تستخدم إسرائيل بروتوكولات عسكرية عديدة في قطاع غزة، ورغم اختلاف أسمائها إلا أن هدفها واحد، وهو الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وسط تخاذل دولي مستمر ودعم أمريكي مطلق.
البعوض، الدبور، الضاحية، الحزام الناري، هانيبال.. أسماء بروتوكولات عسكرية يستخدمها الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر في غزة منذ اندلاع حرب الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هذه الإبادة أسفرت حتى الآن عن أكثر من 143 ألف و500 شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب الإبادة، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
** البعوض
رغم حظر القانون الدولي استخدام مدنيين دروعا بشرية أو إجبارهم على المشاركة في الحروب، إلا أن الجيش الإسرائيلي تدرّع بمدنيين فلسطينيين في غزة اعتقلهم أثناء الحرب، لدخول أماكن “يُحتمل أن تكون مفخخة”.
واعترف جندي إسرائيلي، في حديث لقناة “سي إن إن” الأمريكية، باستخدام الجيش “بروتوكول البعوض” في القطاع، وقال إنه “يعد ممارسة شائعة بين القوات الإسرائيلية في غزة”.
وأوضح الجندي، في 24 أكتوبر الجاري، أنه أثناء خدمته العسكرية “أحضر ضابط إسرائيلي كبير فلسطينيين محتجزين عمرهما 16 و20 عاما، وطلب من الجنود استخدامهما دروعا بشرية قبل دخول المباني”.
اتهام الجندي الإسرائيلي لجيشه أكده، حسب القناة، الفلسطينيان محمد شبير (16 عاما) ومحمد سعد (20 عاما)، وهما المحتجزان اللذان استخدمهما الجنود دروعا بشرية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي توثق فيها وسائل إعلام استخدام “بروتوكول البعوض” في غزة، ففي 12 أكتوبر الجاري، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن جنود ومسؤولين إسرائيليين إن الجيش استخدم فلسطينيين دروعا بشرية.
وأكدت الصحيفة أن “ما لا يقل عن 11 فريقا، مكونا من جنود وعناصر مخابرات إسرائيليين، استخدموا فلسطينيين دروعا بشرية في 5 مدن بقطاع غزة”.
وبعد 5 أيام من نشره، وصفت الولايات المتحدة في 17 أكتوبر الجاري الوقائع الواردة في تقرير الصحيفة “إن كانت صحيحة”، بأنها “مزعجة للغاية وغير مقبولة على الإطلاق”.
وقال متحدث الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، الذي تدعم بلاده حرب الإبادة في غزة، إن واشنطن ترى أن تحقيق السلطات الإسرائيلية في هذه الادعاءات “مناسب تماما”.
** الدبور
استخدام المدنيين دروعا بشرية شمل أيضا “أفرادا أو معتقلين” فلسطينيين نقلهم الجيش الإسرائيلي إلى داخل غزة، لإجبارهم على أداء مهام خطيرة لا يمكن للعسكريين تنفيذها، ويُطلق على هذه العمليات اسم “بروتوكول الدبور”.
وقالت وسائل إعلام أمريكية، بينها “نيويورك تايمز” في 16 أكتوبر الجاري، إن “بروتوكول الدبور” يشير غالبا إلى أسرى “فلسطينيين جلبهم ضباط المخابرات الإسرائيلية إلى غزة من داخل إسرائيل لأداء مهام قصيرة ومحددة”.
وعقب يومين من تقرير للصحيفة، حذّر رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين (حكومية) قدورة فارس من الخطر المحدق بحياة آلاف المعتقلين في سجون إسرائيل، وأنهم معرضون للموت بسبب انتهاكات عديدة بحقهم.
