يعتبر بعض الإيرانيين أن تزامن اليوم الأول من ولاية الرئيس مسعود بزشكيان مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران يُعدّ “مؤشرا على سوء حظ الحكومة الحالية”، بينما يرى آخرون أن “الإخفاق” في الوفاء ببعض الوعود يعود إلى “مؤامرة صهيونية سبقت محاولات الحكومة الإصلاحية لتطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة”.
وربما من حسن حظ بزشكيان أن تواجه حكومته، حتى قبل حصول أعضائها على ثقة البرلمان، تحديات خارجية كبيرة عززت من التفاف شريحة كبيرة من التيار المحافظ حوله وجنّبته انتقادات خصومه السياسيين على ضوء الدعم الكبير الذي حصل عليه من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي.
ورغم إجماع الأوساط الإيرانية حول الصعوبات التي اعترضت حكومة بزشكيان خلال الـ100 يوم الأولى من عودة الإصلاحيين إلى سدة الحكم، فإن ذلك لم يمنع المعارضة والموالاة في طهران من التذكير بالشعارات والوعود التي أطلقها الرئيس إبان حملته الانتخابية، الصيف الماضي، وتقييم أداء حكومته وتعداد إنجازاتها وإخفاقاتها خلال الفترة الماضية.
وعود
وبينما توجه حاشية الحكومة الإيرانية الراهنة أصابع الاتهام إلى خصومها السياسيين، كون الرئيس بزشكيان ورث كارثة كساد اقتصادي تمثّل في تراجع قيمة العملة الوطنية وعجز في الطاقة وتزايد هجرة الأدمغة، يتساءل منتقدوها عما قدمته الحكومة التي طالما انتقدت السياسة الخارجية للحكومة السابقة، وجاءت بحماس لتطبيع علاقاتها مع القوى الغربية ورفع العقوبات الجائرة عن الإيرانيين.
وكان الرئيس الإصلاحي بزشكيان قد أطلق شعارات خلال حملته الانتخابية وعد من خلالها بمواجهة التمييز بحق النساء والقوميات والأقليات الدينية والنخب، إلى جانب العمل على رفع القيود المفروضة على الشبكة العنكبوتية، ووضع حد لعمل شرطة الأخلاق، وأنه لن يألو جهدا في سبيل معالجة غلاء المعيشة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
وكان بزشكيان تحدث في المناظرات التلفزيونية عن عزمه على محاربة الفساد وضرورة شطب اسم إيران من القائمة السوداء، بسبب عدم مصادقة طهران على قوانين مجموعة العمل المالي “فاتف” المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال و”تمويل الإرهاب”، وكذلك التفاوض مع القوى الكبرى لحلحلة القضايا الشائكة وعلى رأسها الملف النووي.
إخفاقات
من ناحيته، يشير الناشط السياسي المحافظ والسفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، إلى تزامن مرور نحو 100 يوم على رئاسة بزشكيان مع بدء خطة حكومته لترشيد الكهرباء، مضيفا أنه يوافق على تنفيذ الخطة لو كانت بسبب نقص في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، لكنه يعتقد أن سوء الإدارة هو السبب الحقيقي وراء عجز الطاقة بالبلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوجه أبيانه انتقادات لحكومة الرئيس بزشكيان، بسبب الإشارات التي أرسلتها للقوى الغربية بشأن عزمها التفاوض لرفع القيود الاقتصادية والعقوبات التي وصفها بأنها أنهكت كاهل الاقتصاد الوطني، مضيفا أن واشنطن ردت على الدعوة الإيرانية للتفاوض “بمساعدة الكيان الصهيوني على مهاجة العمق الإيراني”.
وبرأي المتحدث، فإن فريق بزشكيان خسر الرهان على فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في رئاسيات أميركا 2024، في حين أنه لا فرق بين سياسة الرؤساء الأميركيين في معاداة الشعب الإيراني، على حد قوله، منتقدا بزشكيان “بسبب سماحه لبعض الشخصيات التواقة للسياسات الغربية أن تلتف حوله”.
