يتأمل السودانيون عاما جديدا تتوقف فيه أصوات البنادق ويعودون فيه إلى ديارهم التي هُجروا منها بسبب الحرب التي شردتهم بين النزوح في مخيمات داخلية واللجوء إلى دول الجوار.
حرب ما زالت منظمات حقوقية تحذر من تبعاتها، خاصة أنها شهدت استخدام كل الأسلحة، بما فيها القصف العشوائي، من طائرات الجيش السوداني الذي رفض أكثر من مبادرة لحل سلمي.
عاش السودانيون في عام 2024 أسوأ لحظات حياتهم وسط كوارث إنسانية تراوحت بين القتل والنزوح والمجاعة والأمراض الوبائية.
وكان السودانيون استيقظوا في صبيحة الـ15 من أبريل/ نيسان 2023 على اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، داخل العاصمة الخرطوم، سرعان ما تطورت إلى حرب شاملة في أكثر من 70% من الأراضي السودانية.
وما زالت الحرب الطاحنة تدور وسط انسداد الأفق نحو حل تفاوضي يحقق السلام ويعيد أكثر من نصف سكان البلاد إلى ديارهم بعدما أصبحوا مشردين داخليا وخارجيا، فيما بات شبح تقسيم البلاد يخيم على السودانيين.
وفي أحدث إحصاءات حول عدد ضحايا الحرب السودانية، أكد باحثون في بريطانيا والسودان، أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 61 ألفا قتلوا في ولاية الخرطوم خلال أول 14 شهرا من الحرب، مع وجود أدلة تشير إلى أن العدد الكلي أعلى بكثير مما سُجل من قبل، وفق تقرير نشر منتصف نوفمبر الماضي.
وأشار التقرير إلى أن التضور جوعا والإصابة بالأمراض أصبحا من الأسباب الرئيسية للوفيات التي يتم الإبلاغ عنها في أنحاء السودان.
نزوح
ويرى مرتضى أحمد، أحد سكان مدينة أم درمان، أن العام المنصرم يعتبر من أسوأ الأعوام التي عاشها من واقع الحرب التي استهدفت المواطنين في المقام الأول، وفق قوله.
وروى جانبًا من المعاناة التي مرّ بها في العام المنصرم جراء الحرب المندلعة في السودان، قائلا إنه اضطرّ للنزوح من منزله في أم درمان إلى مدينة سنار قبل أن يغادر الأخيرة إلى دولة أوغندا ليعيش لاجئًا فيها، مضيفا “لأول مرة أترك منزلي، كما عشتُ مرارات الفقد لأعزاء ذهبوا بنيران الحرب”.
وتابع يقول: “أنا أستقبل العام الجديد وما زلتُ مثقلًا بالأحزان، لكن يحدوني الأمل في أن يكون العام الجديد عامًا للسلام تضع فيه الحرب أوزارها وينتهي الاقتتال الضاري وأن نعود مجددا للبلاد”.
وأشار إلى أنه لا يستطيع أن يحتفي بالعام الجديد مثلما يفعل الآخرون، حاله كحال السودانيين الذين يعانون ويلات الحرب.
وتابع “لا شيء يدعو للسعادة والابتهاج، ولكن أملنا في ألا تترافق معنا المآسي في العام الجديد، يكفينا ما مررنا به في العام المنصرم، ونأمل أن يعود أطراف الصراع إلى رشدهم ويوقفوا الحرب”.
ويرى مرتضى أن كل مبررات الحرب قد انتفت وأن الشعب أصبح يعاني المجاعة والمرض والموت، مبينا أن تلك مؤشرات تحتم على الجميع ضرورة العمل لوقف الحرب.
صنوف العذاب
من جهته يشير صلاح حسن إلى أن السودانيين مروا خلال فترة الحرب بتجارب لم يعايشوها طوال حياتهم منذ الاستقلال، حيث أصبح أكثر من نصف سكان البلاد مشردين بين النزوح واللجوء بسبب “حرب عبثية”، وفق وصفه.
وحول مبادرات السلام التي كانت تطرح لحل الأزمة، وقابلها الجيش السوداني بالرفض، أعرب حسن عن أمله في أن يعي الجميع “الدرس القاسي” الذي خلفته الحرب على الوطن والمواطن، وأن يستجيب أطراف الصراع الى مبادرات السلام المطروحة محليًا ودوليًا ويجلسوا إلى طاولة المفاوضات من أجل وقف الحرب، وإعادة السودانيين الى وطنهم. وأضاف “هذه أحلام السودانيين التي ينتظرونها في العام الجديد”.
وأشار إلى أن الحرب خلفت دمارًا طال كل شيء من إزهاق الأرواح والتشريد وكل صنوف العذاب، بالإضافة إلى الأمراض، وكذلك الجوع الذي انتشر في مناطق واسعة.
وأضاف: “يجب أن تتوقف الحرب بإرادة طرفيها؛ لأن لا نصر فيها لطرف على آخر، وقد أصبحت وحدة البلاد على المحك”.
وباء ومجاعة
وتقول الأمم المتحدة إن الصراع في السودان تسبب في أكبر أزمة جوع في العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون نسمة إلى المساعدات، في وقت تنتشر فيه المجاعة في 5 مناطق بينها مخيمات للنازحين في دارفور.
ووفقًا لتقرير لجنة مراجعة المجاعة، الذي نشر في الأسبوع الأخير من ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، فإن المجاعة التي تم الإعلان عنها في وقت سابق بمخيم زمزم في ولاية شمال دارفور، استمرت وامتدت إلى مخيمي “السلام وأبو شوك وجبال النوبة الغربية” في الفترة من أكتوبر إلى نوفمبر 2024.
وتوقع التقرير أن تتوسع المجاعة بين ديسمبر/ كانون الأول 2024 وأيار/مايو 2025 في مناطق شمالي دارفور بما في ذلك أم كدادة ومليط والفاشر والطويشة واللعيت، فيما حذر من أن خطر المجاعة يلوح في جبال النوبة الوسطى، وفي المناطق التي من المرجح أن تشهد تدفقات كبيرة من النازحين داخليًا في شمال وجنوب دارفور.
كذلك عانى السودانيون خلال العام المنصرم من أمراض وبائية تفشت بمناطق سيطرة الجيش في شمال وشرق البلاد، خصوصًا “الكوليرا وحمى الضنك” ما تسبب في وفاة عدد من المواطنين.
وبلغ عدد الوفيات بمرض الكوليرا في 8 ولايات (1316) حالة وفاة، و(49554) إصابة، بحسب آخر تقرير لوزارة الصحة السودانية صدر الثلاثاء.