واتهم فارس الجيش الإسرائيلي بـ”استخدام أسرى فلسطينيين دروعا بشرية تمهيدا لقتلهم حتى تدفن قصصهم معهم”، واصفا هذا الانتهاك بأنه “عمل غير أخلاقي من الدرجة الأولى”.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تجاوزت حصيلة المعتقلين 11 ألفا و400 فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفق مؤسسات الأسرى، فيما تغيب أرقام دقيقة عن الأسرى من غزة بسبب تعتيم وإخفاء قسري إسرائيلي.
ورغم توثيق استخدام إسرائيل بروتوكولي “البعوض” و”الدبور” خلال حرب الإبادة في غزة، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين ينفون صحة التقارير عن استخدامهما، ويعتبرونها “ادعاءات كاذبة” و”حالات فردية لا تمثل الجيش”.
وزعم متحدث الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز” يوم 2 يوليو/تموز الماضي، أنه عندما يرتكب جنود إسرائيليون انتهاكات جسيمة بحق مدنيين فلسطينيين يتم التحقيق معهم وتُتخذ بحقهم إجراءات.
** الضاحية
ولتعزيز الإبادة الجماعية والتدمير على نطاق واسع تستخدم إسرائيل في غزة برتوكولا عسكريا إضافيا هو “الضاحية”.
ويعني هذا البروتوكول استخدام القوة المفرطة وقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية للضغط على المقاتلين الفلسطينيين لقلب موازين الحرب.
وللمرة الأولى طبقت إسرائيل هذا البروتوكول خلال الحرب على لبنان عام 2006، واشتقت اسمه من الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، التي تضم مقار “حزب الله”، ثم أصبحت تستعمله في حروبها اللاحقة بغزة والضفة الغربية.
وحتى منتصف 2024، قُدر دمار البنية الحضرية والمساكن في محافظة غزة بنسبة 80 بالمئة والبنية التحتية 90 بالمئة.
فيما قدُر دمار البنية الحضرية والمساكن بمحافظة شمال غزة بنسبة 95 بالمئة والبنية التحتية 100 بالمئة، حسب أرقام الأمم المتحدة.
** الحزام الناري
بموازاة بروتوكول “الضاحية”، الذي تزعم إسرائيل أنه “تكتيك مشروع يساعدها لردع هجمات مستقبلية ضدها”، استخدم الجيش بروتوكولا شبيه الأثر يشتهر في الإعلام بـ”الحزام الناري”.
ويعرّف منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي “الحزام الناري” بأنه “غارات متزامنة مكثّفة وقوية على أهداف عدة بالمنطقة نفسها لتضييق الخناق على الطرف المعادي والحد من قدرته على الرد”، وفق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وأضافت الهيئة، في 23 أكتوبر الجاري، أن إسرائيل تستخدم البروتوكول ضد المقاتلين والتجهيزات العسكرية والمباني الاستراتيجية، لتمهيد الطريق أمام قواتها البرية أو أسلوب تضليل لتشتيت الانتباه.
وأكد استخدام البروتوكول اتباع الجيش الإسرائيلي الأسلوب نفسه لأكثر من عام في مناطق عدة بقطاع غزة، أحدثها ما أعلن عنه متحدث الدفاع المدني في غزة محمود بصل في 20 أكتوبر الجاري.
وقال بصل، في بيان، إن “قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت بحزام ناري مربعا سكنيا في مشروع بيت لاهيا (شمال)، ما أسفر عن 73 شهيدا، وعشرات الجرحى والمفقودين”.
وهو ما أكده أيضا الناشط حسام أبو ريا، لبودكاست “غزة اليوم” في “بي بي سي” يوم 6 يوليو/ تموز الماضي، بقوله: “صُدمت عندما رأيت الحزام الناري، بيتي أمامي ولا أستطيع الوصول إليه”.
** هانيبال
بروتوكولات إسرائيل في حرب الإبادة على غزة شملت أيضا تعمدها ضرب آسرين فلسطينيين بالأسلحة الثقيلة، حتى لو أدى ذلك لمقتل أسرى إسرائيليين، وهو ما يعرف باسم “بروتوكول هانيبال”.
