استخدمت أوكرانيا صواريخ أتاكمز الأمريكية في مهاجمة أراض روسية اليوم الثلاثاء، مستغلة تصريحا حديثا منحته لها إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن في اليوم الألف من الحرب.
وذكرت روسيا أن قواتها أسقطت خمسة صواريخ من أصل ستة أُطلقت على منشأة عسكرية في منطقة بريانسك. وأضافت أن حطام أحد الصواريخ أصاب المنشأة وأدى إلى اندلاع حريق سرعان ما أخمد ولم يؤد إلى خسائر مادية أو بشرية.
وقالت أوكرانيا إنها هاجمت مستودع أسلحة روسيا على عمق 110 كيلومترات داخل روسيا في هجوم نجمت عنه انفجارات ثانوية. ولم يحدد الجيش الأوكراني بشكل علني الأسلحة المستخدمة، لكن مصدرا رسميا أوكرانيا ومسؤولا أمريكا أكدا أن كييف استخدمت صواريخ أتاكمز.
وقال مسؤول أمريكي طالبا عدم ذكر اسمه إن روسيا تمكنت من اعتراض صاروخين من أصل ثمانية أطلقتها أوكرانيا وإن الهجوم استهدف نقطة إمداد بالذخيرة.
وأعطى بايدن الضوء الأخضر لأوكرانيا هذا الأسبوع لاستخدام صواريخ أتاكمز، وهي أطول الصواريخ مدى تقدمها واشنطن لكييف، في شن مثل هذه الهجمات في عمق روسيا. وتصف موسكو استخدام الصواريخ المحتمل بأنه تصعيد سيجعل واشنطن طرفا مباشرا في الحرب وسيدفع روسيا إلى الرد.
ووقع الهجوم بالتزامن مع إحياء أوكرانيا ذكرى مرور 1000 يوم على الحرب في وقت تخوض فيه قواتها المنهكة قتالا على جبهات عديدة وتتعرض فيه العاصمة كييف لغارات جوية متكررة. كما يأتي فيما سقط خمس مساحة أوكرانيا في قبضة موسكو وتثور شكوك حول مستقبل الدعم من الغرب بعد عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.
ويمنح الإذن باستخدام صواريخ أتاكمز أوكرانيا قدرة صاروخية باليستية أمريكية جديدة داخل روسيا، إلا أن مداها الذي يصل إلى 300 كيلومتر أقصر بكثير من بعض الصواريخ التي تستخدمها موسكو في مهاجمة أوكرانيا، بما في ذلك صاروخها الفرط صوتي (كينجال) الذي يصل مداه إلى ألفي كيلومتر.
ويقول خبراء عسكريون إن استخدام الصواريخ الأمريكية في مهاجمة مواقع في مثل هذا العمق داخل روسيا قد يساعد أوكرانيا في الدفاع عن مساحة صغيرة من الأراضي الروسية كانت استولت عليها كورقة مساومة، لكن من غير المرجح أن يكون له أثر حاسم على مسار الحرب المستمرة منذ 33 شهرا.
وتقول موسكو إن مثل هذه الأسلحة لا يمكن استخدامها من دون دعم عملياتي مباشر من الولايات المتحدة، لذلك فإن استخدامها يجعل واشنطن مشاركا مباشرا في الحرب.
ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء عقيدة نووية جديدة بغرض أن تمثل تحذيرا لواشنطن فيما يبدو. وتخفض العقيدة النووية الجديدة العتبة التي قد يتسنى لروسيا بموجبها استخدام أسلحة نووية لتشمل الرد على هجمات تهدد وحدة أراضيها.
وقالت واشنطن إن تحديث العقيدة النووية ليس مفاجئا، معتبرة مثل هذا الحديث “غير مسؤول”.
أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فقال إن الخطوة تظهر أن بوتين ليس مهتما بالسلام “لا سيما في هذا اليوم… قدموا استراتيجية للأسلحة النووية. لم؟ لم يقدموا استراتيجية سلام. هل سمعتم ذلك؟ … بوتين يريد الحرب”.
