تردد دوي إطلاق النار حول المسعفين والمرضى والنازحين الفلسطينيين خلال ما وصفوه بعملية إخلاء مرعبة وفوضوية تمت ليلا من مستشفى ناصر في غزة بعد أن اقتحمته القوات الإسرائيلية.
وقال الناجون من هجوم الأسبوع الماضي على ثاني أكبر مستشفى في غزة إنهم خاضوا بعد ذلك غمار رحلة محفوفة بالمخاطر سيرا على الأقدام تحت جنح الظلام للوصول إلى بر الأمان، يمرون بالجثث المتناثرة على طول الطريق.
وقال أحد الأطباء إن ممرضا احتجز عند نقطة تفتيش إسرائيلية، وجرد من ملابسه واقتيد وهو يصرخ.
وقال الطبيب أحمد المغربي، رئيس قسم الجراحة التجميلية إن الدخان كان يخيم في كل مكان والناس يركضون هنا وهناك واصفا الوضع بأنه أشبه بيوم القيامة.
وأضاف المغربي الذي لجأ مع عائلته إلى مأوى بالقرب من المستشفى التي يعمل فيها حاليا إن القوات الإسرائيلية أمرت الجميع بالإخلاء باستثناء المرضى غير القادرين على المشي والمسعفين الذين يعتنون بهم.
وتكشفت تفاصيل الهجوم العسكري على مستشفى ناصر تدريجيا مع وصول الأشخاص الذين فروا أو تم إجلاؤهم إلى رفح، آخر مكان آمن نسبيا في قطاع غزة على بعد نحو 10 كيلومترات من الحدود مع مصر.
ووصفت إسرائيل الهجوم بأنه عملية دقيقة نفذتها قوات خاصة بهدف انتزاع جثث الرهائن الإسرائيليين. وأضافت أنه لم يكن هناك أي نوع من الإجبار للمرضى والموظفين على المغادرة، وأن جهودا بُذلت لضمان استمرار المستشفى في العمل.
وأثارت الغارة قلق وكالات الإغاثة، وقالت منظمة الصحة العالمية إن حجم الأضرار “لا يوصف”.
ونفذت منظمة الصحة العالمية عمليتي إجلاء من مستشفى ناصر منذ يوم الخميس، لكنها قالت اليوم الثلاثاء إنها تشعر بالقلق تجاه نحو 150 مريضا ومسعفا ما زالوا هناك مع استمرار القتال.
وبعد حصار، دخلت القوات الإسرائيلية المستشفى يوم الخميس الماضي وقالت إنها اعتقلت مئات المسلحين المختبئين هناك وإن بعضهم كانوا يتظاهرون بأنهم من العاملين بالمستشفى.
ونفت حماس استخدام المستشفى ووصفت مزاعم إسرائيل بأنها “أكاذيب”. وقالت وزارة الصحة في غزة إن إسرائيل احتجزت 70 موظفا ومتطوعا يعملون في المنشأة.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن المستشفى توقف عن العمل الأسبوع الماضي بعد الحصار والعملية الإسرائيلية، ولم تعد فيه كهرباء أو مياه جارية، فيما توفر النفايات الطبية والقمامة أرضا خصبة للأمراض.
ومستشفى ناصر هو أكبر مستشفى ما زال يعمل في غزة بعد أكثر من أربعة أشهر من الحرب التي بدأت بعد أن هاجم مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة، وفقا للإحصائيات الإسرائيلية.
وتقول السلطات الصحية في القطاع الذي تديره حماس إن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة أدت منذ ذلك الحين إلى مقتل أكثر من 29 ألف فلسطيني.
وقال حكيم سالم حسين بركة إن قسم العظام في مستشفى ناصر، الذي كان يعمل متطوعا به، أصابه الدمار وإنه رأى بعينيه أحد المرضى وقد مزق انفجار جسده إلى نصفين.
وأضاف بركة “اشتد القصف علينا ووصل لأحد غرف المرضى وتم استشهاد مريضين، (منهم) شخص مجهول الهوية. وشدة الصاروخ كانت مباشرة وبالتالي انقسم المريض الى جزئين، جزء كان عندنا بالقسم والجزء التاني كان خارج المبنى… كانوا مصابين وزادت الاصابات. قسم العظام اتدمر بالكامل. كوادكوبتر (مسيرة) اتعدت على غرفة المؤتمرات وكان متواجد اطباء في وقت استراحة بين الشفتات واتفاجأوا ان الكوادكوبتر فاتت عليهم واطلقت النيران عشوائي وفيه دكتور أصيب بشظية في الرأس وكانت الأمور مش حرجة”
وأضاف بركة أن كلابا “شرسة” وضع الجيش الإسرائيلي كاميرات حول رقابها تجولت في المستشفى.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته خاضت “معارك معقدة” قبل دخول مجمع المستشفى وتعرضت لقصف صاروخي من مقاتلين متحصنين داخله. وقالت إن القوات عثرت على كميات كبيرة من الأسلحة والمركبات المرتبطة بهجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وقال الكولونيل موشيه تيترو، قائد مديرية التنسيق والارتباط في غزة، في مؤتمر صحفي “أعطينا الناس فرصة للإخلاء قبل دخولنا المستشفى”. وردا على سؤال عما إذا كان هناك أي إطلاق نار أو قتال داخل المستشفى، قال “لا”.
وقالت رسمية سليم أبو جاموس، وهي مريضة كلى فرت مع زوجها “أنا رجعت أنا وجوزي … كنت باغسل… طيحوا السور علينا من برا (من الخارج) وغرفة الدكتور. قالوا يلا اطلعوا وأطلقوا النار علينا وقنابل ولقينا صواريخ فوق روسنا من فوق وهدوا المبنى من فوق وطلعنا من المبنى عومنا (خضنا) أنا وجوزي في (مياه) المجاري وأما طلعنا من عند اليهود أخدوا جوزي”.
وأضافت أنه كان من بين الأشخاص الذين اعتقلوا عند نقطة تفتيش عسكرية بعد خروجهم من المستشفى.
وقال الطبيب المغربي إن جناحه أصيب بنيران إسرائيلية، وإنه يعتقد أن ثلاثة مرضى قتلوا في الغارة. ولم تتمكن رويترز من التحقق من ذلك.
وقال إنه وعائلته غادروا المستشفى مع ثلاثة مرضى وبعض الموظفين، لكن تم إيقاف ممرض القسم.
وقال المغربي إن أولئك الذين نجحوا في عبور نقطة التفتيش قطعوا مسافة طويلة عبر ساحة المعركة حتى يحصلوا على مساعدة. وكان البعض مريضا أو مصابا.
وقال براء أحمد أبو مصطفى، الذي كان يستخدم عكازين غير متناسبتين، إن أعيرة نارية كانت تُطلق فوق رؤوسهم أثناء المغادرة وإنهم شاهدوا جثثا قرب مدخل المستشفى.
وأضاف أنه رغم إصابته ظل يسير لمدة ساعة في طريق وعر محفوف بالمخاطر.