هذا البروتوكول جرى اعتماده رسميا عام 2006، وعاد للواجهة بعد أسر فصائل فلسطينية عشرات الإسرائيليين، بينهم عسكريون برتب رفيعة، خلال عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023.
وفي 10 أكتوبر الجاري، قال الصحفي الأمريكي ماكس بلومنثال للأناضول: “لم يتطرق الإعلام الغربي لأوامر إسرائيل في 7 أكتوبر بقتل مواطنيها وجنودها الذين احتُجزوا رهائن، والمعروفة ببروتوكول هانيبال”.
واتهم تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، في 12 يونيو/حزيران الماضي، الجيش الإسرائيلي باستخدام “بروتوكول هانيبال” مرات عدة في غزة.
وأشار التقرير إلى ادعاءات بـ”استخدام بروتوكول هانيبال” في موقع احتفال “نوفا” بمحاذاة غزة في 7 أكتوبر 2023، تشير إلى “إطلاق مروحيات تابعة لإسرائيل النار على سيارات مدنية، ما أدى إلى مقتل إسرائيليين”.
وفي اليوم نفسه، قصفت دبابة إسرائيلية منزل مستوطن في مستوطنة “بئيري” بمحاذاة غزة، ما أدى إلى مقتل إسرائيليين، وفق تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية في 8 يناير/كانون الثاني الماضي.
وكشفت حينها تقارير إعلامية عبرية أن الجيش “أطلق قذيفة دبابة على منزل عائلة إسرائيلية، أثناء احتجازها من قبل مسلحين فلسطينيين، يوم 7 أكتوبر، ما أدى إلى مقتل المسلحين و12 إسرائيليا”.
وكالمعتاد، تصر الحكومة الإسرائيلية على تكذيب جميع الاتهامات باستخدام البروتوكول، ووصفت في 15 يونيو الماضي، اللجنة التي أعدت التقرير الأممي بأنها “منحازة وملوثة بأجندة واضحة معادية لإسرائيل”.
** بروتوكولات مقصودة
البروتوكولات العسكرية المعلنة وغير المعلنة، التي تستخدمها إسرائيل للإبادة الجماعية في غزة، تؤكد أحاديث عسكريين ومسؤولين إسرائيليين أنها مقصودة وتوافق رؤية تل أبيب.
في 14 أغسطس/آب الماضي، نقلت “هآرتس” عن جندي إسرائيلي في غزة إن قادته قالوا إن استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية يعود لـ”نقص الكلاب المدربة التي قُتل كثير منها أو أصيب في الحرب أو سرّح من الخدمة”.
وعقب أيام من اندلاع الحرب، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 10 أكتوبر 2023، سكان قطاع غزة بـ”الحيوانات البشرية”، ما يُظهر دوافع ورؤية إسرائيل لاستخدام المدنيين في بروتوكولي “البعوض” و”الدبور”.
أما بروتوكولات “الضاحية” و”الحزام الناري” و”هانيبال”، التي تستخدم الأسلحة الثقيلة أيا كانت النتائج على سكان غزة والموجودين فيها، وبينهم الأسرى الإسرائيليين، فتدعمها حرب الإبادة الجارية، بالإضافة إلى تصريحات إسرائيلية كثيرة.
وبعد أيام من اندلاع الحرب، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، في 12 أكتوبر 2023، إن “سكان غزة يستحقون العقاب الجماعي الذي يتعرضون له، لأنهم مناصرون لحركة حماس”.
فيما دعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى “ضرب غزة بقنبلة نووية”، مؤكدا أنه “يجب إبادة القطاع وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيه”.
وكشفت فصائل المقاومة في غزة وتحقيقات عديدة مقتل أسرى إسرائيليين بسبب القصف العنيف العشوائي الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على غزة، حتى أن أهالي الأسرى اتهموا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بالتخلي عن أبنائهم”.