اضطرابات الأسواق
أحدثت تقارير الهجوم الأوكراني اضطرابات في الأسواق، إذ هبطت مؤشرات الأسهم في أوروبا وحققت أصول الملاذ الآمن مكاسب.
ينتقد ترامب نطاق الدعم الأمريكي إلى كييف وقال إنه سينهي الحرب سريعا، من دون توضيح الكيفية. لكن كلا الطرفين يتوقعان أن عودته في غضون شهرين سيصاحبها فيما يبدو دفعة لمحادثات السلام التي لم تنعقد منذ الشهور الأولى من الحرب حسب المعلن.
ويمارس طرفا الحرب التصعيد منذ الأسابيع القليلة الماضية في محاولة لضمان موقع أقوى في أي مفاوضات. ويقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن كييف يتعين عليها بذل قصارى جهدها لإنهاء الحرب العام المقبل من خلال الوسائل الدبلوماسية.
وأضاف في خطاب أمام البرلمان اليوم لإحياء ذكرى مرور 1000 يوم من الحرب “تتحدد هوية المنتصر في الحرب في هذه المرحلة. سواء انتصرنا على العدو، أو انتصر العدو علينا، (وأقصد) الأوكرانيين… والأوروبيين، بل وعلى كل شخص في العالم يرغب في العيش بحرية وألا يكون خاضعا لدكتاتور”.
واحتشد العشرات من المدنيين والجنود خلال المساء في كييف للوقوف دقيقة صمتا وأشعلوا الشموع في فعالية لإحياء ذكرى الحرب وبكى بعضهم.
وقالت يوليا من مدينة ماريوبول التي استولت عليها روسيا في 2022 “انقلبت حياتي رأسا على عقب. لا توجد حياة بالنسبة لي. أريد النصر فقط والعودة إلى الديار. أنا ممتنة لجميع الرجال الذين يدافعون عن بلادنا”.
ولقي ألوف الأوكرانيين حتفهم، ويعيش أكثر من ستة ملايين لاجئين في الخارج، وانخفض عدد السكان بمقدار الربع منذ أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا، مما أدى إلى اندلاع أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
والخسائر العسكرية للحرب فادحة، رغم أنها لا تزال محاطة بالسرية. وتتفاوت التقديرات الغربية العامة المستندة إلى تقارير مخابراتية على نطاق واسع، لكن أغلبها تقول إن مئات الآلاف من القتلى والجرحى سقطوا من كل جانب.
وفي العام الأول بعد الغزو، طردت قوات أوكرانية قوات روسية من مشارف كييف واستعادت السيطرة على أراض. وتحول حرب بلا هوادة منذئذ مدنا في شرق أوكرانيا إلى أنقاض.
وتأمل كييف أن يعزز استيلائها على مساحة صغيرة من الأرض في منطقة كورسك الروسية موقفها في الحرب. وكانت قد استولت عليها بعد أول هجوم كبير لها عبر الحدود في أغسطس آب. وتقول إن روسيا نشرت 50 ألف جندي هناك لمحاولة استعادتها.
وفي تحرك وصفه الغرب بأنه تصعيد، نشرت موسكو 11 ألف جندي من كوريا الشمالية، وتقول كييف إن بعضهم اشتبكوا مع القوات الأوكرانية التي استولت على جزء من منطقة كورسك الروسية. وقال زيلينسكي إن بيونجيانج لديها القدرة على إرسال 100 ألف جندي.
وتواصل روسيا من جهتها التقدم ببطء في شرق أوكرانيا وقالت إنها استولت على بلدة أخرى اليوم.
ومع حلول فصل الشتاء، جددت موسكو يوم الأحد هجومها الجوي على شبكة الطاقة في أوكرانيا في أكبر قصف جوي منذ أغسطس آب.
ولم يتسن بعد سد الفجوات في الموقف التفاوضي للبلدين بشكل علني. فكييف تطالب بانسحاب روسي كامل من جميع الأراضي المحتلة وضمانات أمنية من الغرب مثل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لمنع حدوث هجمات روسية مستقبلية.
ويقول الكرملين إن كييف لا بد أن تتنازل عن جميع طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وأن تسحب جميع قواتها من مناطق تقول روسيا إنها ضمتها منذ غزوها أوكرانيا.