منذ عدة أيام، يتصاعد الخلاف في الصومال حول طريقة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 2026، في وقت تعاني فيه البلاد من اضطرابات أمنية وسياسية وتواجه صراعًا مستمرًا مع قوات حركة “الشباب” المتمردة.
وبينما يرغب الرئيس حسن شيخ محمود بإجراء اقتراع شعبي مباشر يرى أنه يتوافق مع الدستور المؤقت وباتت البلاد مستعدة له، تتمسك ولايات وقيادات معارضة باستمرار الاقتراع غير المباشر، بداعي أن البلاد غير مهيئة بعد لتغييره.
وفي عام 1968 شهد الصومال آخر انتخابات مباشرة، حين أُجريت انتخابات برلمانية ورئاسية، فاز فيها حزب “الشباب” (لا علاقة له بحركة “الشباب”).
وشارك في هذه الانتخابات 88 حزبا، واختار الناخبون 190 نائبا انتخبوا رئيس الجمهورية، وسرعان ما تحالفت معظم الأحزاب مع حزب “الشباب”.
وفاز في هذه الانتخابات الرئيس عبد الرشيد علي شارماركي.
لكن سرعان ما تلاشت آمال الشعب في الحكومة المدنية، واندلع صراع على السلطة وزادت نعرات قبلية، ما مهد الطريق لاغتيال شارماركي في عام 1969 برصاص أحد عناصر الشرطة.
وقادت عملية الاغتيال إلى انقلاب عسكري وتولى محمد سياد برى حكم البلاد، ثم أُطيح بحكومة بري العسكرية المركزية عام 1991.
وبعد حروب أهلية دموية استمرت أكثر من ثلاثة عقود، إثر انهيار الحكومة العسكرية، بدأ الوضع السياسي يتحسن تدريجيا، وصار قطاع من الشعب الصومالي يتطلع إلى إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر.
ومنذ عام 2000، يعتمد الصومال نظام انتخابات غير مباشرة، مبني على المحاصصة القبلية، أي تقاسم المناصب السيادية على “قاعدة 4.5″، بمعنى أربع قبائل كبرى وخمس قبائل صغرى.
ويقوم أعضاء المجالس التشريعية في الولايات ومندوبو القبائل باختيار أعضاء البرلمان الاتحادي، الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد.
لكن في عام 2018 اتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية على إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر، وبالفعل صادق البرلمان على هذه الخطوة.
غير أن رؤساء الولايات تراجعوا، خشية أن تؤدي مثل هذه الانتخابات إلى تغيير المعادلة السياسية في البلاد، وتمنح فرصة لاستمرار الرئيس آنذاك محمد عبد الله فرماجو لولاية إضافية.
وبعد تجاذبات كاد يغرق البلد العربي في فوضى سياسية عارمة، واتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية، في سبتمبر/أيلول 2022، على استمرار الانتخابات غير المباشرة.
وفي مايو/ أيار من ذلك العام، فاز حسن شيخ محمود بانتخابات الرئاسة، وأعلن أمام البرلمان قبل أيام اعتزامه إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في 2026 بالاقتراع العام المباشر.
ويتصاعد الجدل والخلاف بين الحكومة والولايات المعارضة، وبينها ولايتا بونتلاند وجوبالاند وإدارة خاتمو إستيت المنفصلة من ولاية أرض الصومال (شمال)، بشأن طريقة إجراء الانتخابات المقبلة، وما إذا كانت البلاد مستعدة للاقتراع العام المباشر.
** عقبات موروثة
وقال الرئيس شيح محمود، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن “الشعب يريد إجراء انتخابات مباشرة حرة ونزيهة في المناطق المحررة من قبضة حركة الشباب وفي الولايات التي تسيطر عليها الحكومة”.
وأضاف أن “الانتخابات غير المباشرة تتعارض مع دستورنا، والمكوث فيها في الأوقات الماضية كان مفروضا علينا، أما الآن لدينا فرصة لنتخلص منها”.
وتابع: “أكثر من نصف قرن لم تشهد فيه البلاد انتخابات شعبية حرة، ونتطلع الآن لاجتياز الانتخابات التقليدية وأن يفهم الجميع العقبات المورثة من إجراء انتخابات غير مباشرة من فساد وجور بعض القبائل”.
كما أعلن رئيس الحكومة حمزة عبدي بري، في سبتمبر/ أيلول الماضي، استعداد حكومته لإجراء الانتخابات بنظام الاقتراع العام المباشر.
وأضاف بري أنه “لا يمكن إجراء انتخابات غير مباشرة والعودة إلى خيمة أفسيوني مرة أخرى”.
وتوجد “خيمة أفسيوني” (اسم محافظ مقديشو بعهد الوصاية الإيطالية 1950- 1960) قرب مطار آدم عدى الدولي بالعاصمة، وتُنصب منذ عام 2016 لاستضافة مؤتمرات الحكومة والمعارضة، وتُجرى فيها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومراسم التنصيب.
** ثقة حكومية
وأيد المستشار القانوني لوزارة الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة الوطنية عرفات علي محمد، في تصريح للأناضول، ما ذهب إليه شيخ محمود وبري بشأن الاقتراع العام المباشر.