ويعتقد الناشط السياسي المحافظ أن بعض الوعود التي أطلقها بزشكيان، ومنها المصادقة على قوانين “فاتف” ورفع القيود عن منصات التواصل الغربية، تنتهك الأمن القومي، كما أن بعضا آخر من وعوده -لا سيما بخصوص الحجاب الشرعي- تتعارض والشريعة الإسلامية.
وعلى الصعيد الداخلي، يقول أبيانه إن العديد من المؤشرات الاقتصادية، ومنها سوق البورصة وقيمة العملة الوطنية وأسعار السلع الأساسية، اتخذت منحنى مخالفا للوعود التي أطلقها الرئيس خلال حمتله الانتخابية، مستدركا أن موقف بزشكيان القاطع “بخصوص مواجهة المغامرات الصهيونية” محل ترحيب وإجماع من قبل جميع التيارات السياسية في الجمهورية الإسلامية.
وفي السياق، نشرت وكالة أنباء “رجاء نيوز” المحافظة تقريرا بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسة بزشكيان، ورأت أن سياسة حكومته في عدم الحضور بين الناس لا تتناسب والشعارات التي رفعها من أجل تحسين الوضع المعيشي، في حين أن سلفه إبراهيم رئيسي قام على أقل تقدير بـ3 زيارات إلى المحافظات خلال الفترة المماثلة من ولايته.
إنجازات
في المقابل، يؤكد داريوش كشتكار، الناشط السياسي الإصلاحي وأحد المسؤولين في حملة بزشكيان الانتخابية، أن الحكومة الراهنة لم تتحدث يوما عن أنها ستحقق شعاراتها خلال 100 يوم، وإنما العمل جار على تنفيذ هذه الوعود حتى آخر يوم من عمرها.
وفي حديثه للجزيرة نت، استدرك كشتكار أن الرئيس بزشكيان أوفى بوعده بخصوص مشاركة القوميات والأقليات الدينية والنساء في إدارة البلاد، وكذلك تشكيل حكومة وفاق وطني وهي تجربة لا مثيل لها في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وبرأيه، فإن “حكومة بزشكيان أوجدت انسجاما كبيرا بين الدبلوماسية والميدان أفشل المؤامرات الصهيونية الرامية إلى استدراج طهران إلى حرب إقليمية”، موضحا أن الحكومة الراهنة ردت بصلابة على اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، وانتقمت كذلك لحلفائها في فصائل المقاومة، وتمكنت من تعزيز الوفاق الوطني على الساحة الداخلية.
وأرجع المتحدث نفسه، سبب المماطلة في رفع القيود عن الشبكة العنكبوتية والمصادقة على قوانين “فاتف” وغيرها من الوعود الانتخابية إلى مقاومة من سماهم “سماسرة العقوبات والحصار الاقتصادي”، مؤكدا أن العمل من أجل تنفيذ هذه الوعود سيستمر بقوة، وأن الرئيس كلّف لجانا خاصة لإزالة العوائق التي يضعها خصومه السياسيون أمام المصالح الشعبية.
ويلقي كشتكار باللوم على التيار السياسي المنافس وحكوماته التي أوصلت البلد الغني بالنفط والغاز إلى ترشيد استهلاك الطاقة، بسبب عدم قيامها بواجبها خلال توليها الرئاسة، مضيفا أن الحكومة الراهنة ورغم التحديات التي اعترضتها، فإنها لأول مرة قدمت مشروع الميزانية في الموعد المحدد ووفقا لأعلى مواصفات الشفافية.
واعتبر الناشط السياسي الإصلاحي تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، وكذلك التقارير عن عقد اجتماع بحضور الملياردير الأميركي إيلون ماسك، وهو مستشار للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وسفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، “دليلا على عزم الحكومة الراهنة خفض التوتر مع القوى الكبرى والأوساط الأممية”.
في غضون ذلك، نشرت صحيفة “إيران” الرسمية تقريرا بالمناسبة، رأت فيه أن الحكومة سجلت إنجازات كبيرة خلال الفترة الماضية، وذلك رغم التحديات التي واجهتها بسبب التطورات الإقليمية، ومنها سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية بحق قيادات فصائل المقاومة.