رغم إسقاط واشنطن تنحية رئيس النظام السوري بشار الأسد عن أولوياتها في سوريا، تبدو إسرائيل أكثر من أي وقت مضى مرتاحة للمواقف الأميركية المعلنة من الملف السوري. وأبرز هذه المواقف المعلنة السعي لمحاربة النفوذ الإيراني وتقليص دور طهران في سوريا والمنطقة. وهي تتجه بحسب خبراء لزيادة انخراطها بالصراع الدائر على حدودها إذا كان لتأمين مصالحها أو حجز مقعد لها على الطاولة مع اللاعبين الدوليين الذين سيقررون مستقبل سوريا بعد الانتهاء من عملية تقاسم مناطق النفوذ فيها.
وكان لافتا ما أعلنه غاري كورين، السفير الإسرائيلي لدى روسيا، عن جاهزية تل أبيب للإقدام على عملية عسكرية في سوريا ضد «حزب الله» والقوى الرديفة له إذا شعرت بخطر حقيقي يتهددها من هناك. وقال كورين في حديث لصحافيين روس إن “النظام الإيراني كان مهتما على الدوام بدعم سوريا وحزب الله واستغلالهما أداتين لتهديد إسرائيل وردعها”. وأضاف: “تتعرض أراضينا للقصف المتعمد أو غير المقصود من مختلف أنواع الأسلحة، وجيشنا لا يقف مكتوف الأيدي ويرد على ذلك. إلا أنه وإذا ما تغير الوضع، وشرع “حزب الله” وأي ميليشيا شيعية أخرى أو إيران في حشد جبهة ثانية على مرتفعات الجولان، فإننا لن نقبل بهذا الأمر حينها وسوف نرد في أسرع وقت ممكن”.
أيضاً، اعتبر السفير الإسرائيلي في موسكو أن “حصول طهران على مرفأ في سوريا، والأسوأ من ذلك، تشييد قاعدة عسكرية بحرية لها هناك، لن يصبا في صالح روسيا أو إسرائي على حد سواء”. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أعقاب مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو أخيراً، قد قال إن “إيران تسعى إلى تعزيز حضورها العسكري وبناها التحتية في سوريا، كما تحاول تشييد قاعدة بحرية لها هناك”. وأضاف: “تترتب على جميع هذه الخطوات آثار جدية تنعكس على أمن إسرائيل”.
الباحث المتخصص بالشأن السوري عبد الرحمن الحاج وضع التصعيد الحاصل بالموقف الإسرائيلي في سياق “التناغم مع المواقف الأميركية الجديدة المعلنة، وبالتحديد، تلك المتعلقة بمحاربة النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة”. واعتبر الحاج في تصريح لـ”الشرق الأوسط” أنّه “بعدما كانت التحفظات الإسرائيلية على إدارة الرئيس الأميركي السابق تتركز بشكل أساسي على تعاونها مع طهران، بات اليوم هناك هدف مشترك أميركي – إسرائيلي في سوريا، ما سيحفز الإسرائيليين على الانخراط أكثر بالصراع السوري”. واستطرد: “لا شك أن الإسرائيليين لم يكونوا يتجرأون على استخدام هذه اللغة في عهد أوباما، لكنهم اليوم باتوا على نفس النغمة مع إدارة ترامب”، لافتا إلى أن “تفاقم المخاوف في تل أبيب من النفوذ الإيراني وتسليح “حزب الله”، وكذلك شعور إسرائيل بأن القوى الفاعلة أصبح لها دور في مستقبل سوريا، وهي تدافع عن مصالحها في الداخل السوري، سيدفع تل أبيب لاعتماد سياسات جديدة في مقاربة الملف السوري”.
من ناحية أخرى، بينما كانت المعارضة السورية لا تزال تشدد على أن المواقف الرسمية الأميركية الأخيرة – التي أكّدت أن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد ما عاد من أولويات واشنطن الحالية – ليس إلا امتدادا لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما، فإنها تعوّل على قرار الولايات المتحدة التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة. ولقد وصف عبد الباسط سيدا، عضو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” المعارض هذا القرار بـ”المشجع”، مشدداً لـ”الشرق الأوسط” في الوقت عينه على أن “السلام في سوريا لا يمكن أن يتحقق إذا لم تحل مشكلة الأسد”. ومما قاله سيدا أن “التناغم الأميركي – الإسرائيلي موجود دائما. أما ما هو جديد فالتناغم الروسي – الإسرائيلي – الأميركي الذي بات هو الآخر جزءا من اللوحة”. وأضاف: “الدور الإيراني كان مطلوبا لإيصال الوضع إلى ما هو عليه الآن. ولكن لا يمكن الاستمرار بغضّ النظر عن الدور الإيراني إسرائيلياً أو أميركياً، وذلك تحسباً لاحتمالات غير مرغوب بها”.
وفي الإطار نفسه، تتفادى مصادر قيادية في المعارضة السورية الربط بين التصريحات الأميركية الأخيرة بشأن مصير الأسد وبين مسار جنيف الذي أكد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بوقت سابق أنّه مستمر وأن فريقي النزاع وافقا على المشاركة في جنيف 6 من دون تحديد موعده. وتشير المصادر في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أن “التحول الذي طرأ على الموقف الأميركي لم يطل المضمون بل الشكل، فكلنا يعلم أن مصير الأسد لم يكن يوما أولوية لإدارة أوباما”، وتضيف: “وبالتالي، الخروج لإعلان موقف معروف وكان يتم تطبيقه عمليا لن يؤثر على مسار جنيف، خاصة أن عدم وضع مصير الأسد ضمن الأولويات الأميركية لا يعني أن واشنطن تقبل ببقاء رأس النظام الحالي في المرحلة الانتقالية”.
وتنبه المصادر، من ناحية أخرى، من مسعى موسكو ودي ميستورا لاستثمار الموقف الأميركي المعلن حديثا لدفع المعارضة إلى تقديم تنازلات بما خص الانتقال السياسي في جنيف، مستدركة: “على كل الأحوال المعارضة ليس في هذا الوارد على الإطلاق، وإن كان مصير الأسد ليس أولوية أميركية، إلا أنه يبقى أولوية بالنسبة لنا”.
مصادر