وقال محمد إن “الحكومة والولايات التابعة لها تثق في تشكيل حكومة ديمقراطية بالاقتراع الشعبي، لا مجال سوى لإجراء انتخابات مباشرة وفقا للدستور المؤقت والقوانين المحلية الأخرى”.
ولفت إلى أن المجلس الوطني الاستشاري، الذي يتكون من الحكومة الفيدرالية والولايات، قرر في نهاية أكتوبر/ تشرين الماضي عدم تأجيل انتخابات 2026، المزمعة بالاقتراع العام المباشر، ما لم يحدث طارئا.
وأضاف أن “الحكومة ترحب بأفكار وآراء الأحزاب والمنظمات المعارضة بشأن احتمال وجود ما يحول دون إجراء انتخابات مباشرة.. الأطراف المعارضة تتمنى انتخابات غير مباشرة، وهو أمر مستحيل”.
** تجهيزات ضرورية
ووفق المحلل السياسي إسماعيل محمد إسحاق فإنه “يمكن للحكومة إجراء انتخابات مباشرة في العاصمة والمناطق التي تسيطر عليها والولايات التابعة لها”.
ورهن إسحاق، في حديث للأناضول، الأمر بـ”مدى جاهزية الأنظمة والمؤسسات الحكومية المخصصة لشؤون الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
كما رهن الاقتراع المباشر بـ”توفر الدعم المالي واللوجستي من الأمم المتحدة والدول الحليفة، وبينها تركيا والولايات المتحدة، وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي”.
** المطلوب من الحكومة
على الجانب الآخر، يرى الرئيسان السابقان شريف شيخ أحمد وفرماجو والعديد من قيادات المعارضة عدم معقولية إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر حاليا.
وقال شريف، في 3 نوفمبر الجاري ردا على شيخ محمود، إن “الحكومة الحالية غير قادرة على القيام بهذا العمل.. لقد فشلت في بسط نفوذها في أنحاء العاصمة؛ فضلا عن جميع البلاد”.
وأردف: “لا يمكن تجاهل الواقع الذي تمر به البلاد من ويلات الحروب الأهلية والطائفية الجارية في المناطق الوسطى والشمالية والانقسامات القبلية والإقليمية الحادة”.
شريف زاد بأن “انتخابات شخص واحد وصوت واحد (الاقتراع المباشر) مسؤولية مشتركة بين الحكومة ومعارضيها”.
واستدرك: “لكن مطلوب من الحكومة تشكيل المحكمتين الدستورية والعليا ومفوضية الانتخابات وتجهيز جميع الأنظمة والأدوات المعاصرة التي تساهم بإجراء الانتخابات بصورة واضحة وشفافية تقنع كافة الأطراف المتصارعة على السطلة”.
** خطوة مهمة
المحلل السياسي بدر الدين رشيد لفت إلى أن النظام الانتخابي الراهن يقوم على اختيار أعضاء مجلس النواب، البالغ عددهم 275 من مندوبين معينين بواسطة رؤساء العشائر، وفق قاعدة “4.5” المتفق عليها في مؤتمر المصالحة الوطنية بجيبوتي.
وأضاف رشيد للأناضول أن “تطبيق النظام الانتخابي الجديد يحتاج إلى توصل الأطراف السياسية لحل سلمي ومصالحة”.
فيما وصف أستاذ العلوم السياسية أحمد عبد الله جهود الحكومة لإغلاق “خيمة أفسيوني” وإجراء اقتراع مباشر بأنها “خطوة مهمة”.
وأعرب عن تأييده لـ”لجهود الحكومة الهادفة إلى إصلاح أنظمة الدولة”، وحذر من المعارضة لهذه الجهود “قد تؤدي إلى خراب البلاد وإفساد الدولة”.
** تهديدات أمنية
ويخيم التهديد باستخدام العنف على أجواء انتخابات 2026، سواء من حركة “الشباب” أو تنظيم “داعش” أو مليشيات معارضة مسلحة.
وحذر مستشار رئيس مجلس الشعب الصومالي (إحدى غرفتي البرلمان) لشؤون البرلمانات العربية والإسلامية محمد عمر طلحة، في تصريح للأناضول، من “إجراء انتخابات غير مدروسة”.
وأضاف أن “الصومال بحاجة إلى انتخابات مباشرة باقتراع شعبي حر، لكن ذلك يتطلب جهودا كثيرة، سواء على مستويات الأمن والسياسة والاقتصاد والمجتمع”.
وأكد ضرورة “إيجاد بيئة سلمية يتمكن فيها الناس من اختيار المرشح الذي يصوتون له بحرية نفسية وقانونية وفي مكان مناسب يخلو مما يهدد حياتهم”.
وختم طلحة بالدعوة إلى “توصل جميع الأطراف إلى اتفاق سياسي، وتوفير لجان الانتخابات، ورفع معنويات الشعب وتوعيته بنظام الانتخاب الجديد، لكن لا ينبغي علينا التسرع في هذا الإجراء دون تمعن وإعداد مناسب”.