الدولار مقابل العملات- رويترز
دفعت عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض وتلاشي آمال خفض أسعار الفائدة بشكل كبير الدولار إلى أعلى مستوياته في عدة سنوات، فيما يتوقع المستثمرون أن تتواصل هذه القوة بفعل سياسات الإدارة الجديدة التضخمية المواتية للنمو.
وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام سلة من ست عملات رئيسية، نحو 10 بالمئة من أدنى مستوياته في أواخر سبتمبر أيلول ليسجل أعلى مستوى في أكثر من عامين.
جاءت معظم هذه المكاسب منذ فوز ترامب في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني، إذ سارع المستثمرون إلى إعداد محافظهم لسياسات الإدارة الجديدة في التجارة والرسوم الجمركية، والتي من المتوقع أن تقدم دعما للدولار في الأمد القريب بينما تضغط على الاقتصادات والعملات الأخرى.
وقد تدفع الرسوم الجمركية مع ما تسببه من ضغوط تضخمية محتملة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إلى توخي الحذر في خفض أسعار الفائدة، رغم أن التوترات التجارية تزيد قتامة توقعات النمو الاقتصادي العالمي وتدفع المزيد من المستثمرين نحو الدولار كملاذ آمن.
وكلما ظلت أسعار الفائدة الأمريكية أعلى من العائدات في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، كلما زادت جاذبية الدولار للمستثمرين.
في حين عبر ترامب في كثير من الأحيان عن قلقه من أن قوة الدولار المفرطة تضعف القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية وتضر بالتصنيع والوظائف في الولايات المتحدة، فإن الأسواق غالبا ما تنظر إلى سياساته على أنها تعزز الدولار.
وخلال ولايته الأولى، ارتفع الدولار بنحو 13 بالمئة من فبراير شباط 2018 إلى فبراير شباط 2020 عندما فرض رسوما جمركية على عدة دول، منها الصين والمكسيك.
وفي إشارة أخرى إلى أهمية السياسات المتعلقة بالدولار للإدارة القادمة، قال سكوت بيسنت، الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخزانة، أمس الأربعاء إنه سيضمن بقاء الدولار عملة الاحتياطي في العالم.
ويبدو أن المتعاملين في أسواق العقود الآجلة للعملات في وضع يسمح لهم بتحمل المزيد من قوة الدولار مع ارتفاع صافي الرهانات على الدولار إلى أعلى مستوى في ست سنوات عند 34.28 دولار، وفقا لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة وهي هيئة مستقلة تابعة للحكومة الأمريكية.
وذكرت وحدة الأبحاث العالمية في بنك أوف أميركا أنه مقابل سلة مرجحة من عدة عملات، كان الدولار هو الأكثر مبالغة في قيمته منذ 55 عاما.
وعادة ما يجذب مثل هذا الارتفاع الكبير المتشائمين بشأن الدولار الذين يتوقعون تصحيحا، لكن قلة من المتعاملين يعتقدون حاليا أنه من الحكمة مجابهة صعود الدولار.
وقال برايان روز كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي في يو.بي.إس جلوبال ويلث مانجمنت “ما زلنا نرى الدولار مبالغا في قيمته، ولكن على الأقل في الأمد القريب، من الصعب وجود محفزات من شأنها أن تضعف الدولار”.
وقال المتعاملون إن تنصيب ترامب يوم الاثنين هو أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع هبوط الدولار. في حين ارتفع الدولار بسبب التوقعات بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق، إلا أن تفاصيلها لا تزال غير واضحة.
وقال جون فيليس رئيس قطاع العملات الأجنبية والاستراتيجية الكلية للأمريكتين في بي.إن.واي ماركتس “لا نعرف كيف ستكون مدى قوتها أو كثافتها أو مداها أو ارتفاعها”. قد يؤدي الوضوح على هذه الجبهات إلى تعزيز الدولار بشكل أكبر، مما يجعل الرهان على تراجع الدولار أمرا محفوفا بالمخاطر.
ورأى المتعاملون مدى حساسية الدولار للأخبار المتعلقة بالرسوم الجمركية في السادس من يناير كانون الثاني، عندما انخفض الدولار بنحو واحد بالمئة مقابل سلة من العملات بعد تقرير لصحيفة واشنطن بوست يشير إلى أن مساعدي ترامب كانوا يفكرون في خطط لرسوم محدودة. انتعش الدولار بسرعة بعد أن نفى ترامب القصة.
وإذا استمرت حالة الغموض بشأن الرسوم الجمركية، فسوف يجد المتعاملون صعوبة في التخلي عن رهاناتهم على صعود الدولار.
وقال تيري ويزمان خبير أسعار الصرف العالمية في ماكواري “أعتقد أن الناس ينتظرون، على الأقل الإعلانات السياسية المهمة، قبل إتمام صفقات”.
ويوم الاثنين قال محللو جولدمان ساكس، الذين توقعوا ارتفاع الدولار خمسة بالمئة أخرى هذا العام، إن الدولار قد يرتفع أكثر إذا استمر أداء الاقتصاد الأمريكي أفضل من أقرانه على الرغم من زيادة الرسوم الجمركية، وإذا بدأت الأسواق في توقع رفع أسعار الفائدة الأمريكية وليس خفضها.
وأظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) الشهر الماضي أن برنامج حملة ترامب الانتخابية المتمثل في فرض رسوم جمركية قوية وترحيل بعض المهاجرين أثار بالفعل مخاوف بين صناع السياسات بشأن التضخم.
وقال ويزمان من ماكواري “هناك تحول واضح في النبرة القادمة من مجلس الاحتياطي الاتحادي نحو المزيد من تشديد السياسة النقدية”.
وفي الوقت الحالي، يحظى الدولار بدعم جيد من موجة من المحفزات الإيجابية منها التحسن الكبير في آفاق النمو في الولايات المتحدة وتوقعات خفض مجلس الاحتياطي لأسعار الفائدة.
وأظهرت بيانات حديثة أن نمو الوظائف في الولايات المتحدة تسارع بشكل غير متوقع في ديسمبر كانون الأول، مما عزز النهج الحذر الذي يتبناه مجلس الاحتياطي تجاه خفض أسعار الفائدة هذا العام، لكن بيانات التضخم أمس الأربعاء قدمت دلائل على تراجع ضغوط الأسعار الأساسية، مما دفع الأسواق المالية إلى الرهان على خفض أسعار الفائدة في يونيو حزيران.
وقال آرون هيرد مدير محافظ العملات في ستيت ستريت جلوبال أدفايزرز “الولايات المتحدة تتفوق من حيث العائدات المرتفعة والنمو الأفضل”.
وارتفعت عائدات سندات الخزانة في الأسابيع القليلة الماضية مع ارتفاع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى في 14 شهرا على خلفية البيانات الاقتصادية القوية والتوقعات بأن المركزي الأمريكي انتهى تقريبا من خفض أسعار الفائدة مع استعداده لتطبيق سياسات ترامب.
وفي حين أن هيرد شكل مراكز استثمار تراهن على تراجع الدولار في فترة زمنية تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، فأنه لا يستبعد المزيد من المكاسب القريبة الأجل للعملة الأمريكية.
وقال “لا يزال هناك فرصة قليلة لارتفاع الدولار”.