خامنئي ورئيس النظام المخلوع بشار الأسد - أرشيفية
كشف تحقيق أجرته وكالة رويترز بالاعتماد على وثائق مسرّبة من سفارة إيران المنهوبة في دمشق، عن خطة ضخمة كانت طهران تعتزم تنفيذها في سوريا على غرار خطة “مارشال” الأميركية لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. تضمنت الخطة الإيرانية، التي أعدّتها وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في دمشق عام 2022، استثمار عشرات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار سوريا مقابل خلق تبعية اقتصادية وثقافية وسياسية لدمشق تجاه طهران، وتحويل البلاد إلى بوابة نفوذ دائم على البحر المتوسط.
لكن هذه الطموحات انهارت مع سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024 وفراره إلى روسيا. فقد استولى الثوار المناهضون لإيران على العاصمة، ونهبوا السفارة الإيرانية التي عُثر فيها على مئات الوثائق التي توضح مدى تورط إيران الاقتصادي في سوريا، عبر مشاريع متنوعة شملت محطات كهرباء، مشاريع نقل، مواقع دينية، ومنشآت عسكرية.
ورغم توقيع عقود بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار، تعرّضت معظم الاستثمارات الإيرانية للفشل بسبب الفساد السوري، العقوبات الدولية، الهجمات المسلحة، وسوء الإدارة.
من أبرز الأمثلة على هذا الفشل، مشروع محطة كهرباء في اللاذقية بقيمة 411 مليون يورو بقيت مجمّدة، وجسر حديدي على نهر الفرات انهار بعد قصف أميركي، بينما بلغت الديون السورية غير المدفوعة لإيران نحو 178 مليون دولار على الأقل في ملفات السفارة وحدها.
وتعرضت شركات إيرانية مثل “مجموعة مابنا” و”كوبِر وورلد” لخسائر هائلة، وسط مماطلة سورية في السداد واستغلال فاسد للمناقصات.
المسؤول الرئيسي عن تنفيذ الخطة الإيرانية كان عباس أكبرِي، القيادي في الحرس الثوري، حاول عبر “هيئة تطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا” إنقاذ الاستثمارات، لكنه اصطدم بعقبات بنيوية، أبرزها ما وصفه بـ”المافيا الاقتصادية السورية”. ومع نهاية 2024، وبعد الهزائم التي تكبّدتها طهران إقليمياً، كانت إيران قد خسرت نفوذها في سوريا لصالح منافسين مثل روسيا وتركيا.
أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد المنتمي سابقاً لهيئة تحرير الشام، صرّح بأن الشعب السوري “يحمل جرحاً سبّبته إيران” ولن يُشفى سريعاً، في إشارة إلى آثار التدخل الإيراني الطويل. وهكذا، تحوّلت طموحات إيران في بناء إمبراطورية اقتصادية وثقافية في سوريا إلى مشروع فاشل، في مشهد يوازي إخفاقات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
من أبرز مظاهر الفشل قصة شركة “مابنا”، وهي شركة بنية تحتية إيرانية كبرى كلّفت ببناء محطة كهرباء في اللاذقية بقيمة 411 مليون يورو. واجه المشروع عراقيل عديدة، منها فرض النظام السوري على الشركة العمل مع مقاول محلي مقرب من عائلة الأسد، استقدم عمالًا غير مؤهلين، ما أدّى إلى سوء تنفيذ وتوقف العمل. كما كشفت مراسلات من داخل السفارة أن الحكومة السورية غيرت شروط العقود بعد توقيعها، ما اضطر “مابنا” إلى تمويل المشروع بالكامل دون ضمانات، وتحمّلت الشركة تكاليف إضافية تجاوزت عشرات ملايين اليوروهات وسط تأخيرات بالدفع وتقلّبات العملة.
التحقيق يوضح أن الفساد المستشري في مؤسسات النظام السوري و”المافيا الاقتصادية” المتحكمة بالصفقات، كما وصفها تقرير داخلي إيراني، كانت من أبرز أسباب فشل الاستثمارات. إضافة إلى ذلك، أدّت العقوبات الغربية، والهجمات المسلحة، والبيروقراطية المعطلة إلى تجميد أو إلغاء معظم المشاريع.