أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مارس 2011 وحتى أواخر الشهر الحالي، العديد من مراسيم “العفو العام”، شملت في كثير من الأحيان المعارضين والمنشقين و”الفارين” من الخدمة العسكرية في القوات النظامية، ومع ذلك فإنها لم تساهم في إنهاء الأزمة الدامية التي أودت بحياة نحو نصف مليون شخص، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، أصدر الأسد يوم أول أمس الأحد مرسوما تشريعيا يتضمن “عفوا عاما” عن جرائم الفرار (من الخدمة العسكرية)، والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخ 22 سبتمبر الحالي، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية “سانا”.
ويقضي المرسوم بـ”عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عنها في قانون العقوبات العسكرية، دون أن تشمل أحكام هذا المرسوم المتوارين عن الأنظار والفارين عن وجه العدالة”، إلاّ إذا سلموا أنفسهم خلال 3 أشهر في ما يخص الفرار الداخلي، و4 أشهر للفرار الخارجي.
وفي تعليقه على ذلك، أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “المرسوم الجديد ليس سابقة أو أمرا غير معتاد، فقد أصدر بشار الأسد ما لا يقل عن 18مرسوما مماثلا منذ العام 2011، وحتى الآن”.
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، قد وثقت حتى نهاية أغسطس الماضي، مسؤولية نظام دمشق عن استمرار اعتقال وإخفاء قسري لـ136 ألفا و614 شخصا في سجونه، بينهم نحو 3700 طفل وثمانية آلاف و500 امرأة.
العفو.. و”التسويات”
ولدى سؤاله عن توقيت المرسوم الجديد، أجاب عبد الرحمن: “العفو شمل (الفارين) من الخدمة العسكرية الإلزامية، لأنه كان هناك اتفاق بشأن ما يسمى (مناطق التسويات أو المصالحات) يلزم الشبان الذين كانوا يقطنون فيها ولم يقرروا الذهاب إلى الشمال بتسوية أوضاعهم والالتحاق بالقوات النظامية”.
وكانت العاصمة الكازاخستانية، أستانا، قد شهدت في 4 مايو من العام 2017 توقيع كل من روسيا، وإيران تركيا كـ”دول ضامنة” لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في سوريا، اتفاقا يتضمن إنشاء مناطق لـ”تخفيف التصعيد”.
وأوضح عبد الرحمن أن “الشبان في مناطق جنوب دمشق وغربها وفي درعا وبعض بلدات وقرى حمص وغيرها، من الذين لم يقبلوا بالتهجير إلى الشمال السوري، ملزمون بحسب اتفاقيات وشروط وضعها نظام الأسد بأن يلتحقوا بالخدمة في القوات النظامية سواء كان فارين أو منشقين أو لم يسبق لهم الالتحاق بالجيش النظامي في مقابل عدم ملاحقتهم أو اعتقالهم”.
“لا جديد تحت الشمس”
من جانبه رأى الصحفي والحقوقي، عبد الكريم الثلجي، في حديث إلى موقع “الحرة” أن “العفو الذي أصدره رأس النظام بشار الأسد لم يأت بجديد، وإن كان في مجمله يهدف إلى زعزعة أمن المجتمع السوري في وقت يتم الحديث فيه عن حلول سياسية ومبادرات من دول عربية واقليمية”.
وتابع: “كما أن كافة قوى المعارضة بكل أطيافها وتوجهاتها، ليس لديها أدنى ثقة بقرارات النظام وحكومته، إضافة إلى أن القناعة المترسخة مفادها أن أي قرار أو مرسوم أو قانون يصدره النظام هو لزيادة تمكينه في السلطة وليس بهدف إصلاحات أو انفراجات تبدد مخاوف المعارضين أو الدول التي تسعى إلى إيجاد مبادرات حل سياسي في سوريا”.
ونوه الحقوقي السوري إلى أن “مرسوم (العفو) الأخير يسمح لأجهزة المخابرات والأمن باستجواب الفارين من (الخدمة الإلزامية) سواء كان فرارهم إلى خارج البلاد أو داخلها، مما يعطيها صلاحيات تزيد من انتهاكاتها بحق السوريين، كما تمنح تلك المراسيم النظام سلطة تعديل الوصف القانوني للجريمة بحيث يعتبرها مشددة بحق (المتهم)”..
واستنتج تقرير سابق “لشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن كثافة وتكرار المراسيم التي يصدرها النظام السوري والتي لا تستهدف المعتقلين السياسيين قد تسببت في الضرر في السياسة العقابية التي تنتهجها الدولة في مكافحة الجريمة عبر إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم.
وأوضحت الشبكة أن إصدار ما يسمى بـ”مراسيم العفو” بتلك الوتيرة قد أدى إلى حدوث خلل في عمل إجراءات المحاكم بمختلف اختصاصاتها، لافتا إلى أن ذك قد ساهم في اعتياد القضاة على تأجيل إصدار الأحكام في طيف واسع من القضايا التي ينظرون بها لشيوع عادة إصدار المراسيم وتشميلها بها.
ووفقا للشبكة الحقوقية فإن سلطات النظام كانت قد اعتقلت ما لا يقل عن 209 شخصا احتجازاً تعسفياً بينهم 14 طفلاً، و3 سيدات، تمَّ توثيقها في يوليو من العام الجاري، موضحة أن النظام قد اعتقل 17 شخصاً من المعادين “قسرياً” من لبنان.
وفي نفس السياق، قال عبد الرحمن: “كما ذكرنا آنفا، فقد أصدر العديد من مراسيم (العفو العام) منذ انطلاقة الثورة قبل أكثر من 13 عاما. ولكن كم عدد المعارضين الذين خرجوا من سجون النظام؟”.
وتابع: “في سجون ومعتقلات بشار الأسد يوجد عشرات آلاف المعتقلين السياسيين والمعارضين، وللتحديد أكثر يمكن القول إن هناك نحو 50 ألف معتقل قد قضوا أو لم تسلم جثثهم إلى ذويهم، بالإضافة إلى 50 ألفا آخرين لا يزالون يقبعون خلف القضبان”.
وأما الثلجي، فنبه إلى أن “جميع السوريين المعارضين متهمون بجرائم الإرهاب والمتعلقة بـ (أمن الدولة الداخلي والخارجي)، والتي لم يشملها أي مرسوم عفو”.
وزاد: “وبإصدار هذا المرسوم يرتفع عدد مراسيم العفو الصادرة منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 إلى 24 مرسوماً، دون أن تفضي إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو المختفين قسرياً”.
وأكد أن ” بشار الأسد قد أصدر منذ بداية العام الحالي 38 مرسوماً وقانوناً، بمعدل 3 إصدارات أسبوعياً، وهو رقم قياسي مقارنة بالسنوات السابقة”.
وأردف: “ورغم الطابع الإصلاحي الذي تسعى هذه المراسيم إلى إظهاره، فإنها تواجه انتقادات واسعة، خاصة في ما يتعلق بمراسيم العفو الصورية التي لا تفرج عن المعتقلين السياسيين”.
وعلى صعيد متصل، أكد عبد الرحمن “أن سوريا لا تزال بلدا غير آمن للعودة إليها”، مردفا: “من يعود إلى مناطق سيطرة النظام سوف يكون مضطرا لدرجة الإكراه، أو أنه أجبر على العودة بشكل قسري، فالظروف الأمنية والاقتصادية البائسة تجعل العيش في تلك المناطق أشبه بالجحيم”.