الجمعة 11 جمادى الآخرة 1446 ﻫ - 13 ديسمبر 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أطباء في غزة: مستشفياتنا قد تصبح مقابر جماعية

وسط القصف المتواصل الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ السبت الماضي، تتدفق أعداد كبيرة من الجرحى على مدار الساعة عبر سيارات إسعاف أو سيارات خاصة، حيث يسارع مسعفون لإدخال المصابين لمستشفيات تعاني نقصا حادا في المواد الطبية مع تحذيرات أطباء عاملين في القطاع من تداعيات تدهور القطاع الصحي وأن تتحول مراكز تلقي العلاج لـ “مقابر جماعية”، وفق ما جاء في “الحرة”.

فاضت مستشفيات غزة بالجرحى، إذ لم تعد الأسرّة تستوعب الأعداد التي تصلها، ما اضطر بعض المصابين إلى افتراش أرض الممرات والغرف منتظرين دورهم لتخفيف آلامهم، منهم من يحالفهم الحظ بتلقي العلاج، والخضوع إلى عمليات جراحية، من دون تأمين سرير لهم للمبيت لاستكمال رحلة تعافيهم، ومنهم من يفارقون الحياة قبل أن يتسنى لطبيب الكشف عليهم، وفق ما يؤكده مدير عام مجمّع الشفاء الطبي، وهو المجمّع الأكبر في القطاع، الدكتور محمد أبو سليمة، لموقع “الحرة”.

“الوضع خرج عن السيطرة”، وفق أبو سلمية “فالسعة السريرية للمجمّع تصل إلى 500 سرير، لكن يوجد الآن ما يقارب من الألف جريح ومريض، أي بمعدل الضعف، وقد امتلأت أقسام العناية المركزة بشكل كامل “.

الوضع ليس أفضل حالا في مستشفى غزة الأوروبي، فعند وصول المصابين إليه “يقوم أطباء بفرزهم بحسب خطورة إصابتهم، ليبدأ علاج الحالات المهددة بالموت،” وعلى رأسها بحسب مديره الدكتور يوسف العقاد “إصابات الرأس فالأوعية الدموية أي النزيف، ثم البطن والحوض وأخيراً العظم” فالأولوية كما يقول “لإنقاذ حياة الجرحى”.

وكذلك أكد أبو سلمية أنه “بدأت المفاضلة بين جريح وجريح حيث تعطى الأولوية للحالات الحرجة”.

في اليوم الأول للحرب وصل إلى مستشفى غزة الأوروبي “303 مصابين، منهم من تم علاجهم على الأرض، وبعضهم نزف حتى الموت قبل أن يصل دوره للدخول إلى غرفة العمليات”.

لكن الآن كما يشير العقاد “نخرّج المصابين في اليوم التالي من خضوعهم لعملية جراحية كي نفسح المجال أمام جرحى آخرين لتلقي العلاج”، لافتاً إلى ارتفاع عدد قاصدي المستشفى “بعد القصف الإسرائيلي العنيف على محافظتي خان يونس ورفح، مع العلم أن أكثر من 60 في المئة من الإصابات والقتلى الذين وصلوا كانوا من النساء والأطفال”.

نقص شامل

لا يتوقف الأمر على الأعداد الكبيرة للجرحى وما يشكلونه من ضغط على الكوادر الطبية في غزة، بل يتعدى ذلك إلى نقص حاد في كافة المستلزمات الطبية والأدوية، منها أدوية التخدير.

ويقول العقاد: “هناك نقص حاد في هذه الأدوية، لكن لا يمكننا إجراء أي عملية من دونها”، في حين أكد أبو سلمية أن “أدوية التخدير بدأت تنفد وكذلك المستهلكات الطبية للعمليات، لذلك بعض العمليات نجريها من دون تخدير”.

حتى خضوع المصاب إلى عملية جراحية ونجاحها لا يعني نجاته، مع توقف أجهزة التعقيم في بعض المستشفيات، بسبب ارتفاع نسبة ملوحة المياه الارتوازية التي تستخدم لذلك، نتيجة انقطاع مياه الشفة، الصالحة للشرب.

ويؤكد مدير مستشفى غزة الأوروبي أن “عدم التعقيم سيؤدي حتماً إلى إصابة المرضى بالتهابات وبالتالي الموت، لذلك نحاول قدر المستطاع الاستعانة بمستشفيات أخرى للتعقيم أو شراء المياه الصالحة وهي عملية معقدة جدا”، وهو ما أكده أبو سلمية بالقول: “هناك أزمة تعقيم كبيرة في المستشفى”.

