جددت حرب غزة التركيز على حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما زالت دول كثيرة تعتبر هذا الحل طريقا إلى السلام على الرغم من توقف المفاوضات منذ سنوات.
وبعد أكثر من سبعة أشهر من أعنف حرب إسرائيلية فلسطينية حتى الآن، قالت واشنطن إنه لا وسيلة لحل القضايا الأمنية الإسرائيلية وللاضطلاع بالمهمة الصعبة المتمثلة في إعادة إعمار غزة بغير إقامة دولة فلسطينية.
وفي 22 مايو أيار، أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية قريبا للمساعدة في إنهاء الحرب، وإطلاق سراح الرهائن وإحياء محادثات السلام. وقالت الدول الثلاث إنها تأمل في أن تحذو الدول الغربية الأخرى حذوها.
ورحبت السلطة الفلسطينية التي تمارس حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي بالقرار بينما استدعت إسرائيل سفراءها احتجاجا، قائلة إن مثل هذه التحركات قد تعرض سيادتها وأمنها للخطر.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لن يتنازل عن سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على منطقة غرب الأردن، وهذا يتعارض مع قيام دولة فلسطينية يقول إنها ستشكل “خطرا وجوديا” على إسرائيل.
ولطالما عرقلت العقبات هذا الحل الذي يقوم على أساس دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
ومن بين هذه العقبات المستوطنات اليهودية في أراض محتلة يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها، وتشدد المواقف نحو قضايا أساسية مثل القدس.
* ما جذور حل الدولتين؟
تبلور هذا الحل مع احتدام الصراع بين اليهود والعرب في فلسطين حين كانت خاضعة للانتداب البريطاني. كان اليهود يبحثون عن وطن قومي بعد فرارهم من الاضطهاد في أوروبا واستندوا في ذلك إلى روابط توراتية بهذه البقعة من الأرض.
وفي عام 1947، وافقت الأمم المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية وأخرى يهودية مع خضوع القدس لإدارة دولية. وقبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 بالمئة من الأرض، ورفضتها الجامعة العربية.
ثم أُعلنت ما يسمى ب”دولة إسرائيل” في 14 مايو أيار 1948. وبعد يوم واحد، هاجمتها خمس دول عربية. وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 بالمئة من الأراضي.
وفر نحو 700 ألف فلسطيني أو طُردوا من ديارهم، وانتهى بهم المطاف في الأردن ولبنان وسوريا وأيضا في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفي حرب 1967، استولت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وعلى غزة من مصر لتحقق سيطرتها على كل الأراضي من البحر المتوسط إلى غور الأردن.
وما زال الفلسطينيون بلا دولة، ويعيش معظمهم تحت الاحتلال الإسرائيلي أو كلاجئين في الدول المجاورة. ويحمل بعضهم الجنسية الإسرائيلية. ومعظم من يحملون الجنسية الإسرائيلية هم من نسل الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد قيامها.
* هل أُبرمت صفقة من قبل؟
كان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة التي دشنتها اتفاقات أوسلو عام 1993 والتي وقعها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
وأدت الاتفاقات إلى اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء سلطة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكان الفلسطينيون يروادهم الأمل في أن تصبح هذه خطوة نحو إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
واصطدمت العملية بالرفض على كلا الجانبين.
ونفذت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجمات استشهادية أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين، وفي عام 2007، استولت على غزة من السلطة الفلسطينية في حرب أهلية قصيرة. ويدعو ميثاق حماس الصادر عام 1988 إلى زوال إسرائيل رغم أنها قالت في السنوات القليلة الماضية إنها ستقبل بدولة فلسطينية على حدود عام 1967. وتقول إسرائيل إن تحول حماس خدعة.
وفي عام 2000، جمع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في كامب ديفيد للتوصل إلى اتفاق، لكن جهود كلينتون باءت بالفشل.
وكان مصير القدس التي تصفها إسرائيل بأنها عاصمتها “الأبدية وغير القابلة للتقسيم” هو الصخرة الكبرى أمام جهود السلام.
وتصاعد الصراع مع بدء الانتفاضة الثانية. وسعت الإدارات الأمريكية إلى إحياء عملية السلام، لكن دون جدوى.
* كيف قد تبدو فلسطين؟
يتصور المدافعون عن حل الدولتين وجود فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية يربطها ممر عبر إسرائيل.
وقبل عقدين، أعد مفاوضون إسرائيليون وفلسطينيون سابقون مخططا أو وثيقة لكيفية تطبيق ذلك.
وتضمن المخطط، المعروف باسم مبادرة جنيف أو وثيقة جنيف، الاعتراف بالأحياء اليهودية في القدس كعاصمة لإسرائيل، والاعتراف بالأحياء العربية كعاصمة لفلسطين، وبدولة فلسطينية منزوعة السلاح.
ووفقا للمخطط تضم إسرائيل مستوطنات كبيرة وتتنازل عن أراض أخرى في مبادلة، وتنقل المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية ذات السيادة لتوطنهم في مناطق أخرى.
* ما حجم العقبات؟
استفحلت العقبات مع مرور الوقت.
وسحبت إسرائيل المستوطنين والجنود من غزة عام 2005، وتوسعت المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقالت منظمة السلام الآن الإسرائيلية في إن عدد المستوطنين ارتفع من 250 ألفا في عام 1993 إلى 695 ألفا بعد ثلاثة عقود. ويقول الفلسطينيون إن هذا يقوض أساس الدولة القادرة على الحياة.
وأثناء الانتفاضة الثانية، أقامت إسرائيل أيضا جدارا عازلا قالت إنه يهدف لوقف الهجمات الفلسطينية، لكن الفلسطينيين يصفونه بأنه استلاب للأرض.
وتدير السلطة الفلسطينية بقيادة عباس جزرا منعزلة في أراضي الضفة الغربية تحيط بها مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية تشكل 60 بالمئة من الأراضي، تتضمن الحدود الأردنية والمستوطنات، وهي ترتيبات منصوص عليها في اتفاقيات أوسلو.
وتفاقمت التعقيدات بسبب واقع مجريات السياسة.
فحكومة نتنياهو هي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل وتضم قوميين متدينين يستمدون الدعم من المستوطنين. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش العام الماضي إنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني.
واكتسبت حماس قوة سياسية وعسكرية، وفازت في الانتخابات عام 2006، وبعدها بعام أخرجت القوات الموالية لعباس من غزة، مما أدى إلى تفتيت الفلسطينيين سياسيا.
* هل يوجد طريق للمضي قدما؟
مصير غزة هو المسألة الملحة في الوقت الراهن.
وتستهدف إسرائيل القضاء على حماس وتقول إنها لن توافق على أي اتفاق يبقي الحركة في السلطة. وقال نتنياهو إنه يتعين أن تكون غزة منزوعة السلاح وتحت سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة.
وقال أيضا إنه لا يريد أن تحكم إسرائيل غزة أو تبني مستوطنات هناك من جديد.
وتقول حماس إنها تتوقع الصمود وإن من المستحيل استبعادها من أي ترتيبات بخصوص غزة.