اعتبر محللون سياسيون وخبراء في الشأن الدولي، أن صراعاً يدور داخل “الدولة العميقة” يقف وراء “ضبابية” الموقف الأمريكي في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية.
وعادةً ما تُطلق تسمية “الدولة العميقة” على القوة أو الحكومة الخفية التي تمتلك صلاحيات واسعة، وتمارس عملها ضمن سلطات رسمية ومنتخبة في الدول.
وأشاروا، في أحاديث لـ”إرم نيوز”، إلى أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، انعكست على تعامل واشنطن مع الحرب الروسية الأوكرانية.
وأرجع المحللون الغموض في المواقف الأمريكي بالتعامل مع الحرب في أوكرانيا، الذي يشهد تقلبات “مباشرة أو غير مباشرة”، إلى الصراع القائم بين أركان الدولة العميقة في أمريكا.
وأوضحوا أن ذلك يعود إلى وجود تيار يدعم فكر الحزب الجمهوري، بضرورة إنهاء الحرب على وضعها الحالي دون الاكتراث بنتيجتها أو تحقيق ذلك مكاسب لروسيا، وتيار يساند فكر الحزب الديمقراطي، بالعمل على دعم أوكرانيا بشتى الأشكال حتى آخر لحظة والبقاء على قوة حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وبيّنوا أن الإدارة الحالية، على الرغم من كونها “ديمقراطية” ممثلة في الرئيس جو بايدن، إلا أن هناك صراعًا داخل السلطة بين أركان الدولة العميقة، الذين يساهمون في ضبابية الموقف.
ولفتوا إلى أن بعض الأطراف في الداخل الأمريكي، ينتظرون ماهية الرئيس الذي ستفرزه الانتخابات المُقبلة، التي يتنافس فيها الرئيس الأسبق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي يريد إنهاء الحرب دون الاكتراث بوضع أوكرانيا وحلف “الناتو”، والمرشحة الديمقراطية ونائب الرئيس الحالي كامالا هاريس، والتي تتمسك بسياسة دعم أوكرانيا أمام روسيا.
غموض
ورأى الباحث المتخصص في الشؤون الدولية، ناصر عيسى، أن غموض السياسة الأمريكية تجاه حرب أوكرانيا، تقوده مؤسسات الدولة العميقة في أمريكا، التي تشهد صراعات ذات تيارين.
وأضاف أن التيار الأول يتمسك بضرورة إبقاء واشنطن على دعم أوكرانيا، وعدم السماح لروسيا بتحقيق الانتصار، وهو ما تقوم عليه إدارة “بايدن” بشكل كبير مع شركائها الغربيين لا سيما ألمانيا.
وبين عيسى، أن هناك تيارًا آخر في مراكز اتخاذ القرار الأمريكي ضمن ما يُعرف بـ”الدولة العميقة”، يرى ضرورة إنهاء الحرب الأوكرانية بأي شكل، وإعادة النظر في شكل ومضمون دعم الولايات المتحدة لـ”الناتو”.
ولفت إلى أن ذلك التيار يتوافق مع السياسة، التي يعلن ترامب، عن تنفيذها من جانبه في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، بحديثه عن سعيه إلى إنهاء الحرب بمجرد إعلان فوزه وحتى قبل استلام منصبه بشكل رسمي في شهر كانون الثاني/يناير المقبل، إذا عاد إلى البيت الأبيض.
وأكد عيسى أن إدارة بايدن تحاول اتخاذ قرارات كما خرجت من قمة “الناتو”، التي عقدت، مؤخرًا، في واشنطن، تزيد الدعم الأمريكي، وتربط السياسة الأمريكية بمساندة أوكرانيا وحلف “الناتو” من خلال بعض القرارات، التي يصعب على الرئيس المنتظر التعامل معها أو إبطال مفعولها إذا كان ضدها.
ونوَّه إلى أن “هناك قرارات خرجت عن الإدارة الأمريكية عبر قمة الناتو تتعلق بالتعامل مع الحرب الأوكرانية، لكن هناك من يعطلها من أركان الدولة العميقة، مما يجعل ظهور بعض الغموض في الموقف الأمريكي، حيث يعمل هذا الطرف على تخفيض التزامات أمريكا تجاه الناتو، وتراجع أشكال الدعم السياسي والاقتصادي لأوكرانيا.
دعم غير مسبوق
وبدوره، قال المحلل السياسي أحمد محارم، من نيويورك، إن الداخل الأمريكي يشهد اختلافًا في التعامل مع الحرب الأوكرانية من فترة إلى أخرى.
وبين أنه، حاليًا، هناك دعم غير مسبوق، الأمر الذي ظهر مع توافد أسلحة هجومية على الجيش الأوكراني من بعض دول حلف “الناتو”، مع سماح أمريكا بإرسال مقذوفات هجومية، رغم أن موسكو حذرت من ذلك، لاسيما أن الدعم الأمريكي الحالي ليس على مستوى التسليح فقط.
وأوضح محارم، أن دخول القوات الأوكرانية، أخيرًا، إلى عمّق الأراضي الروسية بحوالي 1200 كم ، يكشف أن المساندة ليست على مستوى السلاح فقط، وأن هناك دعمًا لوجيستيًا واستخباراتيًا وأيضًا تدريبيًا.
وبيّن أن إدارة بايدن تحاول، قدر الإمكان، أن يتحقق نصر في أوكرانيا ضد روسيا، لتنهي الإدارة الحالية خدمتها بعد 4 سنوات على أنها قدمت ما يفيد الولايات المتحدة في هذا الملف.
ماهية الرئيس المُقبل
ومن جهته رجح الباحث المختص في الشأن الروسي مراد راشد، بأن التعامل غير الواضح من جانب روسيا، وعدم اتخاذ موقف مباشر تجاه ما تحرزه القوات الأوكرانية، أخيرًا في منطقة كورسك وما حولها، يخضع إلى حد ما، إلى مؤشرات ماهية الرئيس الأمريكي القادم، الذي ستتخذ على إثره موسكو القرار.
ولفت إلى أنه في حال مجيء ترامب، سيعمل على إنهاء الحرب الأمر الذي لن يجعل موسكو تقوم بخطوات تكلفها اقتصاديًا وماديًا الكثير، لذلك من الممكن أن المواجهة ورد الفعل الروسي يرتبطان، إلى حد كبير، بنتائج الانتخابات الأمريكية.
وبيّن راشد أن “روسيا ترى أن في حال مجيء ترامب للسلطة لن يكلفها اقتصاديًا في التعامل مع الموقف الحالي، وأن هذه التكلفة من الأفضل حينئذ أن توجه إلى أهداف تتعلق بنفوذ حلف الناتو”.