يبدو أن فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية يثير العديد من التوقعات بشأن قضايا متنوعة عمل عليها خلال ولايته الأولى، أبرزها الملف النووي الإيراني وزيادة الضغوط على طهران للاستجابة للمطالب الدولية.
وخلال توليه رئاسة الولايات المتحدة (2016- 2020)، كثف ترامب الضغط على إيران بسبب برامجها النووية والصاروخية وفرض عقوبات شاملة على طهران، تحت عنوان “الضغط الأقصى”.
لذلك يعتقد خبراء أن الفترة الرئاسية القادمة ستنطوي على تداعيات بالنسبة لطهران.
في مقابلة مع راديو “أوروبا الحرة”، قال فرزان ثابت، الباحث في معهد “جنيف للدراسات العليا”: “سيتعين على إيران التفكير في تغييرات جذرية في سياستها الخارجية وأمنها القومي… من أجل درء أزمات أكبر يمكن أن تأتي نتيجة لرئاسة ترامب”.
“الضغط الأقصى”.. جولة ثانية؟
واصلت إدارة ترامب حملة “الضغط الأقصى” على إيران بين الأعوام (2017- 2021)، ومن أبرز ما تضمنته، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين طهران والقوى العالمية، وفرض عقوبات اقتصادية مشددة، وقتل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقال ثابت إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض يمكن أن تشهد جولة ثانية من سياسة “الضغط الأقصى” بهدف “إضعاف النظام الإيراني”.
وقد يعمد ترامب هذه المرة إلى وضع نوع من السياسة التي لا يمكن تغييرها أو التراجع عنها مستقبلاً في حال تغيّرت الإدارة الأميركية، بحسب ثابت.
وفي أبريل 2019، أوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تفاصيل “الضغط الأقصى”، إذ واصلت الولايات المتحدة بناء قدرات الشركاء في دول إقليمية عدة للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات الإيرانية، وستواصل استهداف التحركات الإيرانية وعمليات الحرس الثوري مع حلفائه في دول المنطقة.
وأضافت أن “العقوبات الأميركية قطعت طريق إيران للحصول على مليارات الدولارات من الإيرادات النفطية، وخفضت صادراتها أكثر من أي وقت مضى. وتم سحب 1,5 مليون برميل من النفط الإيراني الخام، كما تم تقييد وصول إيران إلى الإيرادات من بيع النفط الخام على الفور عند البدء بإعادة فرض العقوبات (نوفمبر 2018) التي حرمت النظام من الوصول المباشر إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الإيرادات النفطية منذ مايو 2018”.
وفرضت إدارة ترامب في حينه، بحسب ما نقلت قناة “سي أن أن”، عقوبات على أكثر من 970 كيانا وفردا إيرانيا في خلال أكثر من 26 جولة من العقوبات، ويفوق هذا العدد نظيره في أي إدارة في تاريخ الولايات المتحدة، حتى وقت نشر البيان.
هذه الحملة، بحسب بيان الخارجية، أدت لـ”هبوط الاقتصاد الإيراني بشكل مستمر وفقد الريال الإيراني ثلثي قيمته”، فضلا عن أن الجمهورية الإسلامية شهدت ركوداً اقتصاديا وبلغ التضخم مستوى غير مسبوق قدره 40% منذ مارس 2018 حتى أبريل 2019.
وفي يونيو 2019، سافر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران حاملاً رسالة من ترامب، إلا أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي رفض الرد آنذاك.
ومن المتوقع أن يقود براين هوك، الذي أشرف على حملة “الضغط الأقصى” سابقاً، الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب في وزارة الخارجية. وذكرت وسائل إعلام أميركية إنه يمكن النظر في تعيين هوك لمنصب وزير الخارجية.
خلال الحملة الانتخابية، أرسل ترامب رسائل مختلطة بشأن إيران، وهدد بتفجير البلاد إلى “أشلاء”، لكنه قال أيضا إنه منفتح على إجراء محادثات مع طهران. وقال ترامب أيضا إنه يريد أن تكون إيران “ناجحة” رغم تأكيده أن طهران “لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا”.
“ليس” تغيير النظام
في السياق نفسه، يتوقع الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، حميد رضا عزيزي، أن يمنح ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “الحرية” في مواجهة إيران، حيث يتمتع الاثنان بعلاقات وثيقة.
وكان نتانياهو هنأ ترامب بفوزه في الانتخابات، ووصفه بأنه “أعظم عودة في التاريخ”، كما هاتفه لاحقاً ثلاث مرات، بحسب ما أكد الأحد خلال الاجتماع الحكومي المصغّر.
خلال فترة ولايته الأولى، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، مما عكس عقودا من السياسة الأميركية. كما نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المتنازع عليها.
يرى فرزان ثابت أن “الوضع الأمني الإيراني يتدهور بسرعة في مواجهة إسرائيل مع احتمال مشاركة الولايات المتحدة بشكل أكبر”.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشقيان في 7 نوفمبر إن فوز ترامب في الانتخابات “لا يحدث فرقا” بالنسبة لطهران، التي “أعطت الأولوية لتطوير العلاقات مع الدول الإسلامية والدول المجاورة”.
وتعهد الرئيس المؤيد للإصلاح بإشراك الغرب لرفع العقوبات قبل توليه منصبه في يوليو الماضي، خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي لاقى مصرعه في حادث تحطم طائرة.
ولم يفعل بعض المشرعين ووسائل الإعلام الإيرانية المحافظة الكثير لإخفاء ازدرائهم لترامب.
وتباينت ردود الفعل الإعلامية بخصوص عودة ترامب للبيت الأبيض، البعض وصفه بـ”القاتل” وآخرون دعوا للتفاوض معه.
وقال المحلل السياسي المقيم في طهران حميد آصفي لإذاعة “أوروبا الحرة” إن بعض منتقدي المؤسسة الدينية يأملون في أن يساعد ترامب في الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.
لكنها برأيه مجرد أمنيات، إذ لم تستهدف سياسة ترامب أبداً تغيير النظام في إيران.
وأضاف آصفي أن “العديد من السياسيين والمحللين في إيران يعتقدون الآن أن طهران يمكنها بسهولة إبرام اتفاق مع ترامب، لأنه صانع صفقات”.