أطفال في غزة
تعلو بين الحين والآخر أصوات الأطفال في مخيمات النزوح المنتشرة بقطاع غزة، فرحين بإعلان التوصل إلى وقف إطلاق النار بين حركة “حماس” وإسرائيل، لكن خلف تلك الأصوات تختبئ قصص ألم وخسارة وحسرات على فقدان الأحبة.
داخل خيام النزوح البدائية يعيش أطفال غزة واقعا مأساويا بعدما سُلبت طفولتهم بين القصف وألسنة اللهب، يترقبون مستقبلا أفضل، لكن يومياتهم أصبحت مزيجا من الحزن والحنين إلى منازلهم التي تحولت إلى ركام، ومدارسهم التي حُرموا من مقاعدها.
ورغم إعلان وقف إطلاق النار مساء الأربعاء، بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، فإن آثار الحرب التي استمرت نحو 16 شهرا تركت جراحا عميقة ودمارا هائلا ومجاعة ومآسٍ لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على سكان القطاع.
فقدان الأحبة والمنازل والأحلام الكبيرة ترك أثرا عميقا في نفوس الأطفال، وبينما يحلمون بمستقبل واعد بالأمل والسلام، يواجهون يوميات النزوح بمسؤوليات تفوق أعمارهم، منتظرين بفارغ الصبر لحظات دخول الاتفاق حيز التنفيذ الأحد.
ومساء الأربعاء، أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نجاح الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لافتا إلى أنه سيبدأ تنفيذه الأحد المقبل.
وتعيش مئات آلاف الأسر الفلسطينية نفس المعاناة، حيث اضطر أكثر من مليوني شخص للنزوح داخل القطاع، بحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
ويواجه النازحون ظروفا قاسية في المدارس والخيام والشوارع، وسط انعدام المياه والطعام وانتشار الأمراض.
فرحة منقوصة
الطفل مالك السعيدني (13 عاما) نازح من مخيم البريج إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يصف لحظة تلقي نبأ نجاح مساعي التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، قائلا: “فرحنا كثيرا لأننا سنعود إلى منازلنا”.
ويستدرك السعيدني أثناء حديثه قائلا: “لكن الحزن يرافقنا على الشهداء الذين فقدناهم، أنا شخصيا فقدت خالي وابن خالتي، وذكرياتنا الجميلة في بيتنا ذهبت مع الركام”.
ويحلم هذا الطفل بالعودة إلى مقاعد الدراسة، والعيش بأمان وسلام كما كان قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية.
ورغم توقف القصف يبقى واقع الحياة اليومية لأطفال غزة مأساويا، فالسعيدني يمضي يومه في جمع الحطب وتعبئة المياه والبحث عن الغذاء، فيما يلازمه شعور بالخوف الذي لم يتلاش تماما رغم الحديث عن هدنة، بسبب استمرار القصف والمجازر الإسرائيلية.
وعقب الإعلان الاتفاق قتل 83 فلسطينيا بينهم 23 طفلا و27 سيدة، مساء الأربعاء وصباح الخميس، في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة.
أما الفتى رامي النباهين، النازح من مخيم البريج إلى النصيرات، فقد خسر 28 فردا من عائلته بالإضافة إلى منزله خلال حرب الإبادة.
ويستذكر في حديثه مع مراسل الأناضول أصعب المواقف التي عايشها خلال الحرب، والتي تمثلت بمقتل والده جراء قصف إسرائيلي شرق مخيم البريج.
ويقول النباهين: “خرجت مسرعا إلى المستشفى لأتأكد من الخبر، وكانت صدمتي كبيرة حين رأيت جثمان والدي ملطخا بالدماء”.
ويضيف: “تحولت حياتنا إلى البحث عن الطعام والماء بدلا من السعي وراء التعليم وتحقيق الأحلام، حتى بعد الإعلان عن الهدنة، ما زال القلق يلازمنا، لأن الاحتلال لم ينسحب بالكامل، والهدنة لم تدخل حيز التنفيذ بعد”.
أمنيات بسيطة
أما الطفلة رغد السدودي، فتقول: “عندما سمعت أصوات الزغاريد والتكبيرات عرفت أن الحرب انتهت فرحنا كثيرا، لكننا فقدنا أشياء لا تعوض، مثل خالي الذي كنت أحبه كثيرا ومنزلنا الذي دمر بالكامل”.
وتضيف الطفلة النازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى بلدة الزوايدة (وسط): “أكبر أمنياتي أن أعود إلى مدرستي وأعيش طفولتي ككل أطفال العالم”.
وتشارك السدودي أطفال مخيمات النزوح الأمل بعودة الحياة إلى طبيعتها، لكنهم يدركون أن الكثير قد تغير بعد الحرب، كما أن التعليم بات أحد أكبر أحلامهم، حيث يحلمون بالجلوس مجددًا على مقاعد الدراسة وحمل حقائبهم بدلًا من الوقوف في طوابير للحصول على الماء والغذاء.
الطفلة ديما ضاهر، تعبر عن أمنياتها قائلة: “أحلم بالعودة إلى بيتي ومدرستي، كنت متفوقة، وأكثر ما أتمناه أن نعيش بأمان وسلام وأن نجد احتياجاتنا البسيطة التي كانت متوفرة قبل الحرب”.
وتقول ضاهر النازحة من شمال قطاع غزة إلى بلدة الزوايدة: “خسرنا الكثير في هذه الحرب، ولم يبق لنا سوى الأمل بالحياة، نأمل من الجميع أن يقف مع غزة في إعمارها وإعادة بنائها حتى تستعيد عافيتها مجددًا”.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت نحو 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وفي خضم الإبادة، يترقب الفلسطينيون بحذر شديد بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الأحد المقبل، ومراحله المتعلقة بعودة النازحين وإعادة الإعمار بعد حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل لمدة 16 شهرا.