات تهريب للمخدرات على نطاق واسع”، حسبما أعلنت الشرطة الأوروبية التي قالت أيضا إن بعض الرسائل بين العناصر الإجرامية تناولت “مخططات لارتكاب جرائم عنيفة وشيكة ما أتاح القيام بتحرك فوري”.

ويقول نائب المدير التنفيذي في جهاز الشرطة الأوروبية إن منصة إنكرو تشات “كانت مصممة خصيصا لتلبية احتياجات المجرمين”.

ويستخدم المنصة نحو 60 ألفا في مختلف أنحاء العالم من بينهم 10 آلاف شخص في المملكة المتحدة. وتبادل محققون فرنسيون وهولنديون المعلومات مع الشرطة الأوروبية مما سمح بمراقبة رسائل المجرمين وتحركاتهم المختلفة.

اعتبرت السلطات البريطانية الاختراق التقني للشركة، التي تقدم خدمات اتصالات مشفرة، “اختراقا هائلا” على صعيد التصدي للجريمة المنظمة بعد أن أوقفت 746 شخصا واستعادت أكثر من 54 مليون جنيه قرابة 67.5 مليون دولار، كما صادرت 77 قطعة سلاح بينها بنادق هجومية من طراز إيه.كي – 47 و1800 طلقة ذخيرة.

وتشير السلطات إلى أن العملية الأمنية المنسقة مكنتها من القبض على مجرمين عتاة وإحباط الآلاف من المؤامرات بما فيها التخطيط للقتل حيث سمح فك الشفرة المستخدمة في منصة إنكرو تشات على القيام بنحو 750 عملية ضبط بحق المجرمين.

وتقول الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا إن الاختراق التقني ساعد على منع عصابات متنافسة من تنفيذ جرائم خطف وإعدام “مما أجهض بنجاح أكثر من 200 تهديد للأرواح”.

وتؤكد مديرة التحقيقات في الوكالة البريطانية نيكي هولاند أن عملية الاختراق “هي الأوسع نطاقا والأكثر تعمقا على الإطلاق في المملكة المتحدة في مجال الجرائم المنظمة الخطيرة”.

وتضيف أنه بعد هذه العملية “حمينا الناس باعتقال مجرمين متوسطي الخطورة والأباطرة، ممن يطلق عليهم عتاة الإجرام الذين لا يمكن المساس بهم والذين ظلوا بعيدا عن أعين الشرطة لسنوات، والآن أصبح لدينا الدليل لمقاضاتهم”.

 

وعملت الأجهزة الأمنية الهولندية والفرنسية على تبادل المعلومات مع بريطانيا بشأن فك تشفير “كم هائل من البيانات وتحليلها” لرسائل تبادلها مجرمون. وساعدت هذه المعلومات في إحباط الكثير من العمليات الإجرامية.

وتوضح قائدة الوحدة المركزية في الشرطة الهولندية جانين فان دين برغ أن محتوى بعض الرسائل المشفرة “كان مثيرا للقلق لدرجة تفوق الخيال”، مشيرة إلى أن الأمر كان “كأننا نجلس إلى طاولة مجرمين خلال دردشتهم”.

وساهم الاختراق الأمني التقني لخوادم منصة “إنكرو تشات” من معرفة توقيت الجريمة قبل وقوعها، إضافة إلى كشف تفاصيل العمليات التي يخطط لها المجرمون في أنحاء متفرقة من المناطق الأوروبية.

وتقول الشرطة الهولندية إن الاختراق مكن أجهزتها الأمنية من الاطلاع على ما يخطط له هؤلاء المجرمون في توقيته الفعلي حيث مكنها من تنفيذ عمليات دهم لـ19 مختبرا لتصنيع مادة الميثامفيتامين المخدرة وضبط أطنان من كريستال الميثامفيتامين والكوكايين وتوقيف أكثر من مئة شخص.

وعلى الرغم من الفوائد الأمنية الكبيرة لهذا الاختراق التقني للشبكة إلا أنه لم يخلو من انتقادات داخلية حيث دافعت السلطات الفرنسية والهولندية عن قرار الاختراق الإلكتروني لشبكة الاتصالات المشفرة، معتبرة أنها مبررة نظرا للأدلة التي تبين أنها كانت تستخدم بشكل أساسي لغايات إجرامية.

وتظهر عملية الاختراق الأمني لشبكة الاتصالات المشفرة الأريحية التي تمتع بها رجال الشرطة في تعقب المجرمين طوال سنوات، ومعرفتهم أدق تفاصيل تحركات المجموعات والعصابات الإجرامية داخل البلدان الأوروبية، الأمر الذي سهل في الكثير من الأحيان عمليات القبض عليهم.