اختلفت آراء المراقبين الروس حول جدية طلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس تقديم مبلغ 24 مليار دولار كمساعدات عسكرية لكييف، بحسب تقرير لصحيفة “بوليتيكو” الذي فصلت فيه طلب إدارة بايدن تخصيص 8 مليارات دولار كـ”مبادرة لتعزيز أمن أوكرانيا” و16 مليار دولار لتجديد مخزونات الأسلحة التي تضاءلت.
وعلى الرغم من بقاء أسابيع فقط لمغادرة بايدن منصبه، أشارت الصحيفة إلى أن مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض اقترح أن يدرج الكونغرس هذه المساعدة في قرار تمديد التمويل الحكومي، الذي تمت الموافقة عليه في سبتمبر/أيلول الماضي، وينتهي في 20 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتشهد موسكو والغرب أجواء أعلى مستوى من التوتر بينهما، لا سيما بعد إعطاء الغرب الضوء الأخضر لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيد المدى داخل عمق الأراضي الروسية، وهو ما تم بالهجوم الذي شنته قواتها على مقاطعتي كورسك وبريانسك، حيث قالت روسيا إنه تم بصواريخ أميركية وبريطانية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن في 21 من الشهر الجاري أن بلاده استخدمت -ولأول مرة- أحدث الصواريخ الباليستية الروسية متوسطة المدى غير النووية من طراز “أوريشنيك”، وضربت مجمع “يوجماش” الصناعي العسكري في دنيبر بأوكرانيا.
تعطيل التسوية
يقول الباحث في النزاعات الدولية فيودور كوزمين، إن بايدن يسابق الزمن لتمرير قراره قبل أن يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه، في سياق محاولاته لتعطيل أي تسوية للنزاع بين موسكو وكييف، حيث سمح مؤخرا لأوكرانيا بتنفيذ ضربات بأسلحة أميركية في عمق روسيا، ووافق على شحن ألغام مضادة للأفراد، وأعفى أوكرانيا من دَين يبلغ نحو 5 مليارات دولار، وفرض عقوبات على شركة “غازبروم بنك”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن روسيا -في كافة الأحوال- أظهرت أنها تملك قدرة تعطيل أي أثر ملموس لأي مساعدات غربية عسكرية لأوكرانيا في المستقبل، وفي حال نفذت إدارة بايدن نواياها فإنها لن تتردد في إعادة استخدام صاروخ “أوريشنيك” الذي أظهر مواصفات قادرة على إحداث تدمير كبير.
وحسب رأيه، فقد باتت الإدارة الأميركية الحالية أمام حقيقة مفادها أنه لم يعد بالإمكان تجاهل أن استخدام هذا الصاروخ قد أدى إلى تحول نموذجي في الحرب بأوكرانيا، وبأن روسيا ربما لم تعد بحاجة إلى أسلحة نووية للرد على الهجمات على أراضيها.
ويوضح كوزمين أن “أوريشنيك” سلاح غير نووي، وليس سلاح دمار شامل بأي حال من الأحوال، لكنه سلاح عالي الدقة وذو قوة تدميرية هائلة، ولا يملك الغربيون وسائل لحماية أنفسهم منه، وسيكونون -حسب تقديره- أمام أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، حتى لو رفضوا التسليم بفكرة انتصار روسيا في الحرب.
دعاية واستنزاف
وبينما يصف بعض المراقبين الروس خطوات بايدن الأخيرة بأنها جزء من خطته لدعم كييف قبل وصول ترامب إلى سدة الحكم، يشكك آخرون في إقدام واشنطن على ذلك، بعد قيام روسيا باستخدام صاروخ “أوريشنيك” فرط الصوتي، الذي قال الرئيس بوتين إنه لا توجد له مضادات في العالم.
ويرى مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف، أن توجه بايدن لتأمين دعم أوكرانيا قبل مغادرته منصبه يعد “قرارا دعائيا بالدرجة الأولى، لأن الحاجة الأساسية بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية هي التعويض عن الذخائر التي أنفقها البنتاغون، وليس توريد الأسلحة لكييف”.
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أنه في الأشهر الأخيرة، وأثناء انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، “كانت الولايات المتحدة تنفق على الأسلحة بكثافة، فقد زوّدت كلا من إسرائيل وأوكرانيا بالذخيرة، خارج الحدود المتفق عليها، ما تسبب بحالة استنزاف للترسانة الأميركية”.
وتابع بأن “الرؤوس الحامية” في الغرب وبعد تجربة استخدام صاروخ “أوريشنيك” ستعيد النظر بفكرة نشر قوات “الناتو” في أوكرانيا للقتال هناك، وفي حال لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للقتال، فإن بقية أعضاء الناتو سوف يبدون ببساطة في أوكرانيا كـ”دجاجة مقطوعة الرأس” أمام هجمات القوات الروسية، بحسب وصفه.
ويوضح المتحدث ذاته أن جيش بريطانيا قوامه نحو 80 ألف فرد ولديها عدد صغير جدا من الوحدات القتالية، والجيش الألماني مكون من 175 ألف فرد، وصفهم بأنهم “نسوا كيف يقاتلون”، بينما فرنسا تعيش أزمة سياسية واقتصادية عميقة، أما الولايات المتحدة فالرأي العام ضد الحرب، ولا يمكن للرئيس المنتخب دونالد ترامب تجاهل ذلك.
وعلى الرغم من عدم صدور بيان رسمي حتى اللحظة من البيت الأبيض يؤكد ما ذهب إليه تقرير صحيفة “بوليتيكو”، وغياب تعليق رسمي من موسكو، فقد استحوذ على اهتمام المراقبين ووسائل الإعلام الروسية، الذين يرون أنه يعيد إلى الأذهان تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي قال فيه إن “الرئيس بايدن سيثبت أننا سنبقى بحاجة إلى موارد ثابتة لأوكرانيا، لأن التهديد الذي تواجهه سيظل قائما، بغض النظر عما يحدث في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات”.