وعن تأمين وحدات الدم للمصابين يجيب العقاد “لا نقص لدينا، تعلن المستشفيات دائماً عن حملات تبرع، عدد كبير من الأشخاص يلبّون النداء، لكن المشكلة أن مستشفى غزة الأوروبي بعيد عن مركز المدينة، من هنا قد يجد البعض صعوبة في الوصول في ظل الوضع الحالي، كما أن منهم من يخشى القدوم أثناء تعرض المنطقة للقصف”.

ويشدد أبو سلمية على أن “الوضع مأساوي، بعض المستشفيات غير الحكومية وبعض المؤسسات تقدّم لنا تبرعات، لكنها لا تغطي حتى الحد الأدنى مما نحتاجه، فقبل الحرب كنا نعاني من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية فكيف الآن؟”.

وحذّرت وزارة الصحة في غزة من أن نقص المستلزمات الطبية والأدوية سيؤدي إلى وضع “كارثي”، لا سيما “بعد أن شددت إسرائيل حصارها على قطاع غزة”، لافتة إلى أن “ثماني مستشفيات لا تكفي للتعامل مع كل الحالات في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة، رغم إعلانها حالة الطوارئ واستدعائها كل الطواقم الطبية للعمل”.

“انهيار المنظومة الصحية”

تعاني المستشفيات في غزة من شح المياه وقرب انقطاع التيار الكهربائي، حيث تستند حاليا على المولدات التي تحتاج إلى الوقود لتشغيلها.

ويقول العقاد: “ستفند الكميات المتبقية من المحروقات، وبالتالي ستنقطع الكهرباء وهذا سيؤدي إلى توقف آلات الغازات الطبية (بينها الأوكسجين)، ما يعني أن جميع المرضى في العناية المركزة سيموتون خلال دقيقة”.

كذلك الحال كما يقول العقاد، في أقسام حضانة الأطفال، “فعلى سبيل المثال لدينا في المستشفى قسم حضانة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الأسبوعين، وقسم عناية مركزة للأطفال الذين يتجاوزون الأربعة أسابيع من العمر، هؤلاء سيفارقون الحياة نتيجة توقف عمل أجهزة دعم الحياة”.

كما أنه لا يمكن إجراء عمليات من دون أجهزة الأوكسجين، ويقول العقاد: “نحن أمام خطر انهيار المنظومة الصحية خلال الساعات أو الأيام القليلة القادمة، إذا استمر الوضع على حاله”.

كلام العقاد يؤكده أبو سلمية بالقول “انقطاع التيار الكهربائي يعني خروج المستشفيات عن الخدمة وتحوّلها إلى مقابر جماعية، بعد الحكم على المصابين في العناية المركزة والأقسام الحرجة وأقسام غسيل الكلى والحضانات بالموت”.

ولفتت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي إلى أن “المستشفيات في غزة تتحول إلى مشارح بسبب توقف الأجهزة الطبية جراء انقطاع الكهرباء”.

وتلقت هذه المستشفيات ضربة موجعة مع إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الإثنين الماضي، فرض حصار كامل على القطاع، شمل الماء والكهرباء والوقود.

الأطباء أمام “خيارات مستحيلة”

في الوقت الذي تحتاج فيه مستشفيات غزة إلى كل طواقمها الطبية، يواجه أفراد هذه الطواقم صعوبة في الوصول لاسيما المقيمين منهم في أماكن بعيدة عن مراكز عملهم، حيث هناك خطورة بحسب العقاد على حياتهم من القصف. ويوضح “منهم من لا يتمكن من الوصول ومنهم من يمكث في المستشفى ليومين أو ثلاثة أيام أو حتى لا يغادره، ما ينعكس سلباً على أدائهم، والجمعة قتل ثلاثة من أهم طواقمنا الطبية نتيجة تعرّض منازلهم للقصف”.

ومن المشاكل التي تواجهها مستشفيات قطاع غزة، لجوء آلاف السكان إليها للاحتماء من القصف، ما يشكل إرباكا وضغطا إضافيين على الأطباء والممرضين.

ويقول العقاد: “هم يعتقدون خطأ أن المستشفيات مكان آمن رغم أن البعض منها لم يستثن من القصف، كمستشفيات الدرة وشهداء الأقصى والعودة ومستشفى العيون الدولي وغيرها من المستشفيات التي خرجت عن الخدمة بعد تعرضها للقصف إما مباشرة أو جزئيا أو في محيطها”.

“الوضع مأساوي وخطير جداً، لم تعهده مستشفيات قطاع غزة من قبل”، وفق أبو سلمية، الذي شدد على ضرورة “التدخل فورا لفتح ممرات آمنة لإدخال المستلزمات الطبية والأدوية والوقود”.